بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

لا يمكنه الوفاء به ، فاسمع له وأطعه في كل مايقول ، فلما أصبحوا قال عيسى عليه‌السلام للغلام : اذهب إلى باب الملك ، فإذا أتى خواص الملك ووزراؤه ليدخلوا عليه قل لهم : أبلغوا الملك عني أني جئته خاطبا كريمته ، ثم ائتني وأخبرني بما جرى بينك وبين الملك ، فأتى الغلام باب الملك ، فلما قال ذلك لخاصة الملك ضحكوا وتعجبوا من قوله و دخلوا على الملك وأخبروه بما قال الغلام مستهزئين به ، فاستحضره الملك ، فلما دخل على الملك وخطب ابنته قال الملك مستهزئا به : أنا لا أعطيك ابنتي إلا أن تأتيني من اللآلي واليواقيت والجواهر الكبار كذا وكذا ، ووصف له ما لا يوجد في خزانة ملك من ملوك الدنيا ، فقال الغلام : أنا أذهب وآتيك بجواب هذا الكلام ، فرجع إلى عيسى عليه‌السلام فأخبره بما جرى ، فذهب به عيسى عليه‌السلام إلى خربة كانت فيها أحجار ومدر كبار ، فدعا الله تعالى فصيرها كلها من جنس ماطلب الملك وأحسن منها ، فقال : ياغلام خذ منها ما تريد واذهب به إلى الملك ، فلما أتى الملك بها تحير الملك وأهل مجلسه في أمره ، وقالوا لايكفينا هذا ، فرجع إلى عيسى عليه‌السلام فأخبره ، فقال : اذهب إلى الخربة وخذ منها ماتريد واذهب بها إليهم ، فلما رجع بأضعاف ما أتى به أولا زادت حيرتهم ، وقال الملك : إن لهذا شأنا غريبا ، فخلا بالغلام واستخبره عن الحال ، فأخبره بكل ماجرى بينه وبين عيسى عليه‌السلام وما كان من عشقه لابنته ، فعلم الملك أن الضيف هو عيسى عليه‌السلام ، فقال : قل لضيفك : يأتيني ويزوجك ابنتي ، فحضر عيسى عليه‌السلام وزوجها منه ، وبعث الملك ثيابا فاخرة إلى الغلام فألبسها إياه وجمع بينه وبين ابنته تلك الليلة ، فلما أصبح طلب الغلام وكلمه فوجده عاقلا فهما ذكيا ولم يكن للملك ولد غير هذه الابنة فجعل الغلام ولي عهده (١) ووارث ملكه ، وأمر خواصه وأعيان مملكته ببيعته وطاعته.

فلما كانت الليلة الثانية مات الملك فجأة وأجلسوا الغلام على سرير الملك وأطاعوه وسلموا إليه خزائنه ، فأتاه عيسى عليه‌السلام في اليوم الثالث ليودعه ، فقال الغلام : أيها الحكيم إن لك علي حقوقا لا أقوم بشكر واحد منها لو بقيت أبد الدهر ، ولكن عرض في قلبي البارحة أمر لو لم تجبني عنه لا أنتفع بشئ مما حصلتها لي ، فقال : وماهو؟ قال

__________________

(١) ولي العهد : وريث الملك.

٢٨١

الغلام : إنك إذا قدرت على أن تنقلني من تلك الحالة الخسيسة إلى تلك الدرجة الرفيعة في يومين فلم لاتفعل هذا بنفسك ، وأراك في تلك الثياب وفي هذه الحالة؟ فلما أحفى في السؤال قال له عيسى عليه‌السلام : إن العالم بالله وبدار كرامته وثوابه والبصير بفناء الدنيا و خستها ودناءتها لايرغب إلى هذا الملك الزائل وهذه الامور الفانية ، وإن لنا في قربه تعالى ومعرفته ومحبته لذات روحانية لا نعد تلك اللذات الفانية عندها شيئا ، فلما أخبره بعيوب الدنيا وآفاتها ونعيم الآخرة ودرجاتها قال له الغلام : فلي عليك حجة أخرى لم اخترت لنفسك ماهو أولى وأحرى وأوقعتني في هذه البلية الكبرى؟ فقال له عيسى : إنما اخترت لك ذلك لامتحنك في عقلك وذكائك ، وليكون لك الثواب في ترك هذه الامور الميسرة لك أكثر وأوفى ، وتكون حجة على غيرك ، فترك الغلام الملك ، و لبس أثوابه البالية ، وتبع عيسى عليه‌السلام فلما رجع عيسى إلى الحواريين قال : هذا كنزي الذي كنت أظنه في هذا البلد فوجدته. والحمد لله.

وذكر الثعلبي في العرائس نحوا من ذلك مع اختصار إلى أن قال : فكان معه ابن العجوز إلى أن مات ، فمر به ميتا على سرير (١) فدعا الله عزوجل عيسى فجلس على سريره ونزل عن أعناق الرجال ولبس ثيابه وحمل السرير على عنقه ورجع إلى أهله فبقي وولد له. (٢)

__________________

(١) في العرائس : ومر به وهو ميت على سريره.

(٢) العرائس : ٢٢٠ و ٢٢١.

٢٨٢

( باب ٢١ )

* ( مواعظه وحكمه وما اوحى اليه صلوات الله على نبينا وآله وعليه ) *

الايات ، المائدة « ٥ » وإذ قال الله يا عيسى بن مريمءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك مايكون لي أن أقول ماليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم مافي نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ماقلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ١١٦ ١١٨.

١ ـ فس : « وإذ قال الله يا عيسى بن مريمءأنت قلت » فلفظ الآية ماض و معناه مستقبل ، ولم يقله بعد وسيقوله ، وذلك أن النصارى زعموا أن عيسى (ع) قال لهم : إني وأمي إلهين من دون الله ، فإذا كان يوم القيامة يجمع الله بين النصارى وبين عيسى فيقول له : ءأنت قلت لهم ما يدعون عليك؟ فيقول عيسى : « سبحانك ما يكون لي أن أقول » الآية ، والدليل على أن عيسى لم يقل لهم ذلك قوله : « هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ». (١)

٢ ـ كا : علي ، عن أبيه ومحمد بن القاسم. (٢) عن محمد بن سليمان ، عن داود ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال النبي (ص) : أنزل الانجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان. (٣)

٣ ـ وعن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن الجوهري ، عن البطائني ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : نزل الانجيل في اثني عشر ليلة مضت من شهر رمضان. (٤)

__________________

(١) تفسير القمي : ١٧٨.

(٢) في نسخة من الكتاب والمصدر : علي ، عن أبيه ، عن محمد بن القاسم.

(٣) اصول الكافي ٢ : ٦٢٨ و ٦٢٩.

