صميمية للقائل في حق المقول فيه ، وليس هذا إلا لاستعداد المقول فيه في نظر القائل لهذه المراتب ، فهذا هو إنشاء المدح ، فالمقصود هو المعنى الكنائي ، فلا يكون عقوقاً ولا كذباً ولا تفدية الأفضل للمفضول ؛ كما هو واضح للمتأمل.
قوله : «يا ابن السادة المقرَّبين» الخ. هذه العبارات المشتملة على الحقيقة والمجاز من حيث استعمال البعض في المعاني الموضوع لها ـ كأكثر الفقرات ـ وبعضها في المعنى المجازي كقوله يا ابن الطور والعاديات : فإنَّ (وَطُورِ سِينِينَ) (١) في سورة التين قد فُسِّر بالكوفة (٢) ، وبعلاقة الحالّ والمحل قد عُبِّر بالكوفة عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، كما قد عُبِّر بمكة ومنى في قول السجاد عليهالسلام : أنا ابن مكة ومنى ، (٣) عن النبي صلىاللهعليهوآله.
ولا يخفى أن الذي يلزم في التجوّز هو شدة العُلقة والارتباط وكمال الاتحاد بين المعنى الحقيقي والمجازي ، بحيث يصح دعوى الاتحاد تنزيلاً ، كما قال الشاعر :
رقَّ الزُّجاجُ ورقَّتِ الخمرُ |
|
فتشابها وتشاكَلَ الأمرُ |
فكأنَّما خمرٌ ولا قَدَحٌ |
|
وكأنما قَدَحٌ ولا خمرُ (٤) |
فالعلائق المذكورة من المشابهة والحلول والسببية والجزئية والعموم والخصوص وغير ذلك لا توجب صحة التجوّز ما لم تبلغ في الظهور وشدة الارتباط بهذه المثابة ، فليس كل مشابهة أو كل حلول والسببية مثلاً مصحِّحاً للتجوز. ألا ترى صحة التجوز في الأسد بالنسبة إلى الرجل الشجاع بمشابهة في الشجاعة لا في الجدار بالنسبة إلى الرجل الطويل لشبهه في الطول ؛ والرقبة في العبد للجزء والكل ، دون الأصبع مثلاً ؛ فإنّ أظهر أوصاف الأسد لمّا كان هو الشجاعة ، فقد اضمحلّت سائر الصفات في جنبها ، فليست الأسدية إلا بالشجاعة ، فمِن هنا صار الرجل الشجاع كأنه هو الأسد ، وكذا العبد لمّا كان أظهر أوصافه الرقية والانقياد للمولى بواسطة حبل المالكية الذي هو في عنقه ـ كما صار الحيوان بواسطة الزمام أو اللجام تحت سلطنة مالكه ـ فالرقبة مظهر رقيته ، فكان تمام الملاك في العبودية.
__________________
١. سورة التين ، الآية ٢.
٢. معاني الأخبار ، ص ٣٦٥ ؛ بحار الأنوار ، ج ٩٦ ، ص ٧٧.
٣. المناقب لابن شهر آشوب ، ج ٣ ، ص ٣٠٥ ، وقد نطق به الإمام الحسن السبط عليهالسلام أيضاً حين قال له معاوية بعد الصلح : اذكر فضلنا كما في الأمالي للصدوق ، ص ٢٤٥ وتحف العقول ، ص ٢٣٢ وغيرهما.
٤. البداية والنهاية ، ج ١١ ، ص ٣٦١ ؛ بحار الأنوار ، ج ٥٥ ، ص ٤٨.