قوله : «فشرطت عليهم الزهد» أي ألزمتهم بملازمة الزهد والورع ، ويُستفاد معنى الإلزام من تعلق «عليهم» به. كما أن معنى الالتزام مستفاد من العبارة الآتية «فشرطوا لك ذلك» ، أي التزموا بما ألزمتهم به ، وهو معنى العصمة ؛ على ما عليه الإمامية في حق الأنبياء والأئمة سلام الله عليهم.
قوله : «وسألك لسان صدق في الآخرين» إشارة إلى إبراهيم ـ عليه وعلى نبينا وآله السلام ـ على ما حُكي عنه في سورة الشعراء ، حيث سأله ربه بقوله : (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (١). والمراد بلسان الصدق ـ وإن كان يُحتمل كونه الثناء الجميل كما أشار إليه أمير المؤمنين عليهالسلام : ولسان الصدق يجعله الله تعالى للمرء في الناس خير له من المال يورِّثه وغيرَه (٢) ـ ولكن الظاهر إرادة الأشخاص في هذا المقام ؛ فإن الخليل ربما كان بصدد أعقابه وذريته ، حتى أنه سأل الإمامة أيضاً في عقبه ، حيث قال بعد قول الله تعالى له : (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٣).
فالغرض في هذا المقام سؤال الذرية الصالحة ، والولد الصالح أيضاً لسان صدق ، بل هو أقرب إلى اللسانية من المال الصامت وأمثاله ، فاستجيب له بإعطاء سؤله ، كما اُشير إليه في سورة مريم بقوله : (وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) (٤). فالضمير راجع إلى إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهمالسلام ؛ لتقدم ذكرهم.
ولقد كنت قبلاً في القرون السالفة (٥) ـ بصفاء الباطن وبمكنون الودّ والولاية ـ أُأَوِّل الآية المذكورة بأمير المؤمنين عليهالسلام ، فصادف أن وجدتُ في هذه الأيام في تفسير الصافي (٦) منقولاً عن القمي (٧) بما هو صريح في ذلك ، وأن المراد من الرحمة الموهوبة نبينا صلىاللهعليهوآله ، وهو رحمة للعالمين ، ولسان الصدق هو أمير المؤمنين عليهالسلام.
__________________
١. سورة الشعراء : ٨٤.
٢. الكافي ، ج ٢ ، ص ١٥٤ ، ح ١٩ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ١ ، ص ٣٢٨ ؛ الصافي ، ج ٣ ، ص ٢٨٤.
٣. سورة البقرة ، الآية ١٢٤.
٤. سورة مريم ، الآية ٥٠.
٥. كذا ، والصحيح : في السنن السالفة.
٦. الصافي ، ج ٣ ، ص ٢٨٤.
٧. تفسير القمي ، ج ٢ ، ص ٥١.