ومع ذلك فيمكن أن نقول : إن التكرار يحتاج إلى سبب فما هو؟ ولما ذا بهذا الأسلوب من التأكيد دون غيره؟
ولتوضيح الجواب ، نحتاج إلى ذكر مقدمات :
المقدمة الأولى : إننا قلنا في المقدمة : إن الأعم الأغلب من سور القرآن الكريم ليس لها هدف معين ، أو لا يمكن التعرف على هدفها على الأقل. لكن قلنا إن بعض السور وخاصة القصار منها ، تكون واضحة الهدف. وسورة الكافرون منها. فإن سياقها واحد وبيانها وغرضها واحد.
المقدمة الثانية : في بيان صغرى هذه الكبرى. وهو السؤال عن هدف هذه السورة. فنقول : هو المزايلة والمباينة بين أهل الحق وأهل الباطل. كما ورد في بعض الأخبار «فسطاط إيمان لا كفر فيه ، وفسطاط كفر لا إيمان فيه» فهما منفصلان ومتباينان ، لا يمكن اجتماعهما بحال ، بل بينهما غاية التنافر والخصومة. فهدف السورة لبيان الانفصال التام واللانهائي بين الحق والباطل.
إن قلت : إن قصدنا من المعبود : الله. فهو معبود الجميع. بل هو معبود عبدة الأصنام أيضا ، كما قال الله سبحانه (١) عنهم : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى). وإن قصدنا : الهوى والنفس والشيطان. فهو معبود الجميع أيضا ، قوله تعالى (٢) : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) وهو معنى شامل حتى للمسلمين. فليس هناك مباينة ومفارقة بين الطائفتين. فيكون قوله سبحانه (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) مجملا غير واضح المعالم.
قلت : جواب ذلك على مستويين :
المستوى الأول : إن الملحوظ بالدقة القرآنية هما الجانبان المستقطبان. وهما
__________________
(١) الزمر / ٢.
(٢) الجاثية / ٢٣.