(٤) فروع الكافي ١ : ٢٠٦.

٢٨٣

بيان : لعل الخبر الاول محمول على نزوله إلى بيت المعمور كما يشعر به صدره الذي تركناه ، (١) والثاني على نزوله إلى الارض.

٤ ـ ع : بإسناده عن يزيد بن سلام أنه سأل رسول الله (ص) لم سمي الفرقان فرقانا قال : لانه متفرق الآيات والسور ، أنزلت في غير الالواح وغير الصحف ، (٢) والتوراة والانجيل والزبور أنزلت كلها (٣) جملة في الالواح والورق. (٤)

٥ ـ لى : ابن البرقي ، عن أبيه ، عن جده ، عن محمد بن علي القرشي ، عن محمد بن سنان ، عن عبدالله بن طلحة ، وإسماعيل بن جابر وعمار بن مروان ، عن الصادق جعفر ابن محمد (ع) أن عيسى بن مريم (ع) توجه في بعض حوائجه ومعه ثلاثة نفر من أصحابه فمر بلبنات ثلاث من ذهب على ظهر الطريق ، فقال عيسى عليه‌السلام لاصحابه : إن هذا يقتل الناس ، ثم مضى ، فقال أحدهم : إن لي حاجة ، قال : فانصرف ، ثم قال الآخر : إن لي حاجة فانصرف ، ثم قال الآخر : لي حاجة فانصرف ، فوافوا عند الذهب ثلاثتهم ، فقال اثنان لواحد : اشتر لنا طعاما ، فذهب يشتري لهما طعاما فجعل فيه سما ليقتلهما كيلا يشاركاه في الذهب ، وقال الاثنان : إذا جاء قتلناه كي لا يشاركنا ، فلما جاء قاما إليه فقتلاه ثم تغذيا فماتا ، فرجع إليهم عيسى عليه‌السلام وهم موتى حوله ، فأحياهم بإذن الله تعالى ذكره ، ثم قال : ألم أقل لكم : إن هذا يقتل الناس؟! (٥)

٦ ـ لى : الطالقاني ، عن الجلودي ، عن هشام بن جعفر ، عن حماد ، عن عبدالله بن سليمان وكان قارئا للكتب قال : قرأت في الانجيل : ياعيسى جد في أمري ولا تهزل. و اسمع وأطع ، يا ابن الطاهرة الطهر البكر البتول أنت من غير فحل ، أنا خلقتك آية للعالمين

__________________

(١) اذ ذكر في صدره أن نزول القرآن إلى بيت المعمور كان في ليلة القدر ، فعلى هذا يكون نزول الانجيل إلى بيت المعمور في سنة والى الارض في اخرى. منه رحمه الله.

(٢) في المصدر : وغيره من الصحف.

(٣) في المصدر : نزلت كلها.

(٤) علل الشرائع : ١٦١.

(٥) امالي الصدوق : ١٠٩.

٢٨٤

فإياي فاعبد ، وعلي فتوكل ، خذ الكتاب بقوة فسر لاهل سوريا (١) بالسريانية ، بلغ من بين يديك أني أنا الله الدائم الذي لا أزول ، صدقوا النبي الامي صاحب الجمل و المدرعة والتاج وهي العمامة ، والنعلين ، والهراوة (٢) وهي القضيب ، الانجل العينين ، (٣) الصلت الجبين ، (٤) الواضح الخدين ، الاقنى الانف ، (٥) مفلج الثنايا ، (٦) كأن عنقه إبريق فضة ، كأن الذهب يجري في تراقيه ، له شعرات من صدره إلى سرته ، ليس على بطنه ولا على صدره شعر ، أسمر اللون ، دقيق المسربة ، (٧) شثن الكف والقدم ، (٨) إذا التفت التفت جميعا ، وإذا مشى كأنما يتقلع من الصخرة ، (٩) وينحدر من صبب ، (١٠) وإذا جاء مع القوم بذهم ، (١١) عرقه في وجهه كاللؤلؤ وريح المسك ينفح منه ، لم ير قبله مثله ولا بعده ، طيب الريح ، نكاح النساء ، ذو النسل القليل ، إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لاصخب فيه ولا نصب ، (١٢) يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا أمك ، لها فرخان مستشهدان ، كلامه القرآن ، ودينه الاسلام ، وأنا السلام ، طوبى لمن أدرك زمانه وشهد أيامه ، وسمع كلامه. قال عيسى : يا رب وما طوبى؟ قال : شجرة في الجنة أنا غرستها ، تظل الجنان ، أصلها من رضوان ، ماؤها من تسنيم ، برده برد الكافور ، وطعمه

__________________

(١) هكذا في الكتاب والمصدر ، وهو مصحف سورى كبشرى : موضع بالعراق من ارض بابل وهي مدينة السريانين.

(٢) الهراوة بالكسر : العصا الضخمة كهراوة الفأس والمعول.

(٣) نجل الرجل : وسعت عينه وحسنت فهو أنجل.

(٤) أي واسعه.

(٥) القنا في الانف : طوله ورقة أرنبته مع حدب في وسطه.

(٦) الفلج : فرجة ما بين الثنايا والرباعيات.

(٧) المسربة بضم الراء : الشعر المستدق الذي يأخذ من الصدر إلى السرة.

(٨) أي أنهما يميلان إلى الغلظ والقصر ، وقيل : هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر.

(٩) أراد قوة مشيه كانه يرفع رجليه من الارض رفعا قويا لا كمن يمشي اختيالا ويقارب خطاه.

(١٠) أي من موضع منحدر.

(١١) أي غلبهم في المشي.

(١٢) الصخب : اختلاط الاصوات. النصب : البلاء. الداء.

٢٨٥

طعم الزنجبيل ، من يشرب من تلك العين شربة لا يظمأ بعدها أبدا ، فقال عيسى : اللهم اسقني منها ، قال : حرام يا عيسى على البشر أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي ، وحرام على الامم أن يشربوا منها حتى يشرب أمة ذلك النبي ، أرفعك إلي ثم أهبطك في آخر الزمان لترى من أمة ذلك النبي العجائب ، ولتعينهم على اللعين الدجال ، أهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم ، إنهم أمة مرحومة. (١)

أقول : سيأتي شرحه في باب شمائل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٧ ـ لى : الوراق ، عن سعد ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه ، عن الحسين بن سعيد ، عن الاحول ، (٢) عن جميل بن صالح ، عن الصادق (ع) قال : قام عيسى بن مريم عليه‌السلام في بني إسرائيل ، فقال : يابني إسرائيل لاتحدثوا بالحكمة الجهال فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ، ولا تعينوا الظالم على ظلمه فيبطل فضلكم. الخبر. (٣)

