الثاني : ما ذكره الراغب حين قال (١) : الخلود هو تبرّي الشيء من اعتراض الفساد وبقاؤه على الحالة التي هو عليها. وكل ما يتباطأ عنه التغيير والفساد تصفه العرب بالخلود ، كقولهم للأثافي خوالد. وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها ... ومنه قيل : رجل مخلد لمن أبطأ عنه الشيب ، ودابة مخلدة هي التي تبقى ثناياها حتى تخرج رباعيتها.
ومنه يظهر بوضوح عدم التأبيد ، بل يكفي لذلك عدة سنوات كعشر سنين ، ونحوها!! ومنه يظهر بطلان إطلاقه على الله سبحانه وتعالى بكلا هذين المعنيين ، كما هو موجود فعلا في ارتكاز المتشرعة.
فلما لم يكن الخلود للتأبيد ، احتاج إلى القيد الدال عليه في الآية؟
سؤال : إن قوله : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) ، ظاهر في التأبيد ، ولكنها مقيدة في آية أخرى وهي قوله تعالى (٢) : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ). فما هو الوجه في ذلك؟
جوابه : من عدة وجوه :
الأول : أن نقول بخلود السماوات والأرض ، وكونها أبدية. فتتوافق الآيتان. ويكون الاستثناء للانقطاع.
الثاني : أن نقول بعدم التأبيد للسماوات والأرض ، فيكون من قبيل التقييد ، ويكون التأبيد داخلا في المستثنى من الآية الثانية.
الثالث : أن نقول : إن المراد منها السماوات والأرض الباطنية وهي خالدة حتما ما دام الفرد مستمرا.
سؤال : حول قوله تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ). وإشكاله : أنه ثبت في علم الكلام أن الله تعالى بسيط لا تدخله الحوادث والطبائع مثل الرضا والغضب ، مع أن ظاهر القرآن هو ذلك.
__________________
(١) المفردات مادة «خلد».
(٢) هود / ١٠٧.