جوابه : أولا : إن الأفعال في السورة كلها منسوبة إلى الله : فعل ويجعل وأرسل وجعلهم. إلّا ترميهم فإنه يعود إلى الأبابيل. لأن الله بهذا السبب جعلهم كعصف مأكول. وهذا هو هدف هذه السورة ، وهو بيان الانتقام الكبير بإرسال الأبابيل.
ثانيا : إن القرآن قد نسب الكثير من معلولات الأسباب إلى نفسه. قال تعالى (١) : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ). وقال (٢) : (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً). وقال (٣) : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ). وقال (٤) : (أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ). والفاعل الحقيقي في كل هذه الآيات هو الله سبحانه.
والقرآن في هذه الآيات يعترف بالأسباب ويعترف بفعل الله تعالى. أي إن كلها نتيجة لفعل الأسباب ، وهي ـ في نفس الوقت ـ كلها نتيجة لفعل الله سبحانه. وهذا ما ثبتت صحته منطقيا وفلسفيا وعرفانيا. وليس الآن مجال شرحه.
والنتيجة : هي أنه مرة نسب الفعل إلى السبب وهو الأبابيل. فقال : ترميهم. وأخرى نسبه إلى نفسه فقال : فجعلهم. وكان بالإمكان نظريا ، أن يجعل كلتا النسبتين إليه سبحانه أو كلتيهما إلى الأبابيل. إلّا أنه اختار ما هو ألطف بلاغيا وعرفانيا.
وبتعبير آخر : إن الفعل فعل الله أصلا ، وهو الذي أوجد النتيجة إلّا أن الوسط أو الخريطة أو السبب هو ما أشير إليه في صدر السورة. وهو الأبابيل.
قوله تعالى : (تَرْمِيهِمْ).
__________________
(١) القمر / ١٣.
(٢) الإسراء / ١٠٣.
(٣) الواقعة / ٦٣ ـ ٦٤.
(٤) الواقعة / ٧٢.