وهو شراب يتناولونه لمرة واحدة ، ولا يحتاج إلى تكرار .. ولعله لأجل ذلك جاء بصيغة الفعل الماضي : «سقاهم» ، ولم يقل : «يسقيهم».
فما يسقيهم ربهم إياه هو شراب يطهرهم من كل عناء الدنيا ، ومن جميع شوائبها ، فكما أن الماء الطهور يطهر الثوب ، كذلك الشراب الطهور الذي يسقيهم الله إياه مطهر لنفوسهم وأرواحهم من كل ما نالها من تعب وعناء ، وما تعرضت له من أذى في الدنيا وبلاء .. ومذهب لكل ما ينغص عليهم عيشهم ، ويكدر نعيمهم وملكهم ..
وبهذا السقي الربوبي ، الذي تطهر به نفوسهم وأرواحهم ، تتهيأ وتستعد لاستقبال أنواع النعيم ، بصافي الفطرة ، وبكامل القدرة ..
ومن المعلوم أن المبالغة تارة تكون لتأكيد الكثرة أو القلة في الأفراد ، وأخرى تكون لتأكيد حالة الشدة أو الضعف ، أو الصغر أو الكبر ..
فالمبالغة في كلمة صبور ناظرة إلى بيان شدة الصبر. والمبالغة في ملول ، ناظرة إلى كثرة الملل الذي يحصل منه في مرات كثيرة ..
وكذلك حين نقول : صدوق أو كذوب. فإنها ناظرة إلى كثرة أفراد الصدق والكذب التي تصدر منه ..
وفيما نحن فيه نقول : إن الطهورية مبالغة في الطاهر ، من جهة إنه طاهر في نفسه ، ولا ينجسه غيره. كماء البحر ، وقد تكون من حيث أنه طاهر بنفسه مطهر لغيره ، مهما تكثرت أفراد ذلك الغير ، فإن البحر يبقى مطهرا له. وتبقى طهوريته في نفسه ، مهما كثر عروض النجاسات عليه ، فإنها لا تؤثر فيه ..
* * *