مشروعين ، بل هم المشروع لهم. فالأنسب رفع «كل» ، إلا أن يكون منصوباً بنزع الخافض ـ وإن كان بعيداً ـ أي لكلٍّ شرعت.
قوله : «فتَّبعَ آياتِك» بنصب نتَّبع ؛ لوقوعه بعد الفاء في جواب «لو لا» العرفية التي هي من الأشياء الستة ، فيكون منصوباً بتقدير «أن».
المعنى :
قوله : «اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك» ؛ لمّا كانت المصائب الواردة على الأولياء بمشيئة الله تعالى وقضائه ، فتكون متلَّقاة عند الكُمَّلين بحسن القبول ، كالنعمة ؛ لكونها من جانب المحبوب ، كما قيل في هذا المقام : «ما للعبيد والإرادو ، وإنما الإرادة للسادة».
فكل ما أراده وقضاه فهو خير محض ونعمة صرفة يُشكر عليها ، كما قال أبو عبد الله عليهالسلام لشقيق البلخي ، حيث سأله الصادق وقال : كيف أصبحت يا شقيق؟ قال : بخير ؛ إن وجدنا شكرنا ، وإذا فقدنا صبرنا. فقال عليهالسلام : هكذا كلاب حجازنا ؛ إن وجدوا شكروا ، وإن فقدوا صبروا. فقال شقيق : فكيف أنتم معاشر أهل البيت؟ قال عليهالسلام : إذا وجدنا آثرنا ، وإذا فدنا شكرنا (١).
وإلى ذلك أشار أمير المؤمنين عليهالسلام فيما نسب إليه من الديوان :
لا تُخْدَعنَّ فللمحبِّ دلائلُ |
|
ولديه من نحو الحبيب رسائلُ |
منها تنعُّمه بما يُبْلى بهِ |
|
وسرورُه في كل ما هو فاعلُ |
وعلى هذا المنوال ما قاله أبو جعفر الباقر عليهالسلام حين عاد جابراً ، وسأله عن حاله وعما يريد؟ قال جابر : اُريد المرض على الصحة ، والفقر على الغنى ، والموت على الحياة. فقال عليهالسلام : وإنا معاشر أهل البيت فلا نريد إلّا ما أراده الله ؛ فإن أراد الفقر ، نريد الفقر ، وإن أراد الغناء فنريد الغنى (٢). وهذا [من] قوله تعالى : (لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) (٣) و (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ) (٤).
__________________
١. قريب منه ما رواه في المستدرك ، ج ٧ ، ص ٢١٧ ، ح ٨٠٧٦ عن أمير المؤمنين عليهالسلام. ونسب المضمون أيضاً إلى أبي يزيد البسطامى في تفسير القرطبي ، ج ١٨ ، ص ٢٨ وتفسير الثعالبي ، ج ٥ ، ص ٤١٠.
٢. لم نجد هذه الرواية ، ولكن قريب منه ما رواه في الكافي ، ج ٨ ، ص ٢٥٣ ، ح ٣٥٧ عن أبان بن تغلب.
٣. سورة الأنبياء ، الآية ٢٧.
٤. سورة الإنسان ، الآية ٣٠ ؛ سورة التكوير ، الآية ٢٩.