البكاء ، فهذا الرجل المنادي لإمامه بأعلى صوته وصياحه يجيبه غيره في مكانه بنحو من التلبيس والتتدليس إغفالاً وإسكاتاً كما يصنع مع الأطفال.
ولا مصيبة فوق هذه المصائب : أن يجلس الغاصب فوق مسند الرئيس ويجيب الغاصب. وكل هذه كناية عن مظلومية إمام العصر ـ عجل الله تعالى فرجه ـ بحيث صار سبباً لتراكم المصائب على الشيعة وبقائهم تحت الذل والإسارة وأنواع المحنة.
قوله : «هل يتصل يومنا منك بغده فنخطى». الاستفهام هنا أيضاً ليس على حقيقته ، بل للإستبعاد ؛ كما قاله في التلخيص ، ومثّل له بالآية الشريفة : (أَنَّىٰ لَهُمُ الذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ) (١). وحيث إنّ «أنَّى» سؤال عن المحل مكاناً أو زماناً ، وكان ينبغي لهم التذكر مع إتيان الرسول الذي هو ذكر لقومه ـ على ما في الآية ـ ومذكّر ، فمع وجود المذكِّر لم يتحقق منهم التذكر ، فمع عدمه لا يكون بطريق أولى. فالسؤال عن المحل إنكار واستبعاد له ؛ إذ لابدّ لكل شيء من محل ، فنفي المحل نفي للحالّ ، وإنكار هذا إنكار ذاك.
ثم إنه لا يخفى عليك أن الاستفهام حقيقة واحدة ، والأغراض مختلفة ، فقد يكون الغرض منه التعجب كما في قوله تعالى : (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ) (٢) الآية ، وقد يكون التهكم كما في قوله تعالى : (أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) (٣) الآية ، وقد يكون الاستبطاء والاستبعاد كما ذكرنا.
فهذه ليست المعاني المجازية ، بل الأغراض المستفادة المستنبطة بحسب مناسبات المحل ومقتضيات المورد. وتفصيل الكلام في تحريراتنا الاُصولية التقاطاً من شيخنا واُستادنا آية الله الطهراني قدسسره.
بقي الكلام في تفسير معنى اليوم والغدر ومعنى الاتصال في هذا الكلام. والظاهر أن يوم الداعي إشارة إلى حاله في حال الدعاء ، وهو حال المظلومية والشدة به سبب غيبة الرئيس وخفائه.
ومعلوم أن غد كل يوم بدله ، وتبدل الغيبة إلى الظهور ، عجل الله تعالى فرجه بظهوره. كما أن غد الدنيا هو الآخرة لتبدله إلى النشأة الاُخرى ، وهي نشأة المجازات عقيب نشأة
__________________
١. سورة الدخان ، الآية ١٣.
٢. سورة النمل : الآية ٢٠.
٣. سورة هود : الآية ٨٧.