يناديهم ، فصاح بأعلى صوته : يا أصحاب سورة البقرة ، ويا أهل بيعة الشجرة ، أين تفرون؟! (١)
ثم إن النبيّ ـ مع كونه لا يقرأ الشعر إلا منكسراً ، ولا يقول شعراً كما في الآية الشريفة : (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ) (٢) ـ تكلَّم بكلام موزون ، بل يمكن درجه في الشعر ، للترغيب والتحريص ؛ فإن الشعر له أثر مخصوص في القلوب تنفعل عنه الطباع جداً ، فقال صلىاللهعليهوآله :
أنا ابنُ عبد المطلب |
|
أنا النبيُّ لاكذب (٣) |
فتأثر القوم من كلماته صلىاللهعليهوآله ، [لا] سيما بعد نداء العباس بعبائر مهيِّجة ؛ فإنّ تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية : أما سبب كون البيعة تحت الشجرة مهيجاً لهم فواضح ؛ لكونهم قد بايعوه على أن لا يخذلوه ولا يتركوه بين الأعداء ويحفظوه وأولاده ... إلى غير ذلك من العهود والمواثيق. وأما تشويقهم بتذكار سورة البقرة ، فيمكن أن يكون لتذكير قصة البقرة التي بإصابة بعضها بالميِّت صار حيّاً بإذن الله ، ففي هذا الجهاد الواقع بإذن الله وبين يدي رسول الله حياة أبدية وسعادة دائمة ، بل لم يكن أكثر فقرات تلك القصة من استخلاص المتهمين بالقتل بظهور القاتل ومن انتفاع الإسرائيلي بثمن البقرة وغير ذلك إلا به سبب التوسل والصلاة على محمد وآله ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ على ما في تفسير الإمام [العسكري] عليهالسلام.
وكيف كان فالمنهزمون في تلك الغزوة ـ وإن رجعوا بعد النداء ، فلهم مع من هو ثابت القدم كأمير المؤمنين عليهالسلام منافرة ومعاندة قهرية ؛ لعدم السنخية. فهذه الأحقاد والضغائن كانت مودعة وكامنة في قلوبهم قد ظهرت بعض آثارها في حق أمير المؤمنين ، فتولدت حرب الجمل وصفين والنهروان.
بل لا يبعد أن يكون شهادته عليهالسلام أيضاً أثراً من آثارها ، وادّخر بعض الآثار إلى زمن أولاده ، حتى ظهر بعض من تلك الآثار في حق الحسين عليهالسلام. أما ترى أنّ وقعة الطفِّ من
__________________
١. الأمالي للمفيد ، ج ١ ، ص ١٤٢ ؛ مناقب آل أبي طالب عليهالسلام ، ج ١ ، ص ١٦٦ ؛ بحار الأنوار ، ج ٢٠ ، ص ١١٨ ، تفسير القمي ، ج ١ ، ص ٢٨٧.
٢. سورة يس ، الآية ٦٩.
٣. الأمالي للطوسي ، ص ٥٧٤.