لمصلحة كيان الفرد في الدنيا والآخرة. فإن حصل هناك تناف بين المصلحتين اختار الله الأهم في الحكمة ، وهو في الأغلب مصلحة الآخرة ، وإن تخلفت مصالح الدنيا.
فليس في أفعال الله سبحانه شر ، ولا يصح الاستعاذة منها. لأن الخلاص منها يوقع الفرد على خلاف الحكمة. بخلاف (شَرِّ ما خَلَقَ) فإنه موجود ويمكن الاستعاذة منه. ولذا يدعو بعضنا : كفانا الله شرّ بني آدم.
قوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ).
قال الراغب (١) : غسق الليل شدة ظلمته. والغاسق الليل المظلم. أقول : حسب فهمي ، فإن الغاسق أول الليل ، لأنه الفاعل للظلمة الشديدة. وذلك فيما إذا ذهب الشفق أي الحمرة المغربية ، وتمّ الظلام.
وقال الراغب (٢) : الوقب كالنقرة في الشيء. ووقب إذا دخل في وقب. أقول : يعني : إذا دخل في النقرة أو الثقب. ويستعمله الفقهاء في اللواط. وعن المرأة يعبرون بالدخول حتى لو كان دبرا.
سؤال : إن قوله : (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) ، استعاذة عامة و : (مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ ...) إلخ استعاذة خاصة. ألا تكفي الاستعاذة العامة عن الاستعاذة الخاصة؟
جوابه : إن في عطف الخاص على العام حكما عديدة نذكر منها :
أولا : ما ذكره صاحب الميزان من أنه (٣) : لزيادة الاهتمام.
وقد اهتم في السورة بثلاثة من أنواع الشر خاصة : هي شدّة الليل إذا دخل وشرّ سحر السحرة وشر الحاسد إذا حسد. لغلبة الغفلة فيهن.
ثانيا : لأن هذه الثلاثة أشد الشرور المتصورة عادة.
__________________
(١) المفردات : مادة (غسق).
(٢) المفردات : مادة (وق).
(٣) الميزان ج ٢٠ ص ٣٩٣.