٨ ـ يد ، مع ، لى : الطالقاني ، عن أحمد الهمداني ، عن جعفر بن عبدالله بن جعفر العلوي ، عن كثير بن عياش القطان ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لما ولد عيسى بن مريم عليه‌السلام كان ابن يوم كأنه ابن شهرين ، فلما كان ابن سبعة أشهر أخذت والدته بيده وجاءت به إلى الكتاب وأقعدته بين يدي المؤدب ، فقال له المؤدب : قل : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال عيسى عليه‌السلام : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال له المؤدب : قل : أبجد ، فرفع عيسى رأسه فقال : وهل تدري ما أبجد؟ فعلاه بالدرة ليضربه ، فقال يا مؤدب لاتضربني إن كنت تدري وإلا فاسألني حتى أفسر لك ، فقال : فسر لي ، فقال عيسى : أما الالف آلاء الله ، والباء بهجة الله ، والجيم جمال الله ، والدال دين الله « هوز » الهاء هول جهنم ، والواو ويل لاهل النار ، والزاء زفير جهنم « حطي » حطت الخطايا عن المستغفرين « كلمن » كلام الله لا مبدل لكلماته « سعفص » صاع بصاع والجزاء بالجزاء « قرشت »

__________________

(١) أمالي الصدوق : ١٦٣ و ١٦٤.

(٢) في المصدر : الحارث بن محمد بن النعمان الاحول وهو الصحيح ، وأخرجه عنه وعن المعاني في كتاب العلم مطابقا لذلك راجع ج ٢ : ٦٦ وأخرجه هنالك ايضا عن الامالي باسناد آخر.

(٣) أمالي الصدوق : ١٨٣.

٢٨٦

قرشهم ، (١) فحشرهم ، فقال المؤدب : أيتها المرأة خذي بيد ابنك فقد علم ، ولا حاجة له في المؤدب. (٢)

٩ ـ ل : بإسناده ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (ع) قال : قال الحواريون لعيسى بن مريم عليه‌السلام : يامعلم الخير علمنا أي الاشياء أشد ، فقال : أشد الاشياء غضب الله عزوجل ، قالوا : فبم يتقى غضب الله؟ (٣) قال : بأن لا تغضبوا ، قالوا : وما بدء الغضب؟ قال : الكبر والتجبر ومحقرة الناس. (٤)

١٠ ـ لى : ابن مسرور ، عن محمد الحميري ، عن أبيه ، عن ابن أبي الخطاب ، عن ابن أسباط عن عمه ، عن الصادق (ع) قال : قال عيسى بن مريم (ع) لبعض أصحابه : مالا تحب أن يفعل بك فلا تفعله بأحد ، وإن لطم أحد خدك الايمن فأعط الايسر. (٥)

١١ ـ لى : أبي ، (٦) عن البرقي ، عن محمد بن علي الكوفي ، عن شريف بن سابق التفليسي ، عن إبراهيم بن محمد ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه (ع) قال : قال رسول الله (ص) : مر عيسى بن مريم عليه‌السلام بقبر يعذب صاحبه ، ثم مر به من قابل فإذا هو ليس يعذب ، فقال : يارب مررت بهذا القبر عام أول فكان صاحبه يعذب ، ثم مررت به العام فإذا هو ليس يعذب ، فأوحى الله عزوجل إليه : ياروح الله إنه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقا وآوى يتيما فغفرت له بما عمل ابنه. قال : وقال عيسى بن مريم عليه‌السلام ليحيى بن زكريا عليه‌السلام : إذا قيل فيك مافيك فاعلم أنه ذنب ذكرته فاستغفر الله منه ، وإن قيل فيك ماليس فيك فاعلم أنها حسنة كتبت لك لم تتعب فيها. (٧)

__________________

(١) في المعاني : قرشهم ( قرشتهم خ ل ) جهنم.

(٢) التوحيد : ٢٣٨ و ٢٣٩. معاني الاخبار : ١٨ أمالي الصدوق : ١٩٠ ١٩١ وأخرجه أيضا في كتاب العلم وشرح غريب الفاظه ، راجع ج ٢ : ٣١٦.

(٣) في المصدر : فبم نتقي غضب الله؟.

(٤) الخصال ١ : ٧.

(٥) أمالي الصدوق : ٢٢٠.

(٦) في المصدر : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار عن أبيه.

(٧) أمالي الصدوق : ٣٠٦.

٢٨٧

١٣ ـ لى : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن سيف بن عميرة ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبدالله الصادق (ع) قال : كان عيسى ابن مريم (ع) يقول لاصحابه : يابني آدم اهربوا من الدنيا إلى الله ، وأخرجوا قلوبكم عنها ، فإنكم لا تصلحون لها ولا تصلح لكم ، ولا تبقون فيها ولاتبقى لكم ، هي الخداعة الفجاعة ، المغرور من اغتر بها ، المغبون من اطمأن إليها ، الهالك من أحبها وأرادها ، فتوبوا إلى بارئكم ، (١) واتقوا ربكم ، واخشوا يوما لايجزي والد عن ولده ، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ، أين آباؤكم؟ أين أمهاتكم؟ أين إخوتكم؟ (٢) أين أخواتكم؟ أين أولادكم؟ دعوا فأجابوا ، واستودعوا الثرى ، وجاوروا الموتى ، وصاروا في الهلكى ، و خرجوا عن الدنيا ، وفارقوا الاحبة ، واحتاجوا إلى ماقدموا واستغنوا عما خلفوا (٣) فكم توعظون وكم تزجرون (٤) وأنتم لاهون ساهون ، مثلكم في الدنيا مثل البهائم همتكم بطونكم (٥) وفروجكم ، أما تستحيون ممن خلقكم وقد أوعد من عصاه النار ، ولستم ممن يقوي على النار؟ ووعد من أطاعه الجنة ومجاورته في الفردوس الاعلى ، فتنافسوا فيه ، وكونوا من أهله ، وأنصفوا من أنفسكم ، وتعطفوا على ضعفائكم وأهل الحاجة منكم ، وتوبوا إلى الله توبة نصوحا ، وكونوا عبيدا أبرارا ، ولا تكونوا ملوكا جبابرة ، ولا من العتاة الفراعنة المتمردين على من قهرهم بالموت ، جبار الجبابرة رب السماوات ورب الارضين ، وإله الاولين والآخرين مالك يوم الدين ، (٦) شديد العقاب ، أليم العذاب ، لا ينجو منه ظالم ، ولا يفوته شئ ، ولا يعزب عنه شئ ، ولا يتوارى منه شئ ، أحصى كل شئ علمه وأنزله منزلته في جنة أو نار.

ابن آدم الضعيف! أين تهرب ممن يطلبك في سواد ليلك وبياض نهارك وفي كل

__________________

(١) في المصدر : فتوبوا إلى الله بارئكم.

