حاكماً لبلدة مثلاً وأمثال ذلك ، فقال عليهالسلام : يا فلان ، أما دارك التي سكنت بها مغصوبة قد ابتعتها من فلان الغاصب فتردها إلى مالكها. فقال : «نعم يا بن رسول الله ، بأبي أنت واُمّي سمعاً وطاعةً» ، زاعماً أنه قد تخلص بهذا المقدار ، وله في باقي الأموال نفوذ واقتدار. ثم قال عليهالسلام بعد ساعة : هذا الفرس الذي جئت فوقه أيضاً مغصوب. فقال متجرعاً غصصه : «سمعاً وطاعة». إلى أن آل الكلام إلى النسوان والأولاد الحاصلين منها ، فقال عليهالسلام : امرأتك الحالية اُختك الرضاعية ، والأولاد الحاصلون منها أولاد شبهة. فلما سمع الرجل الانتظاري هذا الكلام ثقل عليه ولم يتكلم بكلمة إلا أن قال : «إني أرى إمامتك في هذه البلدة بهذا الطرز والعنوان صعباً ومستصعباً!» ، فعند ذلك استيقظ من منامه ، وتفطن لمقامه ، واستكشف سريرته من آخر كلامه. ونعوذ بالله في عواقب الأمر ، ونسأله حسن ختامه.
فقد تبين من ذلك أن الاستعداد للتشرف بخدمته من أصعب الاُمور ، ودرك فيض حضوره لأكثر أهل العصر معسور. أتراه إذا ظهر وقال : «ما هذه الأسواق المضيقة بإحداث الدكائك أمام الحوانيت المانعة عن العبور! وما هذه الشوارع المقصور عنها من الجوانب بإحداث الرواشن والأجنحة والقصور!» ، فأمر بهدم الزيادات وإزالة البدع والمحدثات ، فهل ترضى نفسك بهذه التصرفات من دون أن تتكلم ببعض المهملات ، كما في الخبر : يأتي بحكم جديد على العرب شديد (١). أقول : بل على العجم أيضاً شديد. فيقول جمع : «أنت لست ابن رسول الله ، وعليك أن تثبته ، وهذا ادعاء محض!» ، ويقول جمع عند ما يرونه يقتل كثيراً من أولاد بني اُميّة وذراري قتلة الحسين عليهالسلام : «إنه ليس من ولد رسول الله ؛ فانه كان رحمة للعالمين ، وهذا قسيّ القلب ، ليس في قلبه رقة ، يقتل الجماعات ، ويهدم العمارات!» إلى غير ذلك من الخرافات.
والسر في جميع ذلك أنه ـ عجل الله تعالى فرجه ـ لا يراعي التقية ، ولا يحكم بالظواهر من اليمين والبينة ، بل يقضي عين الواقع ، ولذا لا يرضى به أكثرُ الرعية. كما أن داوود ـ على نبينا وآله وعليهالسلام كان يحكم بالظاهر بمقتضى أن : البينة للمدعي ، واليمين على من أنكر ، وهو فصل الخطاب الذي قال تعالى في كتابه العزيز : (وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ) (٢) ، والتمس ذات يوم الحكم بمتن الواقع ، وأصرّ في التماسه واستدعائه ، فاُجيب في سؤله ،
__________________
١. مختصر بصائر الدرجات ، ص ٢١٣ ؛ الغيبة للنعماني ، ص ١٩٤ ؛ بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٣٥.
٢. سورة ص ، الآية ٢٠.