حيث إنه هل يعود إلى عبادة واحدة أو إلى العبادتين. أو إن أحدهما للحال والآخر للاستقبال ، أو إن كليهما للحال ، أو كليهما للاستقبال.
ثالثا : إنه لم يجب عن التكرار الآخر. في قوله تعالى : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ). وهو عين الآية الثانية. فإنه تكرار باللفظ نفسه. فلا يحتمل أن يراد به شيء آخر غير ما قصد بالسابق من الزمان والمكان. ولم يتعرض لها بشيء بالرغم من قوله : ومن يعد ذلك تكرارا ، فمن قلة معرفته وتدبره. لأنه ينظر إلى اللفظ ويعدل عن تأمل المعنى.
وجوابنا : إن المعنى يستفاد من اللفظ. فإذا تكرر اللفظ تكرر المعنى ، لأن اللفظ دال على المعنى وليس مهملا. فإذا تكررت الدوال تكررت المدلولات ، وهي المعاني.
الوجه الثالث : أن ننظر إلى العبادة والمعبود كمعنى مصدري. فهناك عبادتان ومعبودان : الله وعبادته والأصنام وعبادتها. وفي السورة أربع آيات ، خص كل واحد منها بواحدة.
وبيان ذلك يتوقف على مقدمة. وحاصلها : أن «ما» أما موصولة أو مصدرية. فإن كانت موصولة كانت بمعنى المعبود ، أي المعبود الذي تعبدونه. وإن كانت مصدرية كانت بمعنى العبادة أي : لا أعبد عبادتكم ولا أنتم تعبدون عبادتي.
فتوزع المطالب الأربعة على الآيات الأربعة ، ولا يحصل تكرار أصلا.
(يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) وهذه مصدرية أي لا أعبد عبادتكم. (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) وهي مصدرية أي عبادتي. (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) وهما موصولة بمعنى معبودكم. (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) موصولة بمعنى معبودي.
ويمكن فهم المعنى بالعكس ، بالنسبة إلى المصدرية والموصولة. فنجعل ما موصولة في الآية الأولى والثانية ومصدرية في الثالثة والرابعة.