وجوابه واضح ؛ فإنَّ العلة المحدثة ليست مبقية ، فكما أن حدوث الممكنات لابدّ له من علة فكذلك بقاؤها. ومعنى قيُّومية الواجب تعالى هو إبقاء الموجودات على حالة الوجود ؛ لأن علة الاحتجاج إلى الواجب في الممكنات على التحقيق هو الإمكان لا الحدوث. فالهداية كما أنها في بدو الحدوث مفتقرة إلى مشيئة الباري تعالى فكذا في بقائها ، فالسؤال في هذه بالنسبة إلى البقاء ؛ كما في الصافي (١) عن أمير المؤمنين عليهالسلام : يعن أدم لنا توفيقك الذي أطعناك به في ماضي أيامنا حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا. انتهى.
وبتقريب آخر نقول : إن الهداية قد تكون بمعنى إرادة الطريق كما في قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (٢) ، وقد يكون بمعنى الإيصال إلى المطلوب كما في قوله تعالى : (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (٣) ؛ حيث إنّ إراءة الطريق كان من وظائف النبي «ص» ، فالمنفي في الآية هو الإيصال المسبِّب عن التوفيق الرباني ، فليس كل مهتدٍ في البدو واصلاً إلى المطلوب ـ وهو الجنة ـ حتى يثبت ويستمر على دينه ، ويكون راسخاً في إيمانه إلى الموت ، وهو بتوفيق الله سبحانه. فالدعاء في الآية سؤال ذلك التوفيق والإدامة في الهداية.
وأمّا الصراط في الآية فعلى ما في الصافي (٤) عن المعاني (٥) عن الصادق عليهالسلام : هي الطريق إلى معرفة الله تعالى ، وهما صراطان : صراط في الدنيا ، وصراط في الآخرة ؛ فأمّا الصراط في الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة ، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة ، ومن لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردّى في نار جهنم. انتهى.
فقد استفيد من هذا الخبر أنّ صراط الدنيا مقدمة لصراط الآخرة الذي هو أدقّ من الشّعر وأحدّ من السيف ، والناس مختلفون في سلوكه بين مسرع في السير كالبرق الخاطف ومبطئ فيه ، إلى أن يصير بعضهم يمشي على أربع. ومبنى الاختلاف اختلافهم في مراتب الولاية.
__________________
١. الصافي ، ج ١ ، ص ٨٥ ؛ وانظر : معاني الأخبار ، ص ٣٣ ، ح ٤.
٢. سورة الإنسان ، الآية ٣.
٣. سورة القصص ، الآية ٥٦.
٤. الصافي ، ج ١ ، ص ٨٥.
٥. معاني الأخبار ، ص ٣٢ باب معنى الصراط ، ح ١.