فيقول : «أيها الشجاع وابن الشجعان الكرام ، أغثني» ، فيعلَّق الحكم على الوصف مشعراً بالعلية ، يعني : إنّ استغاثتي والتجائي بك لأجل الشجاعة الموروثة والكرم المألوف من سلسلتك؟
هذا ، وأمّا حمل هذه العبارات وأقسام النداء على الندبة ـ وإن كمان مناسباً لكون الدعاء مسمى بدعاء الندبة كما أشرنا إليه في المقدمة ـ ولكن يبعّده وجهان :
أحدهما : أن المندوب يُزاد الألف غالباً في آخره مع الهاء أو بدونها لاستطالة الصوت ، وهذه العبارات كلها خالية عنه.
الثاني : أن هذه الأوصاف لا تلائم الندبة ، بل هي ـ كما عرفت ـ مهيِّجة للحميّة ومثيرة للغيرة والحماسة.
المعنى :
وحيث إن رجلاً لو كان مظلوماً وسيّده غاب عنه لا يدري [أين] محله ، فهو من كثرة الظلم وشدة ما يرد عليه يتفحص ويتجسس كل نقطة ومكان من المظانّ المحتملة ، فإذا وجد سيده فبعد إظهار فدويته وعرض إرادته وخدماته يلتجئ إليه ويستغيث به ويخاطبه ويناديه بما يهيّج به حميَّتَه ، فإنْ نال مقصوده وإلا فيلتجئ بمن هو أعلى منهما ، وكلهما مطيعان له ، والأمر موكول إلى إرادته السنية. فكذلك الداعي بهذا الدعاء لفرط الابتلاء في الغيبة الكبرى يتفحص عن سيده بتعبيراته الأولية بعبارات الاستفهام بقوله : «أين أين» إلى أن يصل بمقام قربه والاستعداد ، لحضرته ، وكأنه وجده ، فيظهر فدويته بقوله : «بأبي أنت وأمّي» ، ثم يناديه بهذه العبارات.
قوله : «يا ابن الصراط المستقيم» الصراط المستقيم إشارة إلى الآية الشريفة : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (١).
أمّا معنى الهداية إلى الصراط ، فربما يصدر من بعض الجهّال المعاندين وأبالسة الإنس سرّاق الدين بعض الكلمات في أمثال هذه الآيات بتشكيك ضعفاء العقيدة من المسلمين بمثل هذه الشبهات الواهية ، فيقول مثلاً : «إنك لو كنت على الهداية فما معنى الدعاء؟ لكونه حينئذ تحصيلاً للحاصل ، وإلا فأنت على ضلالة! إذ هما ضدان بل نقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان».
__________________
١. سورة الفاتحة ، الآية ٦.