والحروف ، وهي مترتبة
الأجزاء ، وكل ما هو كذلك فهو حادث على ما سبق ، وحيث إنّ قيام الحوادث بذاته
الأقدس لا يجوز فقالوا : إن معنى التكلم إيجاد الكلام ولو في الحجر والشجر والهواء
وأمثال ذلك.
والحنابلة والكرَّامية أيضاً قالوا
بحدوث الكلام ، إلّا أنّ الحنابلة قالوا بكون الكلام صفة قائمة بذاته مع كونه
مركَّباً من الأصوات ، وهي حادثة ؛ لتجويزهم قيام الحوادث بذاته تعالى. والكرّامية
أنكروا كبرى القياس .
ولعمري إنّ نزاع كون القرآن قديماً أو
مخلوقاً كان له أهمية تامة في زمان أوائل الخلفاء العباسية ، وكان هارون الرشيد
يرى كونه قديماً غير مخلوق ، ولكن المأمون اعتقد بكونه مخلوقاً ودعى الناس إليه ، حتى
أنه أمر بإحضار أحمد بن حنبل من القائلين بالقدم ، وقبل وصوله إليه توفّي المأمون
، وحسب وصيته إلى أخيه المعتصم هو أيضاً دعا الناس إلى القول بمخلوقية القرآن ، وأحضر
أحمد بن حنبل ، وعقد مجلساً لمناظرته مع العلماء في هذه المسألة ، ولم يلتزم
بالحدوث ، فأمر بحبسه على ما في حياة الحيوان في أحوال المعتصم ، وفيه : إن أحمد
في ضمن مذاكراته قال : «لو جئتموني بآية من القرآن لأجبتكم وقلتُ بحدوثه» .
أقول : ومما يقضي منه العجب أن مثل أحمد
بن حنبل ـ واحد من الأئمة الأربعة ـ يقنع بآية واحدة في حدوث القرآن ، والعلماء
الحاضرون يفتون بقتله تارة وبسوطه اُخرى
ولا يأتون بما رامه! ليتني كنت في هذا المجلس كي أقطع النزاع ، وأحسم مادة الجدل
بذكر آية من آيات القرآن في أوائل سورة الشعراء ؛ قال تعالى : (وَمَا
يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ
مُعْرِضِينَ * فَقَدْ كَذَّبُوا
فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) .
فإنّ الذكر قد اُطلق في القرآن كثيراً
على كلام الله تعالى ؛ قال : (إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)
، وقال : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ)
إلى غير ذلك من الآيات.
__________________