ويكون قوله : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) مكررا لفظا لا معنى ، فيندفع ما ذكرناه من الإشكال على القاضي عبد الجبار.
إلّا أن هذا الوجه قابل للمناقشة : فإن توزيع ما المصدرية والموصولة ، بهذا الترتيب أو ذاك ، أمر اقتراحي لأجل تصحيح السياق ليس إلّا. ولا توجد قرائن متصلة عليه.
مضافا إلى أن السياق يدل على وحدة المدلول. ووحدة السياق قرينة ظهورية صحيحة في علم الأصول. فأما أن نحمل «ما» على الموصولية في جميع الآيات ، أو نحملها على المصدرية ، فيرجع التكرار في كلتا الحالتين.
فإن قلت : إن التكرار لغو ولا يصدر منه سبحانه.
قلت : إن اللغوية إنما تعين هذا الوجه مع الانحصار به. وليس الأمر كذلك لصحة بعض الوجوه الأخرى غير هذا الوجه ، كما سبق.
الوجه الرابع : إن الاشتقاق يختلف. فإذا اختلف اختلف معنى المادة.
فإن أحدهما فعل مضارع وهو (لا أَعْبُدُ) والآخر اسم فاعل وهو قوله (وَلا أَنا عابِدٌ). وباختلاف الاشتقاق ، نحصل على عدة نتائج في مصلحة تغير المعنى وعدم التكرار.
الأولى : الفرق اللغوي واختلاف الانطباع العرفي ، بينهما.
الثانية : إن الفعل المضارع يفيد الاستقبال ، واسم الفاعل يفيد الحال.
الثالثة : إن الفعل المضارع يفيد التأييد بإطلاقه ، يعني لا أعبد إلى الأبد أو الأزل ، وهذا ما لا يفيده اسم الفاعل.
فأي من هذه النتائج أخذنا به ، كان في مصلحة عدم التكرار ، لو لا وجود التكرار اللفظي الكامل في قوله : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) ، وهو ما لا يشمله هذا الوجه فلا يكون تاما في نفسه.
الوجه الخامس : إن الاشتقاق هنا يلاحظ بشكل آخر. ف (تعبدون) فعل مضارع يفيد الحال. و (عبدتم) فعل ماض ، ومعناه وانطباعه اللغوي