فلو أنه قال : «يتخذ إلى الله سبيلا» .. فإن لفظ الجلالة «الله» سوف لا يكون ظاهر الإيحاء بهذه المزايا .. بل إن المعاني الظاهرة لهم فيه ، ـ وهي جليلة وجميلة أيضا ـ تحتاج لكي توصلهم إلى مزايا الربوبية ، إلى مزيد من التأمل والوعي والتدقيق ، الذي قد لا يتوفر لدى كثير من الناس ..
فاقتضى اللطف والعطف الإلهي مخاطبة الناس على قدر عقولهم ، واختيرت كلمة الرب هنا من أجل تيسير وصولهم إليه تعالى ، ووعي مقام ربوبيته من خلال نعمه ، وألطافه ..
٧ ـ ويلاحظ : أن الحديث هنا عن السبيل قد جاء منونا بتنوين التنكير ، الأمر الذي يفهم منه : أن هناك سبلا عديدة إلى الله تعالى .. مع أن السبيل إلى الله تعالى واحد ، فقد قال في موضع آخر : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ) (١).
قال سبحانه : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٢).
غير أن التأمل في مجموع الآيات الشريفة يزيل هذه الشبهة ، إذ إن الله سبحانه قد قال أيضا : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) (٣).
وذلك معناه : أن اختلاف الإضافة قد أوجب اختلاف التعبير ، أي أنه تارة يراد إظهار النسبة إلى السبيل المتصل بالله ، والموصل إليه ، وحصر النجاة بما كان متصلا به تعالى ، فالمناسب هو الإتيان بصيغة المفرد
__________________
(١) سورة يوسف الآية ١٠٨.
(٢) سورة الأنعام الآية ١٥٣.
(٣) سورة العنكبوت الآية ٦٩.