(٢) في نسخة : أين إخوانكم.

(٣) في المصدر : واستغنوا عما خلفوا.

(٤) في نسخة : ولا تزجرون.

(٥) في نسخة : همكم بطونكم.

(٦) في نسخة : ملك يوم الدين.

٢٨٨

حال من حالاتك؟ قد أبلغ من وعظ ، وأفلح من اتعظ. (١)

١٤ ـ كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط عنهم عليهم‌السلام ، لى : ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن أبي الخطاب ، عن ابن أسباط ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، (٢) عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : كان فيما وعظ الله تبارك وتعالى به عيسى بن مريم عليه‌السلام أن قال له : ياعيسى أنا ربك ورب آبائك ، اسمي واحد ، وأنا الاحد المتفرد بخلق كل شئ ، وكل شئ من صنعي ، وكل خلقي إلي راجعون. (٣)

ياعيسى أنت المسيح بأمري ، وأنت تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني ، وأنت تحيي الموتى بكلامي ، فكن إلي راغبا ، ومني راهبا ، فإنك لن تجد مني ملجأ إلا إلي. ياعيسى أوصيك وصية المتحنن ، عليك بالرحمة حين حقت لك مني الولاية بتحريك (٤) مني المسرة ، فبوركت كبيرا وبوركت صغيرا حيثما كنت ، أشهد أنك عبدي ابن أمتي. يا عيسى أنزلني من نفسك كهمك ، واجعل ذكري لمعادك ، وتقرب إلي بالنوافل ، وتوكل علي أكفك ، ولا تول غيري فأخذلك. (٥)

يا عيسى اصبر على البلاء وارض بالقضاء ، وكن كمسرتي فيك ، فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى. يا عيسى أحي ذكري بلسانك ، وليكن ودي في قلبك. يا عيسى تيقظ في ساعات الغفلة ، واحكم لي بلطيف الحكمة. (٦) ياعيسى كن راغبا راهبا ، و أمت قلبك بالخشية. يا عيسى راع الليل لتحري مسرتي ، واظمأ نهارك ليوم حاجتك عندي. ياعيسى نافس في الخير جهدك لتعرف بالخير حيثما توجهت. يا عيسى احكم في عبادي بنصحي ، وقم فيهم بعدلي ، فقد أنزلت عليك شفاء لما في الصدور من مرض الشيطان

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٣٣١ و ٣٣٢.

(٢) ورواه الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول : ٤٩٦.

(٣) في الكافي والتحف : كل إلي راجعون.

(٤) التحري : الاجتهاد في الطلب وطلب ماهو أحرى وأحق.

(٥) في الكافي : ولا توكل على غيري فأخذلك.

(٦) في الكافي والتحف : واحكم لي لطيف الحكمة.

٢٨٩

[ كا : ياعيسى لاتكن جليسا لكل مفتون ] كا ، لي : ياعيسى حقا أقول ما آمنت بي خليقة إلا خشعت لي ، وما خشعت لي إلا رجت ثوابي ، فأشهدك أنها آمنة من عقابي مالم تغير أو تبدل سنتي. ياعيسى ابن البكر البتول ابك على نفسك بكاء من قد ودع الاهل وقلى الدنيا ، وتركها لاهلها ، وصارت رغبته فيما عند الله. (١)

يا عيسى كن مع ذلك تلين الكلام ، وتفشي السلام ، يقظان إذا نامت عيون الابرار حذارا للمعاد (٢) والزلازل الشداد ، وأهوال يوم القيامة حيث لاينفع أهل ولا ولد ولا مال. يا عيسى اكحل عينيك بميل الحزن إذا ضحك البطالون. ياعيسى كن خاشعا صابرا فطوبى لك إن نالك ماوعد الصابرون. ياعيسى رح من الدنيا يوما فيوما ، وذق ماقد ذهب طعمه ، فحقا أقول ما أنت إلا بساعتك ويومك ، فرح من الدنيا بالبلغة ، وليكفك الخشن الجشب ، فقد رأيت إلى ماتصير ، ومكتوب ما أخذت وكيف أتلفت. ياعيسى إنك مسؤول فارحم الضعيف كرحمتي إياك ، ولا تقهر اليتيم.

ياعيسى ابك على نفسك في الصلاة ، (٣) وانقل قدميك إلى مواضع الصلوات ، (٤) وأسمعني لذاذة نطقك بذكري ، فإن صنيعي إليك حسن. يا عيسى كم من أمة قد أهلكتها بسالف ذنب قد عصمتك منه. (٥) ياعيسى ارفق بالضعيف ، وارفع طرفك الكليل إلى السماء ، وادعني فإني منك قريب ، ولا تدعني إلا متضرعا إلي وهمك هم واحد ، فإنك متى تدعني (٦) كذلك أجبك. ياعيسى إني لم أرض بالدنيا ثوابا لمن كان قبلك ، ولا عقابا لمن انتقمت منه. (٧) ياعيسى إنك تفنى وأنا أبقى ، ومني رزقك ، وعندي ميقات

__________________

(١) في الكافي والتحف : فيما عند الهه.

(٢) في الكافي : حذرا للمعاد.

(٣) في الكافي والتحف : ابك على نفسك في الخلوات.

(٤) في الكافي والتحف : إلى مواقيت الصلوات اي إلى مواضعها.

(٥) في الكافي والتحف : قد اهلكتها بسالف ذنوب قد عصمتك منها.

(٦) في التحف : متى دعوتني.

(٧) في الامالي : ولا عقابا لمن كان قبلك ، ولا عقابا لمن انتقمت منه.

٢٩٠

أجلك ، وإلي إيابك ، وعلي حسابك ، فاسألني ولا تسأل غيري ، فيحسن منك الدعاء ، ومني الاجابة.

