أظهر تلك الآثار ، حتى أن ابن سعد قد شجَّع فرسان أهل الشام وهيَّج أحقادَهم إذ قال لهم : ويحكم! أتدرون من تقاتلون؟! هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتّال العرب ، احملوا عليه من كل جانب (١). فإنّ غرضه لم يكن مدح أبيه بالشجاعة ، بل تذكير العداوة السابقة ليُقدموا على المحاربة [...] بنظر الانتقام ، ولذا فرّع عليه قوله : «فاحملوا».
وبقي من تلك الآثار بعض أقسامها ، فأظهرها ابن معاوية وبيده قضيب خيزرانة ، وبين يديه رأس الحسين عليهالسلام ينكت به ثناياه ويقول :
ليت أشياخي ببدر شهدوا |
|
جزع الخزرج من وقع الأسل |
لأهلّوا واستهلّوا فرحاً |
|
ثم قالوا يا يزيد لا تشل (٢) |
هذه أحقاد بدر وحنين ، وأمّا أحقاد خيبر بالنسبة إلى طوائف اليهود في حق الحسين وعترته ، فقد ظهرت عند دخول دمشق لما عبروا بهم من محلات اليهود ، وينادي مروان أخ اليهود بل الأشرّ منهم : «يا معشر اليهود ، هؤلاء من أولاد أحمد الذي قد قتل رجالكم وسبى نساءكم ، وجلاكم عن أوطانكم!» ، فأشعلوا عند ذلك النيران والقصب ورضخوا الرؤوس والاُسارى بالأحجار.
قوله : «وجرى القضاءُ لهم بما يُرجى له حُسنُ المثوبة» : يعني إنهم لما ابتلوا بمصائب شديدة من القتل والسبي والإقصاء كما في وقعة الطف ؛ فإنهم قد أبعدوا وشرّدوا عن أوطانهم كما قال دعبل فيما قال :
مشرَّدون نُفوا عن عُقْرِ دارِهِم |
|
كأنهم قد جَنَوا ما ليس يُغتفُر (٣) |
ويمكن [أن تكون] الإشارة به إلى الغريبين الأب : موسى بن جعفر غريب بغداد ، وابنه أبي الحسن الرضا غريب خراسان ؛ وإن انتهى آخرهما إلى القتل والمسمومية ، ولكن الأظهر في مصداق الإقصاء هو وجود حجة العصر ـ عجل الله فرجه ـ فقد جرى له القضاء بالغيبة الكبرى ، ولكن يُرجى له حسن المثوبة ، بأن يكون ظاهراً كي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، وهو الذي اُشير إليه بقوله : إذ كانت الأرضُ لله يُورثها من يشاء ،
__________________
١. مناقل آل أبي طالب عليهمالسلام ، ج ٣ ، ص ٢٥٨ ؛ بحار الأنوار ، ج ٤٥ ، ص ٥٠ ؛ العوالم (الإمام الحسين عليهالسلام) ، ص ٢٩٣ ؛ مقتل الحسين عليهالسلام لأبي مخنف ، ص ١٩٧.
٢. روضة الواعظين ، ص ١٩١ ، المسترشد ، ص ٥١٠ ؛ مقاتل الطالبيين ، ص ٨٠ ، الاحتجاج ، ج ٢ ، ص ٣٤.
٣. عيون أخبار الرضا عليهالسلام ، ج ١ ، ص ٢٩٨ ضمن ح ٣٦ ؛ مناقب آل أبي طالب عليهمالسلام ، ج ٢ ، ص ٥٤.