السماوات مسيرة خمسين ألف عام أقل من ثلث ليلة ، حتى انتهى إلى ساق العرش. انتهى. وهو الموافق للآية في سورة المعارج : (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (١).
ولأجل هذه الاستبعادات التزم جمع بعدم كون المعراج جسمانياً ، حتى قال أعرابيهم : «ألقى النبي عنصره الترابي في كرة التراب ، والمائي في الماء ، والناري والهوائي في الهواء والنار ، وصعد بروحه!». وقد أثبت هذا القائل من أمثال ذلك المعراج الروحاني لنفسه آلاف اُلوف.
ولعل المتوهِّم يتوهم صحة هذا الاعتقاد من بعض نسخ دعاء الندبة كما في زاد المعاد ، حيث قال : وعرجت بروحه (٢).
هذا ، ولكن الإنصاف أن القول بمعراج النبيّ مرتين أو مرة من هذا القبيل ، وإثباته آلاف اُلوف للأعرابي بل لكل نائم على ما قاله تعالى في الآية : (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا) (٣) الآية. بل الصلاة معراج المؤمن كل يوم خمس مرات [...] ومقرون بالاعتساف.
وأما الاستبعادات فما لم تصر بحدّ الاستحالة العقلية فليست مانعة ، كما أن معتقدنا في المعاد أنه جسماني ، والثواب والعقاب في القيامة على هذا البدن العنصري.
والقول بأنه مستلزم لإعادة المعدوم وهو محال ، كما اُشير إليه في الآية : (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (٤) ، قد أجاب ذاته الأقدس عن هذه الشبهة ـ بعد التعريض أوّلاً بقوله «ونسي خلقه» ـ قال في الآية اللاحقة : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (٥).
ومحصّل الجواب بعد التوضيح : أن إعادة المعدوم لا نسلِّم بطلانه واستحالته أوّلاً ؛ إذ لم يقم برهان يقنعنا على ذلك ، قد كان الله تعالى خلقه في الأوّل لا من شيء. ولم سُلِّم بطلانه فليس المقام من هذا القبيل ؛ فإنّ الهيولى باقية والصور متبدلة ، حتى أن العظام لو ترممت
__________________
١. سورة المعارج ، الآية ٤.
٢. زاد المعاد ، العلامة المجلسي (حجري) ، ص ٤٥١.
٣. سورة الزمر ، الآية ٤٢.
٤. سورة يس ، الآية ٧٨.
٥. سورة يس ، الآية ٧٩.