يا عيسى ما أكثر البشر وأقل عدد من صبر! الاشجار كثيرة وطيبها قليل ، فلا يغرنك حسن شجرة حتى تذوق ثمرتها. يا عيسى لا يغرنك المتمرد علي بالعصيان ، يأكل رزقي ويعبد غيري ، ثم يدعوني عند الكرب فأجيبه ، ثم يرجع إلى ماكان ، (١) أفعلي يتمرد ، أم لسخطي يتعرض؟ (٢) فبي حلفت لآخذنه أخذة ليس له منها منجى ، ولادوني ملتجأ ، أين يهرب؟ من سمائي وأرضي؟ يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل لا تدعوني والسحت تحت أحضانكم ، والاصنام في بيوتكم ، فإني وأيت (٣) أن أجيب من دعاني ، وأن أجعل إجابتي إياهم لعنا عليهم حتى يتفرقوا ، يا عيسى كم أجمل النظر (٤) وأحسن الطلب والقوم في غفلة لايرجعون ، تخرج الكلمة من أفواههم لا تعيها قلوبهم ، يتعرضون لمقتي ، ويتحببون بي إلى المؤمنين. (٥)

يا عيسى ليكن لسانك في السر والعلانية واحدا ، وكذلك فليكن قلبك وبصرك ، واطو قلبك ولسانك عن المحارم ، وغض طرفك عما لاخير فيه ، (٦) فكم ناظر نظرة زرعت في قلبه شهوة ، ووردت به موارد الهلكة!. (٧)

ياعيسى كن رحيما مترحما ، وكن للعباد كما تشاء أن يكون العباد لك ، وأكثر ذكر الموت ومفارقة الاهلين ، ولا تله فإن اللهو يفسد صاحبه ، ولا تغفل فإن الغافل مني بعيد ، واذكرني بالصالحات حتى أذكرك.

ياعيسى تب إلي بعد الذنب ، وذكر بي الاوابين ، وآمن بي ، وتقرب إلي

__________________

(١) في الكافي والتحف : ثم يرجع إلى ما كان عليه.

(٢) في الكافي والتحف : فعلي يتمرد أم بسخطي يتعرض؟.

(٣) في الكافي والتحف : فاني آليت. وأيت أي وعدت. آليت : حلفت.

(٤) في الكافي : كم اطيل النظر؟

(٥) في نسخة من الكافي : ويتحببون بقربي إلى المؤمنين.

(٦) في الكافي : وكف بصرك عما لا خير فيه. فكم من ناظر نظرة قد زرعت.

(٧) في الكافي : موارد حياض الهلكة.

٢٩١

المؤمنين ، (١) ومرهم يدعوني معك ، وإياك ودعوة المظلوم فإني وأيت (٢) على نفسي أن أفتح لها بابا من السماء ، (٣) وأن أجيبه ولو بعد حين. يا عيسى اعلم أن صاحب السوء يغوي ، (٤) وأن قرين السوء يردي ، فاعلم من تقارن ، واختر لنفسك إخوانا من المؤمنين. ياعيسى تب إلي فإنه لا يتعاظمني ذنب أن أغفره وأنا أرحم ( الراحمين )؟. ياعيسى اعمل لنفسك في مهلة من أجلك قبل أن لا يعمل لها غيرك ، واعبدني ليوم كألف سنة مما تعدون فإني أجزي (٥) بالحسنة أضعافها ، وإن السيئة توبق صاحبها ، وتنافس في العمل الصالح ، (٦) فكم من مجلس قد نهض أهله وهم مجارون من النار.

يا عيسى ازهد في الفاني المنقطع ، وطئ رسوم منازل من كان قبلك فادعهم وناجهم هل تحس منهم من أحد ، فخذ موعظتك منهم ، واعلم أنك ستحلقهم في اللاحقين.

يا عيسى قل لمن تمرد بالعصيان وعمل بالادهان يستوقع عقوبتي ، (٧) وينتظر إهلاكي إياه سيصطلم مع الهالكين ، طوبى لك يا ابن مريم ثم طوبى لك إن أخذت بأدب إلهك الذي يتحنن عليك ترحما ، وبدأك بالنعم منه تكرما ، وكان لك في الشدائد ، لا تعصه ياعيسى فإنه لايحل لك عصيانه ، قد عهدت إليك كما عهدت إلى من كان قبلك وأنا على ذلك من الشاهدين.

ياعيسى ما أكرمت خليقة بمثل ديني ، ولا أنعمت عليها بمثل رحمتي. ياعيسى اغسل بالماء منك ماظهر ، وداو بالحسنات منك مابطن ، فإنك إلي راجع [ كا : يا عيسى أعطيتك ما أنعمت به عليك فيضا من غير تكدير ، وطلبت منك قرضا لنفسك فبخلت به

__________________

(١) في الكافي : وتقرب بي إلى المؤمنين.

(٢) في الكافي : آليت.

(٣) في الكافي : أن أفتح لها بابا من السماء بالقبول.

(٤) في الكافي : واعلم ان صاحب السوء يعدى.

(٥) في الكافي : فيه اجزى بالحسنة أضعافها.

(٦) في الكافي : فامهد لنفسك في مهلة ، ونافس في العمل الصالح.

(٧) في الكافي : قل لمن تمرد علي بالعصيان وعمل بالادهان : ليتوقع عقوبتي.

٢٩٢

عليها لتكون من الهالكين. ياعيسى تزين بالدين ، وحب المساكين ، وامش على الارض هونا ، وصل على البقاع فكلها طاهر. ]

كا ، لي : يا عيسى شمر فكل ما هو آت قريب ، واقرأ كتابي وأنت طاهر ، وأسمعني منك صوتا حزينا. [ كا : يا عيسى لاخير في لذاذة لاتدوم ، وعيش من صاحبه يزول ، يا ابن مريم لو رأت عينك ما أعددت لاوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك شوقا إليه ، فليس كدار الآخرة دار ، تجاور فيها الطيبون ، ويدخل عليهم فيها الملائكة المقربون ، وهم مما يأتي يوم القيامة من أهوالها آمنون ، دار لا يتغير فيها النعيم ، ولا يزول عن أهلها ، يا ابن مريم نافس فيها مع المتنافسين ، فإنها أمنية المتمنين حسنة المنظر ، طوبى لك يا ابن مريم إن كنت لها من العاملين ، مع آبائك آدم وإبراهيم في جنات ونعيم لا تبغي لها بدلا ولا تحويلا ، كذلك أفعل بالمتقين. ياعيسى اهرب إلي مع من يهرب من نار ذات لهب ، ونار ذات أغلال وأنكال ، لايدخلها روح ، ولايخرج منها غم أبدا ، قطع كقطع الليل المظلم ، من ينج منها يفز ، ولن ينجو منها من كان من الهالكين ، هي دار الجبارين والعتاة الظالمين ، وكل فظ غليظ ، وكل مختال فخور. ياعيسى بئست الدار لمن ركن إليها وبئس القرار دار الظالمين ، إني أحذرك نفسك فكن بي خبيرا.

