ولا يخفى أن كونه مستقيماً بالنسبة إلى السالك لهذا الصراط ؛ حيث إنّ الاستقامة حدّ الاعتدال بين الإفراط والتفريط ، وميزان عدل مانع من الانحراف إلى اليمين واليسار ؛ (لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) (١) ، وقد بيّنه الله سبحانه بعد ذلك بقوله تعالى : (لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) (٢) ؛ فإن النعمة من المطْلقات المحمولة على الفرد الأكمل المشار إليه في الآية : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (٣) وفي قوله : (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (٤) على ما قاله الرضا عليهالسلام (٥) معاتباً لمن فسّره بالطعام والشراب : بأن الله شأنه أجل من محاسبة الطعام والشراب كما لا يحاسبه أدنى إنسان يرد عليه الضيف ، بل المراد نعمة الولاية. وقد اُشير إليه أيضاً في الآية الاُخرى الواردة في قضية غدير خم (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) (٦).
فإذا عرفتَ هذا فقد تبيَّن لك أن المراد من المنعَم عليهم : الذين تفضَّل عليهم الله ـ سبحانه وتعالى ـ بإمامة أمير المؤمنين عليهالسلام ، ثم وصفهم الله بحدّ التوسط والاعتدال بعدم التفريط والإفراط ؛ فإن الناس ـ كما أنهم في حق عيسى روح الله قد انحرفوا عن الدين ؛ تارة بالتفريط كاليهود حيث إنهم من شدة العداوة قد نسبوا إلى اُمّه ما لا يناسب عصمتها وخدارتها ، واُخرى بالإفراط كالنصارى إذ قالوا باُلوهيته ـ فالمغضوب عليهم هم اليهود على ما يُستفاد من آية : (مَن لَّعَنَهُ اللَّـهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) (٧) ، والضالين هم النصارى ؛ حيث قال فيهم : (قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا) (٨). فكذلك في حق أمير المؤمنين عليهالسلام على ما قال النبي صلىاللهعليهوآله : يا علي ، هلك فيك اثنان : محب غال ، ومبغض قال (٩). وإنما الناجي من اعتدل
__________________
١. سورة النور ، الآية ٣٥.
٢. سورة الفاتحة ، الآية ٧.
٣. سورة الضحى ، الآية ١١.
٤. سورة التكاثر ، الآية ٨.
٥. عيون أخبار الرضا عليهالسلام ، ج ١ ، ص ١٣٧ ، ح ٨.
٦. سورة المائدة ، الآية ٣.
٧. سورة المائدة ، الآية ٦٠.
٨. سورة المائدة ، الآية ٧٧.
٩. نهج البلاغة ، ج ٤ ، ص ٢٨ ، حكمة ١١٧ بلفظ : «هالك فيَّ ..» ، وكذا في عيون الحكم والمواعظ للواسطي ، ص ٥١١.