أمّا كونه ابن الطور فلا مناسبة مع سورة الطور ؛ على ما هو واضح للمتأمل في عباراته وفقراته. إلا أنّ «طور سينين» في سورة التين قد فُسّر بتفاسير متعددة ؛ منها ـ على تفسير البلدان ـ تفسيره بكوفة ، كما أن «التين» هو المدينة ، و «الزيتون» هو بيت المقدس ، و «البلد الأمين» مكة ؛ كما في الصافي (١) عن الخصال (٢) والمعاني (٣) عن الكاظم عليهالسلام. ومنها ـ على تفسير الأشخاص ـ تفسيره بأمير المؤمنين عليهالسلام ، والتين والزيتون الحسنان ، والبلد الأمين رسول الله صلىاللهعليهوآله ؛ كما في الصافي (٤) عن المناقب (٥) عن الكاظم عليهالسلام.
ثم اعلم أنه قد ينزَّل العالم بالشيء منزلة الجاهل ؛ لعدم مشيه مشي العالم ، كما قاله علماء المعاني ، وذكروا له النظير قوله تعالى حكايةً عن موسى : (هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي) (٦) الآية ؛ فإنّ الخبر لابدّ له من فائدة أو لازمها ، والفائدة العلم بالحكم ، واللازم كون المتكلم عالماً به ، وكلاهما معلومان لله تعالى ، ولكن حيث سأل واستفهم بقوله : (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ) (٧) فكأنه لم يمش مشي من يعلم ، إذ سأل عن ذلك ، فعومل معه كذلك.
وقد يُنزَّل مطلق وجود الشيء منزلة عدمه ؛ لعدم بروز آثار الوجود منه ، كما يقال : «رجل عديم النفع ؛ هو والعدم سواء!».
فإذا عرفت ذلك ، فإن النادب الداعي المنادي لإمام عصره ـ عجل الله تعالى فرجه ـ بهذه العبارات المهيجة للحمية والمثيرة للغيرة ، لما لم يجد مجيباً لندائه ولا مستمعاً إلى دعائه ، فأيس من ذلك ، وجدَّد الاستفهام عن مكانه كما كان مستفهماً ومتحصاً قبل ذلك ، فقال : «ليت شعري أين استقرت بك النوى» ؛ فإن معتقدنا معشر الإمامية أن إمام العصر يَعلم استغاثة المستغيث ؛ كما في بعض الزيارات : أشهد أنك تسمع كلامي وترد سلامي ، ولكنه لعدم الجواب نُزِّل منزلة من فُقد أو غاب ، فتمنَّى العلم بموضعه ومحل غيبته.
__________________
١. الصافي ، ج ٥ ، ص ٣٤٦.
٢. الخصال ، ص ٢٢٥.
٣. معاني الأخبار ، ص ٣٦٤ ، ح ١.
٤. الصافي ، ج ٥ ، ص ٣٤٦.
٥. مناقب آل أبي طالب عليهمالسلام ، ج ١ ، ص ٢٥٩.
٦. سورة طه ، الآية ١٨.
٧. سورة طه ، الآية ١٧.