يا عيسى كن ( حيثما )؟ كنت مراقبا لي ، واشهد علي أني خلقتك وأنت عبدي ، وأني صورتك وإلى الارض أهبطتك. يا عيسى لا يصلح لسانان في فم واحد ، ولا قلبان في صدر واحد ، وكذلك الاذهان. يا عيسى لاتستيقظن عاصيا ولا تستنبهن لاهيا ، و افطم نفسك (١) عن الشهوات الموبقات ، ولك شهوة تباعدك مني فاهجرها ، واعلم أنك مني بمكان الرسول الامين ، فكن مني على حذر ، واعلم أن دنياك مؤديتك إلي وأني آخذك بعلمي ، وكن ذليل النفس عند ذكري ، خاشع القلب حين تذكرني ، يقظانا عند نوم الغافلين. ياعيسى هذه نصيحتي إياك وموعظتي لك ، فخذها مني فإني رب العالمين. ياعيسى إذا صبر عبدي في جنبي كان ثواب عمله علي ، وكنت عنده حين يدعوني ، وكفى

__________________

(١) أي افصل نفسك عن الشهوات ، واقطعها عنها. والموبقات : المهلكات.

٢٩٣

بي منتقما ممن عصاني ، أين يهرب مني الظالمون؟ ياعيسى أطب الكلام ، وكن حيثما كنت عالما متعلما. ياعيسى أفض بالحسنات إلي حتى يكون لك ذكرها عندي ، و تمسك بوصيتي فإن فيها شفاء للقلوب. ]

[ لي : قال : وكان فيما وعظ الله عزوجل به عيسى بن مريم عليه‌السلام أيضا أن قال له ]

كا ، لي : ياعيسى لا تأمن إذا مكرت مكري ، ولاتنس عند خلوتك بالذنب ذكري (١) [ كا : يا عيسى حاسب نفسك بالرجوع إلي حتى تتنجز ثواب ماعمله العاملون ، أولئك يؤتون أجرهم وأنا خير المؤتين. ياعيسى كنت خلقا بكلامي ، ولدتك مريم بأمري المرسل إليها روحي جبرئيل الامين من ملائكتي ، حتى قمت على الارض حيا تمشي كل ذلك في سابق علمي. ياعيسى زكريا بمنزلة أبيك وكفيل أمك ، إذ يدخل عليها المحراب فيجد عندها رزقا ، ونظيرك يحيى من خلقي وهبته لامه بعد الكبر من غير قوة بها ، أردت بذلك أن يظهر لها سلطاني ، وتظهر فيك قدرتي ، أحبكم إلي أطوعكم لي وأشدكم خوفا مني. ]

كا ، لي : ياعيسى تيقظ ولاتيأس من روحي وسبحني مع من يسبحني ، وبطيب الكلام فقد سني [ كا : يا عيسى كيف يكفر العباد بي ونواصيهم في قبضتي وتقلبهم في أرضي؟ يجهلون نعمتي ويتولون عدوي وكذلك يهلك الكافرون. ]

كا ، لي : يا عيسى إن الدنيا سجن منتن الريح وحش وفيها ما قد ترى مما قد ألح عليه الجبارون ، (٣) وإياك والدنيا فكل نعيمها يزول وما نعيمها إلا قليل. [ كا : يا عيسى ابغني عند وسادك تجدني ، وادعني وأنت لي محب فإني أسمع السامعين ، أستجيب

__________________

(١) في الكافي : ولا تنس عند خلوات الدنيا ذكرى.

(٢) في نسخة : اولئك يؤتون أجرهم مرتين.

(٣) في الامالي : ياعيسى ان الدنيا سجن ضيق منتن الريح وخشن وفيها ( وحسن فيها خ ل ) ما قد ترى مما قد ألح عليه الجبارون. وفي الكافي : ياعيسى ان الدنيا سجن منتن الريح وحسن فيها ماقد ترى مما قد تذابح عليه الجبارون. قال المصنف في كتابه مرآت العقول : قوله : ( حسن فيها ) أي زين للناس فيها ماقد ترى من زخارفها التي اقتتل عليها الجبارون وذبح بعضهم بعضا لاجلها.

٢٩٤

للداعين إذا دعوني. يا عيسى خفني وخوف بي عبادي لعل المذنبين أن يمسكوا عماهم عاملون به ، فلا يهلكوا إلا وهم يعلمون. يا عيسى ارهبني رهبتك من السبع ، والموت الذي أنت لاقيه ، فكل هذا أنا خلقته فإياي فارهبون. ]

كا ، لي : ياعيسى إن الملك لي وبيدي ، وأنا الملك فإن تطعني أدخلتك جنتي في جوار الصالحين [ كا : ياعيسى إني إن غضبت عليك لم ينفعك رضى من رضي عنك ، وإن رضيت عنك لم يضرك غضب المغضبين. ياعيسى اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي ، (١) واذكرني في ملئك أذكرك في ملا خير من ملا الآدميين.

كا ، لي : ياعيسى ادعني دعاء الغريق (٢) الذي ليس له مغيث ، ياعيسى لاتحلف (٣) باسمي كاذبا فيهتز عرشي غضبا. يا عيسى الدنيا قصيرة العمر ، طويلة الامل ، وعندي دار خير مما يجمعون. ياعيسى : قل لظلمة بني إسرائيل : كيف أنتم صانعون إذا أخرجت لكم كتابا ينطق بالحق فتنكشف سرائر قد كتمتموها. (٤) [ كا : وأعمال كنتم بها عاملين. ]

كا ، لي : ياعيسى قل لظلمة بني إسرائيل : غسلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم ، أبي تغترون أم علي تجترئون؟ تتطيبون بالطيب لاهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزلة الجيف المنتنة ، كأنكم أقوام ميتون. يا عيسى قل لهم : قلموا أظفاركم من كسب الحرام ، وأصموا أسماعكم عن ذكر الخناء ، واقبلوا علي بقلوبكم ، فإني لست أريد صوركم. يا عيسى افرح بالحسنة فإنها لي رضى ، وابك على السيئة فإنها لي سخط ، (٥) وما لاتحب أن يصنع بك فلا تصنعه بغيرك ، وإن لطم خدك الايمن فأعط

__________________

(١) ذكره ابن شعبة في التحف وأسقط قوله : اذكرك في نفسي.

(٢) في الكافي : ياعيسى ادعني دعاء الحزين الغريق.

(٣) في الكافي والتحف : لا تحلف بي كاذبا.

(٤) في الكافي والتحف : اذا أخرجت لكم كتابا ينطق بالحق وانتم تشهدون بسرائر قد كتمتموها.

(٥) في الكافي والتحف : فانها شين.

٢٩٥

الايسر ، (١) وتقرب إلي بالمودة جهدك وأعرض عن الجاهلين [ كا : يا عيسى ذل (٢) لاهل الحسنة وشاركهم فيها ، وكن عليهم شهيدا ، وقل لظلمة بني إسرائيل : يا أخدان السوء والجلساء عليه إن لم تنتهوا أمسخكم قردة وخنازير. ]

كا ، لي : ياعيسى قل لظلمة بني إسرائيل : الحكمة تبكي فرقا مني وأنتم بالضحك تهجرون! أتتكم براءتي أم لديكم أمان من عذابي أم تتعرضون لعقوبتي؟ فبي حلفت لاتركنكم مثلا للغابرين.

