والمحدَث واضح معناه ، وهو المتجدِّد الحادث ، فقد وُصف القرآن بالحدوث. ولعل «المعرضين» أعم من الإعراض عن أصله أو عن وصفه بالحدوث ، فهم قد كذَّبوه في هذا الوصف ، وأتاهم أنباء المستهزئين. قد حُبس أحمد بن حنبل أزيد من سنتين.
ولا عجب من هذه الغفلة ، وليس هذا الذهول أعجب من ذهول الثاني ، حيث قال في وفاة النبي صلىاللهعليهوآله : «إنّه حيّ لم يمت!» ، حتى ذكّره الأول وردعه بنقل الآية : (إنّك ميّت وإنّهم ميّتون) (١).
وكيف كان ، فقد ذكر في حياة الحيوان كرامةً لأحمد بن حنبل في القول بقِدَم القرآن : أن عبد الله بن ورد قال : رأيت في الرؤيا رسول الله ـ صلَّى الله عليه [وآله] وسلم ـ فقلت له : يا رسول الله ، ما شأن أحمد بن حنبل؟ قال : سيأتيك موسى بن عمران فاسأله ... الحديث (٢) ؛ فإنّ آخر الحديث ـ على ما نقله ـ وإن كان ينبئ عن تمجيد أحمد ، ولكن ظني أن يكون الرائي قد سها في آخر الرؤيا ؛ فإنّ إحالة الرسول صلىاللهعليهوآله أمرَ أحمد بن حنبل المنكر لحدوث القرآن ومخلوقيته من بين الأنبياء إلى موسى بن عمران عليهالسلام إن كان للفضل فبينهم من هو أفضل كالخليل ، أو للتقدم فأبو البشر أقدم ، أو للقرب فروح الله أقرب منه ، وليس إلا لكونه كليماً ، فله في أمر الكلام خصوصية. ولا يبعد أن تكون تلك الخصوصية إحساس كلامه من الشجرة ، كما اُشير إليه في الدعاء : وبعضٌ كلَّمته من الشجرة تكليماً أخذاً له من الآية الشريفة في سورة القصص : (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (٣) ؛ إذ من الواضحات حدوث ذلك الكلام وظهوره من الشجرة بإيجاد الباري صوتاً ، فمعنى تلكُّمه تعالى إيجاده الكلام.
وما زعمه بعض من أن موسى سمع نداءه من الجهات الستة ليكون فرقاً بين كلام الله وكلام المخلوق ، فهو خلاف ظاهر الآية الناطقة بظهوره من الشجرة بـ «من» الابتدائية.
قوله : «ولا يقولَ أحدٌ لولا أرسلتَ إلينا رسولاً» الخ ؛ عطف على «لئلّا يزول» ، ومعناه : إنّ بعث الأنبياء وتخيّر الأوصياء لكل منهم بعنوان «المستحفِظ» إنما هو لإقامة الدين وقطع
__________________
١. سورة الزمر ، الآية ٣٠ ، مسند أحمد ، ج ٦ ، ص ٢٢٠ ؛ صحيح البخاري ، ج ٤ ، ص ١٩٤ ؛ السنن الكبرى ، ج ٨ ، ص ١٤٢ ؛ فتح الباري ، ج ٨ ، ص ١١١ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٢ ، ص ٤٠ و....
٢. حياة الحيوان ، ج ١ ، ص ٧٤.
٣. سورة القصص ، الآية ٣٠.