ولعمري إن المعاندين قد غفلوا عن هذا ، وأدرجوه في القرآن ، ولعله أخذوه وصفاً له عَلَماً. ولا يخفى ركاكته ؛ لأن المناسب للسان التوصيف بكونه جليّاً لا عليّاً ، مع أنّ الجعل متعدٍّ إلى المفعولين ، فالأولى جعله مفعولاً ثانياً لا وصفاً [و] لا حالاً من اللسان.
فهذا في الركاكة والتعسف نظير ما قاله بعض المتعصبين من قضاة المخالفين في الحديث المعروف بني الفريقين : أنا مدين العلم ، وعليٌّ بابها ١ ، وكذا في قوله صلىاللهعليهوآله : من كنت مولاه ، فهذا عليٌّ مولاه ٢ : أن المذكور في هذه الموارد العليّ الوصفي لا العَلَمي. وسخافة هذا القول واضح ، [لا] سيما في الحديث الأخير ؛ فإن مقتضى قواعد النحو تعريف «العليّ» ، بأن يقول : فهذا العليُّ مولاه. وغرض هذا المجيب بيان أن المرفوع بيد النبي كان أبابكر لا ابن أبي طالب. فلاحظ وتأمل ما فيه من السخافة.
قوله : «وبعضٌ كلّمتَه من شجرة تكليماً» أقول : لا إشكال ولا خلاف في كونه تعالى متكلِّماً ، وإنما الكلام في معنى «المتكلِّم» هل هو : «من قام به الكلام» أو «من أوجد الكلام»؟
وحيث إنّ الكلام مركب من الأصوات والحروف المرتبة ، وكلما هو كذلك فهو حادث ، فيلزم كون كلام الله حادثاً ، فلا يكون قائماً بذاته ؛ لكونه قديماً ، ولا يجوز قيام الحادث بالقديم.
فقالت الأشاعرة (٣) : إنّ كلامه تعالى ليس مركباً من الًوات ، بل هو صفة قائمة به ، وكل ما هو كذلك فهو قديم ، وقال شاعرهم :
إنَّ الكلامَ لفي الفؤاد وإنما |
|
جُعل اللسان على الفؤادِ دليلا (٤) |
وهو الكلام النفسي المدلول عليه بالكلام اللفظي ، غير العلم والإرادة والكراهة.
وأمّا المعتزلة والإمامية فهم قائلون بكون كلام الله حادثاً ؛ لأنه مركب من الأصوات
__________________
١. رواه في عيون أخبار الرضا عليهالسلام ، ج ١ ، ص ٧١ ، ح ٢٩٨ ؛ الخصال : ص ٥٧٤ : الفصول المختارة ، ص ١٣٥ ؛ مناقب آل أبي طالب عليهالسلام ، ج ١ ، ص ٣١٤ ، وذكر في الأخير بعض طرقه. وقد ذكره في نظم درر السمطين ، ص ١١٣ ؛ الجامع الصغير ، ج ١ ، ص ٤١٥ ، ح ٢٧٠٥ ؛ كنز العمال ، ج ١٣ ، ص ١٤٨ ، ح ٣٦٤٦٥.
٢. رواه الصدوق في الهداية ، ص ١٤٩ ، والشريف المرتضى في رسائله ، ج ٤ ، ص ١٣١ ، وهو من المتواترات ، لاحظ الغدير ، ج ١ ، ص ١٤ ـ ١٥٨.
٣. راجع البيان في تفسير القرآن. للسيد الخوئي رحمهالله ، ص ٤٠٦.
٤. الشعر للأخطل كما في إعانة الطالبيين ، ج ٢ ، ص ٢٨٢.