المستقبل ، ففيه دلالة على التصرم وعلى التجدد ..
فكلمة «عاليهم» تفيد الثبوت ـ ولا تفيد الحدوث ـ وتفيد أيضا الدوام .. وليس فيها إشارة إلى حالة فقدان أصلا ، قد يرتجف لها القلب ، ولو في مستوى التوهم ، بسبب التعبير بصيغة المضارع ..
٣ ـ وأما السبب في أنه تعالى لم يقل : يلبسون ، أو لابسون ثياب سندس ، بل اختار كلمة «عاليهم» ، فلعله ليفيد ظهور هذا الأمر فيهم. وهذه الكلمة هي أنسب التعابير عن ذلك ، لأن العالي ظاهر للقريب والبعيد .. إذ مجرد أن يلبس الإنسان شيئا لا يكفي لظهور الملبوس للغير .. فقد يلبسه تحت الثياب الظاهرة ، ويقال : إن سفيان الثوري رأى على الإمام الصادق عليهالسلام في المسجد الحرام ، ثيابا كثيرة حسانا ، فقال : والله لآتينّه ولأوبخنّه! ..
فدنا منه ، فقال : يابن رسول الله [صلىاللهعليهوآله] ما لبس رسول الله [صلىاللهعليهوآله] مثل هذا اللباس ، ولا علي ، ولا أحد من آبائك!
فقال عليهالسلام : كان النبي [صلىاللهعليهوآله] ، في زمن قتر مقتر ، وكان يأخذ لقتره وإقتاره ، وإن الدنيا بعد ذلك أرخت عزاليها ، فأحق أهلها بها أبرارها ، ثم تلا : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) (١) .. فنحن أحق من أخذ منها ما أعطاه الله ، غير أني يا ثوري! ما ترى علي من ثوب إنما لبسته للناس ، ثم اجتذب بيد سفيان فجرها إليه ، ثم رفع الثوب الأعلى ، وأخرج ثوبا تحت ذلك على جلده غليظ ..
فقال : هذا لبسته لنفسي غليظا. وما رأيته للناس.
__________________
(١) سورة الأعراف الآية ٣٢.