المنقولة الكاشفة عن تصلبه في أمر الدين من دون ملاحظة لَوْم ولا عتاب.
قوله : «فأودع قلوبهم أحقاداً بدريةً».
أقول : أما الأحقاد البدرية فواضحة ؛ لأنّ المحاربة مع أهل مكة والعمدة فيهم بنو أميّة ، وكذلك الأحقاد الحنينية ؛ فإن المحاربة ـ وإن كانت مع الهوازن ـ إلا أن أهالي مكة ومنهم بنو اُميّة قد ظهر منهم في هذه الغزوة بعض الإقدامات ، من حيث كونهم متزلزلين ومضطربين من جهة فتح مكة بما يقرب من شهر أو شهرين قبل ذلك ، حتى أن النبيّ صلىاللهعليهوآله قد أعطى أكثرَهم من غنائم حنين قسمة كثيرة ومنع الأنصار ، وليس ذلك إلا لتأليف قلوبهم وحبَّبهم ولسدّ باب فتنتهم.
وهذا كله واضح ، وإنما الإشكال في الأحقاد الخيبرية ؛ فإن المحاربة [في خيبر] مع اليهود ، ولم يظهر من جماعة اليهود بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله بالنسبة إلى أمير المؤمنين عليهالسلام لما كان يصح انتسابه إلى آثار تلك المحاربة. ولكن يمكن الجواب عن ذلك بأن الفتح لمّا كان في تلك الغزوة باسم أمير المؤمنين ، وقلعُه باب خيبر ممعروف من الأخبار والسير ، حتى قيل فيه أشعار وأبيات كما في قصيدة ابن أبي الحديد :
يا قالع البابِ الذي عن حمله |
|
عجزت أكفٌّ أربعون وأربعُ (١) |
مع أن رجال الصحابة قد انهزم كلُّ واحد منهم مع جنده قبله في الأيام السابقة ، ومع انهزامهم في اليوم السابق ، كان يرجو كلٌّ منهم إعطاءَ الراية غداً لهم ، لما وعد صلىاللهعليهوآله بقوله : لاُعطينَّ الرايةَ غداً رجلاً يجبُّ اللهَ ورسولَه ، ويحبُّه اللهُ ورسلُه (٢). لكونهم آيسين من عليٍّ لابتلائه شديداً بوجع العين ، فلما كان الغد دعا النبي علياً ـ وكان أرمد ـ فحضر ، فأعطاه اللواء بعد أن استشفى لعينيه بلعابه الشريفه ، وقال : اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وشماله ، وقِهِ الحرَّ والبردَ ... إلى آخره.
ومن الواضح أن هذه أسباب عظيمة للحقد والعداوة لكبار الصحابة ، كما أن الانهزام والفرار في غزوة الحنين في أول الأمر لما أصابهم العين السوء بملاحظة كثرة جيش الإسلام ، وعدم بقاء الأصحاب مع النبي صلىاللهعليهوآله ، إلا القليل مما يقرب العشرة منهم أمير المؤمنين عليهالسلام ، حتى أن النبي لما رأى هزيمة الأصحاب أمر العباس عمَّه ـ وكان جهوريَّ الصوت ـ بأن
__________________
١. شرح القصائد الهاشميات والعلويات ، ص ١٤٠ ، وهو من القصيدة السادسة من القصائد العلويات السبع.
٢. الدعوات للراوندي ، ص ٦٣ ؛ الكافي ج ٨ ، ص ٣٥١ ؛ علل الشرائع ، ج ١ ، ص ١٦٣.