وصارت بالية واستحالت تراباً ، فهذه تبدل في الصورة.
على أن الأعضاء الأصلية في الحيوان لا تصير معدومة ، وإنما الذي تبلى هي الأعضاء والأجزاء الطارئة. وعلى التسامح العرفي يقال على مثل هذا البدن المتجدِّد : إنه البدن الأصلي. فإذا اندفعت الشبهة والاستبعاد في المعاد فكذلك هي مدفوعة في المعراج.
أمّا على القول بأن المعراج هو السير من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ـ كما هو اقدر المتيقِّن من آية الإسراء ـ فلا يرد عليه إشكال ؛ لا من جهة الخرق والالتيام ، ولا من جهة قصر المدة. فالأول واضح ، والثاني فإن بساط سليمان به سبب الريح كان غدوُّها شهراً ورواحُها شهراً ، فلا استبعاد فيه. ولكن إطلاق المعراج على هذا المعنى لا وجه له ؛ إذ لا عروج فيه ، بل مسير وإسراء كما عُبِّر به في الآية.
وأما لو قلنا بعروجه إلى السماوات بعد مسيره هذا ـ كما هو المعتقَد بمقتضى الأخبار المأثورة ـ فتوقيته بما يقرب من طرفة عين كما قيل وورد به الخبر : أنّ حلقة الباب التي تحركت عند ذهابه لم تسكن عن الحركة في إيابه (١) ، فهو وإن لم يكن عادم النظير بالتقريب ـ كما قال آصف بن برخيا : (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا) (٢) ، وذلك من اليمن إلى الشام مسيرة شهر أو شهرين ـ إلا أن النظير ـ لو سلمناه ـ فهو يرفع استبعاد المسير من حيث هو مسير ، وأما الكلمات والمخاطبات الواقعة مع الملائكة والأنبياء ـ سلام الله عليهم ـ ومع ذاته الأقدس تعالى ، فلا يصح وقوعها في هذا الوقت عقلاً. مع أن النظير أيضاً غير مسلم ، وأي مناظرة بين مسير شهر أو شهرين وبين مسير خمسين ألف سنة؟!
مع أن الشعاع أسرع الأشياء في الحركة على ما استنبطه المتجددون من علماء الاُروپ ؛ يسير في كل ثانية ثمانية وسبعين ألفاً وثمانمئة وواحد وأربعين (٧٨٨٤١) فرسخاً ، حتى قالوا : إن شعاع الشمس يصل إلى الأرض في ثمان دقائق ، والفاصلة [بينهما] سبعون واثنان مليون فرسخ بفراسخ أربعة آلاف ذرع.
فالإنصاف أن القول بالمعراج الجسماني لا يلائم هذا المقدار من التوقيت ، والاعتذار عنه بكونه روحانياً أيضاً لا يسمن ولا يغني من جوع ، مضافاً إلى عدم الفضيلة فيه كما
__________________
١. لم يوجد بهذه العبارة في المصادر.
٢. سورة النمل ، الآية ٤٠.