وحيث إنه ـ عجل الله فرجه ـ قد اختفى من الناس خوفاً منهم ، والاختفاء يستلزم الغيبة وبُعد الفاصلة ، فكأن بُعد الفاصلة قد مكَّنه في أبعد المواضع وأخفاها عن أنظارهم ، فصح نسبة ذلك إلى النوى في قوله : «أين استقرت بك النوى».
وهذا معنى عامٌّ كلي يحتمل المواضع العديدة والنقاط الكثيرة ، [لا] سيما بعد ضم ما بعده حيث قال : «بل أيّ أرض تقلك أو ثرى» ، والثرى إما مرادف للأرض وإما الأرض الندية على ما في القاموس (١). فيكون إشارة إلى السواحل أو الجزائر ؛ على ما في خبر علي بن صالح المازندراني وقضية الجزيرة الخضراء كما في ثالث عشر البحار (٢) ؛ فإنّ الجزيرة لكونها محاطة بالماء تكون ندية لا محالة. أو إشارة إلى الأراضي المنخفضة كالسرداب الذي غاب عليهالسلام فيه على ما في بعض الأخبار ، حتى أن الناصب العنيد ابن حجر قد استهزأ بشعره العربي الذي قال فيه :
ما آن للسرداب أن يلد الذي |
|
جعلتموه بزعمكم انسانا |
وعلى عقولكم العفاء لأنكم |
|
ثَلَّثتُم العنقاء والغيلانا |
نعم قد كانت العبارة الاُولى أعم من حيث الاشتمال على الأرض والسماء ، فخصّت في العبارة اللاحقة بالأرض والثرى ، ثم قد زاد التخصيص في العبارة الثالثة حيث قال : «أبرضوى أم بغيرها أم ذي طوى» ، فخضع «الرضوى» وهي جبل بالمدينة على ما في المجمع (٣) ، و «ذي طوى» هو موضع بمكة ؛ على ما في القاموس (٤) ، زيادة في التخصيص وتقريب إلى التعيين ، إلا أنه لكونه منافياً لما هو المأمور به من إخفاء محل غيبته ، فزيد في الأثناء ما يزيد الإبهام ؛ فإن غيرها غير معلوم ؛ لصحة صدق غير الرضوى على الأمكنة المتعددة.
أمّا تعيين «الرضوى» أو «ضي طوى» فعلى طبق بعض الأخبار ، ويكفي في الرضوى ما في البحار (٥) عن غيبة الطوسي (٦) عن عبد الأعلى قال : خرجت مع أبي عبد الله عليهالسلام ، فلما نزلنا الروحاء نظر إلى جبلها مطلاً عليها ، فقال لي : ترى هذا الجبل؟ هذا جبل يدعى برضوى من
__________________
١. القاموس المحيط ، ج ٤ ، ص ٣٠٨.
٢. بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٥٩ ، باب ٢٤.
٣. مجمع البحرين ، ج ٢ ، ص ١٨٩ مادة «رضو».
٤. القاموس المحيط ، ج ٤ ، ص ٣٥٨ قال : و «ذو طوى» موضع قرب مكة.
٥. بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ١٥٣ ، ح ٧.
٦. الغيبة للطوسي ، ص ١٦٣ ، ح ١٢٣.