ثم إني أوصيك يا ابن مريم البكر البتول بسيد المرسلين وحبيبي منهم أحمد (٣) صاحب الجمل الاحمر ، والوجه الاقمر ، المشرق بالنور ، الطاهر القلب ، الشديد البأس ، الحيي (٤) المتكرم ، فإنه رحمة للعالمين ، وسيد ولد آدم عندي ، يوم يلقاني أكرم السابقين علي ، وأقرب المرسلين مني ، العربي الامي الديان بديني ، الصابر في ذاتي المجاهد للمشركين ببدنه عن ديني. (٥) ياعيسى آمرك أن تخبر به بني إسرائيل وتأمرهم أن يصدقوا به ويؤمنوا به ويتبعوه (٦) وينصروه. قال عيسى : إلهي من هو؟ قال : يا عيسى ارضه فلك الرضى ، قال : اللهم رضيت فمن هو؟ قال (٧) : محمد رسول الله إلى الناس كافة أقربهم مني منزلة ، وأوجبهم عندي شفاعة ، (٨) طوباه من نبي ، وطوباه لامته

__________________

(١) في الكافي والتحف : فاعطه الايسر.

(٢) في التحف « دل » بالمهملة أي أرشدهم ولعله مصحف :

(٣) في الكافي : فهو أحمد. وفي تحف العقول : وحبيبي أحمد.

(٤) الحيي : ذو الحياء.

(٥) في الكافي : المجاهد المشركين بيده عن ديني. وفي تحف العقول : المجاهد للمشركين بذبه عن ديني.

(٦) في الكافي : وأن يؤمنوا به وأن يتبعوه.

(٧) في الكافي : قال عيسى عليه‌السلام : الهي من هو حتى ارضيه؟ فلك الرضى ، قال هو محمد. ومثله في تحف العقول الا انه قال : حتى ارضيه ذلك الرضى.

(٨) في الكافي والتحف : وأحضرهم شفاعة ، طوبى له من نبي وطوبى لامته.

٢٩٦

إن هم (١) لقوني على سبيله ، يحمده أهل الارض ويستغفر له أهل السماء ، أمين ميمون مطيب ، (٢) خير الماضين والباقين (٣) عندي ، يكون في آخر الزمان ، إذا خرج أرخت السماء عزاليها ، وأخرجت الارض زهرتها. [ كا : حتى يروا البركة ] كا ، لي : وأبارك فيما وضع يده عليه ، كثير الازواج ، قليل الاولاد ، يسكن بكة (٤) موضع أساس إبراهيم.

ياعيسى دينه الحنفية (٥) وقبلته مكية ، وهو من حزبي وأنا معه ، فطوباه طوباه له الكوثر ، (٦) والمقام الاكبر ، من جنات عدن يعيش أكرم معاش ، ويقبض شهيدا ، له حوض أبعد من مكة (٧) إلى مطلع الشمس من رحيق مختوم ، فيه آنية مثل نجوم السماء [ كا : وأكواب مثل مدر الارض ] [ لي : ماؤه ] كا لي : عذب ، فيه من كل شراب ، وطعم كل ثمار في الجنة ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا ، أبعثه على فترة بينك وبينه ، (٨) يوافق سره علانيته ، وقوله فعله ، لا يأمر الناس إلا بما يبدأهم به ، دينه الجهاد في عسر ويسر ، تنقاد له البلاد ، ويخضع له صاحب الروم على دينه ودين أبيه إبراهيم ، ويسمي عند الطعام ، ويفشي السلام ، ويصلي والناس نيام ، له كل يوم خمس صلوات متواليات [ كا : ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار و ] كا ، لي : يفتتح بالتكبير ويختتم بالتسليم ، ويصف قدميه في الصلاة كما تصف الملائكة أقدامها ، ويخشع

__________________

(١) في بعض نسخ الكافي : اذهم. وفي تحف العقول : انهم.

(٢) في الكافي : طيب مطيب.

(٣) في الكافي : خير الباقين عندي.

(٤) قال ياقوت : بكة : هي مكة بيت الله الحرام ابدلت الميم باء ، وقيل : بكة بطن مكة. وقيل : موضع البيت والمسجد ومكة وما وراءه ، وقيل : البيت مكة وما ولاه بكة ، وقال ابن الكلبي سميت مكة لانها بين جبلين بمنزلة المكوك. وقال ابوعبيدة : بكة اسم لبطن مكة وذلك انهم يتباكون فيه أي يزدحمون ، وقيل : مكة : موضع البيت ، وبكة : موضع القرية ، وقيل : بكة موضع البيت ، ومكة : الحرم كله. وقيل : بكة : الكعبة والمسجد ، ومكة : ذو طوى وهو بطن مكة.

(٥) في الكافي والامالي : دينه الحنيفية. وفي الكافي : وقبلته يمانية.

(٦) في الكافي : فطوبى له ثم طوبى له ، له الكوثر. وفيه : أكرم من عاش.

(٧) في الكافي : أكبر من بكة.

(٨) في الكافي : لم يظمأ أبدا ، وذلك من قسمي له وتفضيلي اياه على فترة بينك وبينه.

٢٩٧

لي قبله [ كا : ورأسه ] كا ، لي : النور في صدره ، والحق في لسانه ، (١) وهو مع الحق حيثما كان [ كا : أصله يتيم ضال برهة من زمانه عما يراد به ].

كا ، لي : تنام عيناه ولاينام قلبه ، له الشفاعة ، وعلى أمته تقوم الساعة ، ويدي فوق أيديهم إذا بايعوه ، (٢) فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ، ومن أوفى [ كا : بما عاهد عليه ] كا ، لي : وفيت له بالجنة ، فمر ظلمة بني إسرائيل لايدرسوا (٣) كتبه ، ولا يحرفوا سنته ، وأن يقرؤوه السلام ، فإن له في المقام شأنا من الشأن. ياعيسى كل مايقر بك مني فقد دللتك عليه ، وكل مايباعدك مني قد نهيتك عنه ، (٤) فارتد لنفسك. (٥)

ياعيسى إن الدنيا حلوة ، وإنما استعملتك فيها لتطيعني ، (٦) فجانب منها ما حذرتك ، وخذ منها ما أعطيتك عفوا [ كا : يا عيسى ] كا ، لي : انظر في عملك نظر العبد المذنب الخاطئ ، ولا تنظر في عمل غيرك نظر الرب (٧) وكن فيها زاهدا ، ولا ترغب فيها فتطعب. ياعيسى اعقل وتفكر وانظر في نواحي الارض كيف كان عاقبة الظالمين. ياعيسى كل وصيتي نصيحة لك ، وكل قولي [ كا : لك ] كا ، لي : حق وأنا الحق المبين ، وحقا أقول : لئن أنت عصيتني بعد أن أبنأتك مالك من دوني ولي ولا نصير. ياعيسى ذلل قلبك بالخشية ، وانظر إلى من هو أسفل منك ، ولا تنظر إلى من هو فوقك ، واعلم أن رأس كل خطيئة وذنب حب الدنيا فلا تحبها فإني لا أحبها.

