واتفق أن شيخاً تظلم إليه من فتى وجده في بستانه سارقاً ، فأخذه وجاء به إلى داوود يتظلم ، فحكم داوود بمتن الواقع وقال للفتى : اُقتل الشيخ ، وتملك الحديقة ؛ هذا هو الحكم. فنادى الشيخ بأعلى صوته : «يا معشر بني إسرائيل ، هلموا إلى حكم الجور ، إني تظلمت إلى داوود في سارق حديقتي!» وهذا حاكم القضية عوض قطع يد السارق قد أمره بقتلي وتملك حديقتي. فاجتمع بنو إسرائيل وحاصروا داره ، فاختفى داوود لا يخرج من داره إلى ثلاثة أيام وهو يتضرع إلى الله ، ويلتمس منه السر في هذا الحكم وحكمة القضية. فأوحى الله إليه : يا داوود ، السر فيه أن هذه الحديقة كانت ملكاً لأبي هذا الغلام قتله الشيخ في الحديقة وتملك الملك ، والشاهد فيه أنه وارى السكين تحت الشجرة الفلانية ، وكذا جسد المقتول في المحل الفلاني. فأخبر داوود بني إسرائيل بذلك ، ففحصوا الموضع فوجدوا كما أخبرهم وتفرقوا. فأوحى تعالى إليه : يا داوود ، اُحكم بين الناس على الظاهر : (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ) (١) ، فعاد داوود إلى وضعه الأول ، وما حكم بالواقع من حيث هو واقع ما لم يطابق أحد العناوين الشرعية الظاهرة.
كما أن نبينا صلىاللهعليهوآله أيضاً ما كان مأموراً بالحكم طبق الواقع ما لم يساعده شيء من العناوين ، وهكذا أمير المؤمنين عليهالسلام. وما اشتهر من قضايا يا أمير المؤمنين وأحكامه حتى قيل «قضية ولا أبا حسن لها» (٢) فإنما هو لأجل إعماله الكياسة والفطانة الظاهرية لا لحكمه بعلم الإمامة. فالحكم بمتن الواقع وإلغاء العناوين الظاهرية مخصوص بحجة العصر ـ عجل الله فرجه ـ ، حتى أن حكامه وعماله في البلاد ينظرون في أكفهم في كل قضية ترد عليهم ويرون حكم المسألة منقوشة فيها ، فلا يحتاجون إلى البيّنة ولا إلى اليميمن. ولذا تنسد المحاكم الغير الشرعية ، ويتعطل باب الوكالة وشهادة الزور وغير ذلك من أسباب الدخل لأكثر الناس.
ولأجل ذلك ترى أكثر أعدائه من أهل العلم ، حتى أن محيي الدين الأعرابي قال في فتوحاته المكية : «وأكثر أعدائه مقلاة أهل الاجتهاد ، ولو لا أن السيف بيده لأفتى أكثر العلماء بقتله».
وفي بعض الروايات : أنه يضرب أعناق سبعين ألفاً من هؤلاء بظهر الكوفة.
__________________
١. سورة ص ، الآية ٢٦.
٢. الرسالة السعدية للعلامة الحلي ، ص ٢٥٧ ؛ الإيضاح ، ص ١٩٣.