ثم قال عز من قائل : (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ). بالهمزة بقراءة حفص ، وقرأ غيره بترك الهمز : والهمز أشهر ، إلّا أنه غير موجود في أصل المادة.
قال الراغب (١) : يقال : أوصدت الباب وآصدته : أي أطبقته وأحكمته وبالتخفيف. أي (موصدة) مطبقة.
أقول : فلا بد من فرض باب لجهنم أو أبواب ، وإلّا لم يصدق الإيصاد. وهو منصوص عليه في القرآن الكريم. قال تعالى (٢) : (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ). كما قد وردت الإشارة إليه في بعض الأخبار أيضا (٣).
وليس المقصود من الجزء المقسوم : أن الباب منقسم إلى قسمين : كما هو المتعارف. إذ لو كان كذلك لقال : منها ولم يقل منهم. فمراده الجزء منهم أي من مستحقيها والمعاقبين فيها. كأنه يتصور جمع واقف أمام جهنم ، فيقال لكل جماعة منهم : هذه الباب التي تدخلون منها. وهذا لا يستلزم الجبر لأنه بسوء اختيارهم وفشل تصرفاتهم.
والآية مشعرة بعدم إمكان الفتح مطلقا ، كأنها موصدة إلى الأبد. وذلك بأكثر من تبرير :
الأول : إن من يفتح الباب لا بد أن يكون مسلطا على الفتح ومالكا للمفتاح ، وهم ليسوا كذلك. فهم آيسون من التصرف بالباب مطلقا ، فمن زاويتهم يكون الإيصاد مؤبدا. وأما من بيده المفتاح فيستطيع أن يفتحها متى شاء ، وهما اثنان : مالك خازن النار ، وقسيم الجنة والنار (٤).
الثاني : إن الباب مغلق من الخارج ، فلا يكون من في الداخل متسلطا على فتحه.
__________________
(١) المفردات مادة «وصد».
(٢) الحجر / ٤٤.
(٣) انظر الميزان ١٢٠ ، ص ١٥٧. وغيره.
(٤) انظر الصواعق المحرقة لابن حجر ص ٧٥ وكنز العمال ج ٦ ص ٤٠٢ ، نقلا عن فضائل الخمسة في الصحاح الستة ، ج ٣ ص ١٠٥.