[مِن قَبْلِهِمْ]) (١) الآية ؛ حيث إنّ الظاهر هو السير النظري إلى تاريخ أحوالهم ، وبهذه الملاحظة صارت نبوة نبينا خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله آخر النبوات وشريعته آخر الشرائع ، مضافاً إلى كون دينه أكمل الأديان ، لا يُنسخ بدين آخر كما كان يُنسخ الأديان السابقة والشرائع الماضية ؛ لتنظر اُمته إلى سائر الاُمم وابتلائهم به سبب معاصيهم ، فينزجروا من المناهي ويرتدعوا من المعاصي. وهذا لطف من الألطاف الإلهية المخصوصة باُمّة محمد المرحومة ، ومن هنا تبين كونهم من جلائل نعم الله تعالى التي لا تضاهى ولا تشبه ولا يقاس بهم أحد ممن سواهم.
قوله : «إلى متى أجأر فيك يا مولاي ، وإلى متى» الخ.
الاستفهام حقيقته طلب الفهم ، ففي هذا المقام حقيقة «متى» سؤال عن الزمان وغاية الضيق ومنتهى الخفاء والشدة. ولكن قد تُستعمل الألفاظ الموضوعة للاستفهام في المعاني الاُخر مجازاً على ما هو المشهور ؛ كما قال في التلخيص وشرحه في باب الإنشاء ، حتى أن التفتازاني قال في الشرح : وتحقيق كيفية هذا المجاز وبيان أنه من أيّ نوع من أنواعه معالم يحم أحد حوله.
وقال الشريف في حواشيه : ونحن نذكر في هذه المواضع ما يتضح به وجه المجاز فيها ، فمن جملة المعاني : الإنكار والتعجب والتهديد والتوبيخ والسخرية.
بل قد ذكر في التلخيص أولها الاستبطاء ، كما في الآية الشريفة : (حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّـهِ) (٢). قال الشريف : فإنّ الاستفهام عن زمان النصر يستلزم الجهل بزمانه ، والجهل به يستلزم استبعاده عادةً أو ادعاءً ؛ لأن الأنسب بما هو قريب أن يكون معلوماً بنفسه أو بأماراته ، واستبعاده يستلزم استبطاءه.
فإذا عرفت ذلك فقد تبين لك السرّ في الاستفهام في المقام وأنه الاستبطاء ، من حيث طول المدة وكثرة زمان الغيبة والشدة الموجبة للنداء بالصوت الجلي ، كما هو مفاد الجؤر ، وقد أشار الداعي بقوله : «عزيز عليّ أن اُجاب دونك واُناغى» إلى شدة المصيبة ؛ من حيث إنّ المناغاة ـ على ما سبق ـ هو بعض التكلمات مع الطفل بما لا يفهمه تمويهاً له أو إسكاتاً من
__________________
١. سورة محمد ، الآية ١٠ ، وفي النسخة : «كفروا» بدل «آمنوا» ، وهو خطأ.
٢. سورة البقرة ، الآية ٢١٤.