الكفر الخالص والإيمان الخالص. وما لدى الأعم الأغلب من المسلمين : إيمان مشوب بكفر. وما لدى الكافرين : كفر مشوب بإيمان. فهنا يعطي القرآن النموذج المثالي ، وهو : الكفر الذي لا إيمان معه والإيمان الذي لا كفر فيه ، وهذان لا يجتمعان أبدا.
المستوى الثاني : أن ننظر إلى الجانب المختلط بين الكفر والإيمان على اختلاف درجاته. ومع ذلك ، فهؤلاء مؤمنون وإن عبدوا الهوى والشيطان. لأن هدفهم عبادة الرحمن. وأولئك كفار وإن عبدوا الله تعالى ، لأن هدفهم الحقيقي هو العصيان والشيطان. فهنا يكون القرآن قد نظر إلى الهدف الأساسي لكلا الفريقين. فالمباينة والمفارقة موجودة. وهدف السورة بيان ذلك.
المقدمة الثالثة : إن التأكيد قد يحصل بالتكرار مرتين إلا أن أقصى التأكيد هو التكرار ثلاث مرات. وبذلك يدهم المخاطب به ، وأما التكرار أكثر من ثلاث مرات فسيكون سمجا عرفا وذوقا. بخلاف المرات الثلاث. فإنها تفيد التركيز الشديد ، مع الموافقة للفصاحة والبلاغة.
والتأكيد في القرآن الكريم قد يكون بالتكرار ، وقد يكون بغيره. وهنا قد اختار الله سبحانه التكرار ، لأجل زيادة التوضيح. وقد ورد ذلك في مواضع أخرى من القرآن كقوله سبحانه (١) : (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ). وقوله (٢) : (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ). وقوله (٣) : (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ).
والتكرار في هذه السورة ثلاث مرات ، لا مرة واحدة كما قد يخطر بالباطل.
فقوله : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ). كرر مرتين بنفس اللفظ.
__________________
(١) التكاثر / ٣ ـ ٤.
(٢) النبأ / ٤ ـ ٥.
(٣) المدثر / ١٩ ـ ٢٠.