يا عيسى أطب بي (٨) قلبك ، وأكثر ذكري في الخلوات ، واعلم أن سروري أن تبصبص إلي وكن في ذلك حيا ولاتكن ميتا.

__________________

(١) في الكافي : والحق على لسانه وهو على الحق حيثما كان.

(٢) الكافي خال عن قوله : اذا بايعوه.

(٣) في الكافي : أن لا يدرسوا.

(٤) في الكافي : فقد نهيتك عنه.

(٥) أي فاطلب.

(٦) الكافي والتحف خاليان عن قوله : لتطيعني.

(٧) في الكافي : ولاتنظر في عمل غيرك بمنزلة الرب.

(٨) في الكافي والتحف : أطب لي.

٢٩٨

ياعيسى لا تشرك بي شيئا ، وكن مني على حذر ، ولا تغتر بالصحة ولا تغبط نفسك فإن الدنيا كفئ زائل ، وما أقبل منها كما أدبر ، فنافس في الصالحات جهدك ، وكن مع الحق حيثما كان ، وإن قطعت وأحرقت بالنار فلا تكفر بي بعد المعرفة ، ولا تكن مع الجاهلين [ كا : فإن الشي ء يكون مع الشئ ] كا ، لي : ياعيسى صب [ كا ، إلي ] كا ، لي : الدموع من عينيك ، واخشع لي بقلبك. ياعيسى استغفرني (١) في حالات الشدة فإني أغيث المكروبين ، وأجيب المضطرين ، وأنا أرحم الراحمين. (٢)

بيان : قال الجزري : قد تكرر فيه ذكر المسيح عليه‌السلام فسمي به لانه كان لايمسح بيده ذا عاهة إلا برئ ، وقيل : لانه كان أمسح الرجل لا أخمص له ، وقيل : لانه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن ، وقيل : لانه كان يمسح الارض أي يقطعها ، وقيل : المسيح الصديق ، وقيل : هو بالعبرانية مشيحا فعربت.

قوله تعالى : ( وصية المتحنن ) أي أوصيك وقد أحسنت إليك برحمتي وربيتك في درجات الكمال بلطفي حين حقت ، وفي الكافي : حتى حقت ، أي ثبتت ووجبت لك ولايتي ومحبتي بسبب أنك تطلب مسرتي ولا تفعل إلا ما يوجب رضاي.

قوله : ( فبوركت ) البركة : النمو والزيادة ، أي زيد في علمك وقربك وكمالك في صغرك وكبرك ، أو جعلتك ذا بركة في اليد واللسان بإحياء الموتى وإبراء ذوي العاهات وتكثير القليل من الطعام والشراب. قوله : ( كهمك ) أي اجعلني واتخذني قريبا منك كقرب همك وما يخطر ببالك منك ، أو اهتم بأوامري كما تهتم بأمور نفسك. قوله : ( ولا تول غيري ) أي لاتتخذ غيري ولي أمرك ، أو لاتجعل حبك لغيري. قوله : ( واحكم ) أي اقض بين الناس بما علمتك من لطائف الحكمة. قوله : ( نافس ) المنافسة : الرغبة في الشئ والانفراد به. قوله : ( بنصحي ) أي بما علمتك للحكم بينهم لنصحي لهم ، أو كما أني لك ناصح فكن أنت ناصحا لهم.

وقال الفيروزآبادي : البتول : المنقطعة عن الرجال ، ومريم العذراء ، وفاطمة بنت

__________________

(١) في الكافي والتحف : استغث بي.

(٢) روضة الكافي : ١٣١ ١٤١ ، الامالي : ٣٠٨ ٣١٢.

٢٩٩

سيد المرسلين عليهما الصلاة والسلام لانقطاعها عن نساء زمانها ونساء الامة فضلا ودينا وحسبا ، والمنقطعة عن الدنيا إلى الله.

قوله : ( وقلى الدنيا ) أي أبغضها. قوله : ( رح من الدنيا ) أي اقطع عنك كل يوم شيئا عن علائق الدنيا لكيلا يصعب عليك مفارقتها عند حلول أجلك. قوله : ( ما أنت إلا بساعتك ) أي لا تعلم بقاءك بعد تلك الساعة وهذا اليوم فاغتنمها. (١)

قوله : ( فرح من الدنيا ) أي اترك الدنيا واكتف منها بالبلاغ والكفاف ، أو كن بحيث إذا فارقت الدنيا لم تكن أخذت منها سوى البلغة ، ويحتمل أن يكون المراد بالبلغة ما يبلغ الانسان من زاد الآخرة إلى درجاتها الرفيعة.

قوله : ( وليكفك الخشن ) أي من الثياب ( الجشب ) أي من الطعام ، والظاهر كونهما إما صفة للثياب أولهما ، والجشب : الغليظ. قوله : ( إلى مايصير ) أي الثوب والطعام ، فإن مصير الاول إلى البلى ، والثاني إلى ماترى.

قوله ( كرحمتي ) الكاف إما للتشبيه في أصل الرحمة لا في كيفيتها وقدرها ، أو للتعليل ، أي لرحمتي إياك. قوله : ( لذاذة نطقك ) أي نطقك اللذيذ ، أو التذاذك بذكري. قوله ( طرفك الكليل ) قال الجزري : طرف كليل : إذا لم يحقق المنظور به ، أي لاتحدق النظر إلى السماء حياء بل انظر بتخشع ، ويحتمل أن يكون وصف الطرف بالكلال لبيان عجز قوى المخلوقين.

قوله : ( تحت أحضانكم ) جمع الحضن وهو ما دون الابط إلى الكشح (٢) وهو كناية عن ضبط الحرام بحفظه وعدم رده إلى أهله ، ولعل المراد بالاصنام الدراهم والدنانير والذخائر التي كانوا يحرزونها في بيوتهم ولا يؤدون حق الله منها ، كما ورد في الخبر : « ملعون من عبد الدينار والدرهم » قله : ( لعنا عليهم ) أي إجابتي للظالمين فيما يطلبون من دنياهم موجب لبعدهم عن رحمتي واستدراج مني لهم ، والتفرق إما عن الدعاء أو بالموت.

__________________

(١) في نسخة : فاغتنمهما.

(٢) الابط : باطن الكتف. الكشح : ما بين السرة ووسط الظهر.

٣٠٠