وكذلك العين في الرؤية ؛ لأنّ الأعمى لا يتمكن من المراقبة والمحافظة ؛ لعدم رؤيته من يرعى حمى الغير ، فالأصل فيه هو العين.
وهذا معنى ما قيدوا به علاقة الجزء والكل باشتراط استعمال الجزء في الكل بكونه مما يُنتفى بانتفائه الكل ، فالمدار والمعيار في صحة التجوز تحقق الاتحاد ولو تنزيلاً وادعاءً بين المعنى الحقيقي والمجازي بأي معنى كان. وحيث إن ظهور شرافة مكة ومنى وبروز احتراماتها لأجل بيانات النبي صلىاللهعليهوآله وانتسابه إليهما ـ فكأن قوم مكة من حيث هي مكة لوجوده «ص» ـ فصح إطلاق مكة عليه في قوله : يا ابن مكة ومنى.
ويمكن أن يكون النظر إلى مجرد الانتساب ، كما يقال : «فلان من أبناء البصرة أو الكوفة» أي من أهاليهما ؛ من جهة علاقة الحالّ والمحل ، كما في قوله تعالى : (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ) (١) أي أهلها.
بقي الكلام في الغرض بأنّ النداء في هذه العبارات العديدة حقيقة كانت أو مجازاً ؛ فإن المنادى هو المطلوب إقباله بالنداء ؛ على ما قاله أهل العربية. ولكن الأغراض من النداء مختلفة ؛ فقد يكون المقصود منه التكلم ، وقد يكون منه الاستغاثة ، وقد يكون منه الحضور ليتعجب منه الناس ، وقد يكون المنظور منه التفجع والتوجع كما في الندبة. والظاهر أنّ هذه ليس كل منها معنى آخر لحروف النداء ، بل من قبيل اختلاف الأغراض من النداء بحسب اختلاف الموارد ، وله نظائر في الموارد الاُخر ؛ فإن الاستفهام طلب الفهم ، فقد يكون الغرض منه الإنكار أو التوبيخ أو التقرير أو الإبهام أو الشك أو غير ذلك مما ذكروه في كتب العربية.
وكيف كان فالظاهر كون الغرض من النداء في هذه العبارات هو البعث والتهييج وتحريص حجة العصر ـ عجل الله تعالى فجره ـ كي يدعو ربه فيستجاب له ، كما اُثير إليه في الفصل السابق ؛ مأخوذاً من الآية الشريفة : (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ) (٢) الخ.
ألا ترى أنه إذا كان رجل مظلوماً ، ويراه رجل آخر مقتدر على رفع الظلم منه وهو من الشجعان ومن نسل الشجعان وسليل الكرام ، فيناديه بأمثال العبارات التي يهيِّج له الحمية ،
__________________
١. سورة يوسف ، الآية ٨٢.
٢. سورة النمل ، الآية ٦٢.