بضميمة ما بعده من الوصف منشأ للعجب ، كما أن المستفاد من قوله : «بنفسي أنت» كون المخاطب محبوباً للمتكلم وممدوحاً له ؛ كما سبفي في الفصل السابق أن أمثال هذه العبارات من قبيل إنشاء المدح وإظهار المحبوبية ، وهو أمر مبهم من حيث الجهة ، فهل هي العلم أو الجشاعة أو السخاوة أو غير ذلك ، فالتعقيب بقوله : «من مغيَّب لم يخل منا» يرفع الإبهام بأن محبوبيته لأجل الغيبة ، ولكن ليس مجرد الغيبة منشأ المدح بل بضميمة الوصف ، وهو عدم الخلو منا ، يعني إنّ لطفه ورأفته على الشيعة بحيث إنه مع غيبته وبُعده لا يرفع نظره عنا ؛ بل لولاه لساخت الأرض بأهلها ، ولغارت الأنهار ؛ كما عرفت سابقاً أن عوائد تصرفه ممنوعة عنا لا فوائد وجوده.
فإن قلت : وأيّ معنى في «نازح ينزح عنا» يكون منشأ المدح والمحبوبية ، مع أن النزح بمعنى البُعد ولا حسن في البُعد.
قلت : لعل النظر فيه إلى القيد الأخير ، فإن بُعده ـ عجل الله تعالى فرجه ـ عنا لتقصيرنا وعدم استعدادنا لتشرف خدمته ، فالبُعد عنا حينئذ بُعد في الله وبغض في الله ، وهو منشأ المدح والمحبوبية بالنسبة إليه من حيث كونه في حركاته وسكناته به سبب رضاء خالقه وصانعه.
قوله : «اُمنية شائق تمنّى» ظاهر سياق العبارات الاُخر دخول «من» على الاُمنية ، ولكن في النسخ الموجودة خالية عنها ، فهو من قبيل «لله درّه فارساً» ، والإضافة لا تفيد التعريف ؛ لكونها إلى النكرة.
قوله : «من مؤمن ومؤمنة» بيان للشائق ، وجملة «ذكرا» صفة لهما مع عطف جملة «حنّا» بألف التثنية عليها ، والفاء للترتيب مع السببية ، فإن الذكر سبب الحنين.
قوله : «أن اُجاب دونك واُناغى». دونك ظرف بمعنى مكانك. وتوهَّمَ بعضٌ إذ جعله بمعنى عند نظراً إلى بعض مواضع استعماله ، مثلاً في الخبر : المقتول دون الله شهيد (١) أي عند الله ، ولكن ليس المراد مطلق العندية ، بل الأنسب على هذا المعنى أن يكون الأمر بالعكس ؛ فإنّ المقتول عند الله لعدم كونه غريباً ليس كالمقتول أو الميت في بلاد الغربة ، فالمناسب إذاً أن يكون الغريب أشد ثواباً وأجراً. فالغرض هو معنى البدلية والمكانية ، يعني : إنّ المقتول في مقام الحماية والدفاع عن أهله وناموسه بمنزلة الشهيد.
__________________
١. في مجمع الزوائد ، (ج ٦ ، ص ٢٤٥) : المقتول دون ماله شهيد.