وقوله : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ). مكرر مع مغايرة اللفظ في قوله تعالى : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ).
وقوله : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). هو بمنزلة التكرار لكل منهما ، فيكون كل وجه مكررا ثلاث مرات.
وبعد اجتماع هذه المقدمات الثلاث ، نقول : إن هذه التكرارات الثلاث ، هي أقصى مقدار من التأكيد والتركيز للمفارقة بين معبود المؤمنين ومعبود الكافرين ، أو قل : هدف المؤمنين وهدف الكافرين ، وهو أمر مهم بدرجة عالية جدا ، لا يمكن التقصير فيه أو التغافل عنه.
فإنه لا يوجد هدف أعلى من عبادة الله الواحد الأحد. وأكثر مضادة من الشرك الكامل والصريح.
وبما أن هذه المباينة موجودة ، فهي تستحق التأكيد والتكرار. فيكون هذا الوجه صحيحا ، وإن لم تتم الوجوه الأخرى الآتية.
الوجه الثاني : ما ذكره القاضي عبد الجبار ، حيث قال (١) : إنه لا تكرار في ذلك ، لأن قوله تعالى : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ). المراد به المستقبل. وقوله تعالى : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ). المراد بها الحال. وقوله تعالى : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) ، المراد به المستقبل وفي الحال. أي لا أعبد ما تقدمت عبادتكم له. ومن يعد ذلك تكرارا. فمن قلة معرفته وتدبره لأنه ينظر إلى اللفظ ويعدل عن تأمل المعنى.
أقول : يرد عليه عدة إشكالات :
أول : إن هدف القيود التي ذكرها ، غير ظاهرة من العبارة القرآنية. بل لعل الظاهر القرآن. وهذا ليس كذلك.
ثانيا : إنه لم يعين رجوع الحال والاستقبال إلى أي من المجموعتين. من
__________________
(١) تنزيه القرآن عن المطاعن ، ص ٤٨٤.