وإن كان بعد وفاتهما فهو كذب محض ؛ إذ لا معنى للفداء إلا تعريض الفداء للقتل ، ولا وجه له مع الموت ؛ لكونه تحصيل الحاصل ، مع أنه ربما كان الفداء في أمثالهما أفضل من المفدَّى له ، مثلاً في قول العلياء زينب الكبرى ـ سلام الله عليها ـ علي مرثية أخيها الحسين عليهالسلام : بأبي من هو لا جريح فيداوى ... الخ (١).
والذي يمكن أن يُجاب بحيث يندفع الإشكال بحذافيره ، أن يقال : كون هذه العبارات وأمثالها كناية عن إنشاء المدح للمفدَّى له ، والغرض إظهار الإخلاص والمحبة من القائل ، فالغرض من الكناية ـ التي هي ذِكر اللازم وإرادة الملزوم أو العكس على الخلاف ـ هو إظهار مراتب المحبة والخلوص.
وقد ذكروا الفرق بين المجاز والكناية : أن المَجاز إرادة اللازم مع القرينة الصارفة عن المعنى الأصلي الذي هو الملزوم ، والكناية إرادة اللازم مع جواز إرادة الملزوم لا وجوبه وتعينه ، ففي قولك «زيدٌ كثيرُ الرماد» الغرض إرادة معنى السخاوة الملزومة أو المستلزمة لكثرة الرماد وإن لم يكن له رماد ، كما أن «طويلُ النجاد» كناية عن الشجاعة وإن لم يكن له نجاد ، وهكذا.
فاندفع بهذا إشكالات عديدة ربما صارت مطارح الأنظار في الفقه وغيره ، مثلاً لو قال رجل لآخر : «يا ابن الفاعلة» أو «ملعون الوالدين» فهل هو قذف للأبوين أو شتم لهما أو هو شتم وإنشاء ذم للمخاطب والمقول فيه فقط؟
وحيث إنّ في الكناية جواز إرادة المعنى الأصلي مع المعنى الكنائي لا وجوبه ، فالقدر المتيقِّن هو الشتم للمقول فيه ؛ فإن خبث الأبوين لكونه غالباً يظهر في الأولاد ـ لكون الإناء يترشَّح بما فيه ، وإن الولد سرّ أبيه ، ولا تلد الحية إلا الحية ـ فبين خبث الأبوين وخبث الأولاد ملازمة غالباً ، فاُريد اللازم. فلا يلزم الحدّ للقذف ؛ لعدم الصراحة واليقين ، و «الحدود تدرأ بالشبهات».
فإذا كان الأمر كذلك في طرف الذم فكذلك المدح ؛ حيث إنّ الرجل في مقام المحبة لشخص آخر بصدد البذل له بجميع ما يتعلق به من أمواله وأعز الأنفس عليه من الوالدين والأولاد ؛ وبالأخرة نفسه التي هي أقرب إليه من جميع من سواه ، وكل هذا كاشف عن نوع
__________________
١. انظر : اللهوف ، ص ٧٩ (مطبعة مهر) ؛ بحار الأنوار ، ج ٤٥ ، ص ٥٩ ؛ العوالم ، ج ١٧ ، ص ٣٠٣.