بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٩ ـ فس : أبي ، عن البزنطي ، عن عبدالله بن القاسم ، عن أبي خالد القماط ، عن أبي عبدالله (ع) قال : قالت بنو إسرائيل لسليمان (ع) : استخلف علينا ابنك ، (١) فقال لهم : إنه لا يصلح لذلك ، فألحوا عليه فقال : إني سائله عن مسائل فإن أحسن الجواب فيها استخلفته ، ثم سأله فقال : يابني ماطعم الماء وطعم الخبز؟ ومن أي شئ ضعف الصوت وشدته؟ وأين موضع العقل من البدن؟ ومن أي شئ القساوة والرقة؟ ومم تعب البدن ودعته؟ ومم تكسب البدن وحرمانه؟ (٢) فلم يجبه بشئ منها ، فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : طعم الماء الحياة ، وطعم الخبز القوة ، (٣) وضعف الصوت وشدته من شحم الكليتين ، وموضع العقل الدماغ ، ألا ترى أن الرجل إذا كان قليل العقل قيل له : ما أخف دماغه! والقسوة والرقة من القلب وهو قوله : « فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله » وتعب البدن و دعته من القدمين اذا أتعبا في المشي (٤) يتعب البدن وإذا أودعا أودع البدن (٥) وكسب البدن وحرمانه من اليدين إذا عمل بهما ردتا على البدن ، وإذا لم يعمل بهما لم تردا على البدن شيئا. (٦)

تذنيب : قال الطبرسي رحمه الله : قيل : إن سليمان عليه‌السلام كان يعتكف في مسجد بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين وأقل وأكثر ، يدخل فيه طعامه وشرابه ويتعبد فيه ، فلما كان في المرة التي مات فيها لم يكن يصبح يوما إلا وتنبت شجرة كان يسألها سليمان عليه‌السلام فتخبره عن اسمها ونفعها وضرها ، فرأى يوما نبتا فقال : ما اسمك؟ قال : الخرنوب ، قال : لاي شئ أنت؟ قال : للخراب ، فعلم أنه سيموت ، فقال : اللهم أعم على الجن موتي ليعلم الانس أنهم لا يعلمون الغيب ، وكان قد بقي من بنائه سنة ، وقال لاهله : لا تخبروا الجن بموتي حتى يفرغوا من بنائه. ودخل محرابه وقام متكئا على

__________________

(١) في المصدر : استخلفه.

(٢) في المصدر : ومم متعب البدن ودعته؟ ومم مكسبة البدن وحرمانه.

(٣) ولعل المراد من الطعم هنا الفائدة والنفع ، أو أن الحياة والقوة لو كانتا مما يطعم لكان طعمهما طعم الماء والخبز.

(٤) في المصدر : اذا تعبا. قلت : الدعة : الراحة.

(٥) في المصدر : واذا ودعا ودع البدن ، ومكسب البدن اه.

(٦) تفسير القمي : ٥٦٨.

١٤١

عصاه فمات وبقي قائما سنة ، وتم البناء ، ثم سلط الله على منسأته الارضة حتى أكلتها فخر ميتا ، فعرف الجن موته وكانوا يحسبونه حيا لما كانوا يشاهدون من طول قيامه قبل ذلك.

وقيل : إن في إماتته قائما وبقائه كذلك أغراضا : منها إتمام البناء ، ومنها أن يعلم الانس أن الجن لايعلم الغيب وأنهم في ادعاء ذلك كاذبون ، ومنها : أن يعلم أن من حضر أجله فلا يتأخر إذ لم يتأخر سليمان عليه‌السلام مع جلالته ، وروي أنه أطلعه الله سبحانه على حضور وفاته فاغتسل وتحنط وتكفن والجن في عملهم ، وعن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان آصف يدبر أمره حتى دبت الارضة.

قال : وذكر أهل التاريخ أن عمر سليمان عليه‌السلام كان ثلاثا وخمسين (١) سنة مدة ملكه منها أربعون سنة ، وملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وابتدأ في بناء بيت المقدس بعد أربع سنين مضين من ملكه. وقال رحمه الله : وأما الوجه في عمل الجن تلك الاعمال العظيمة فهو أن الله تعالى زاد في أجسامهم وقوتهم وغير خلقهم عن خلق الجن الذين لايرون للطافتهم ورقة أجسامهم على سبيل الاعجاز الدال على نبوة سليمان عليه‌السلام ، فكانوا بمنزلة الاسراء في يده ، وكانوا تتهيأ لهم الاعمال التي كان يكلفها إياهم ، ثم لما مات عليه‌السلام جعل الله خلقهم على ماكانوا عليه فلايتهيأ لهم في هذا الزمان شئ من ذلك. انتهى. (٢)

أقول : لا استبعاد في أن يكونوا مخلوقين خلقة يمكنهم التصور بصورة مرئية ولا استحالة في أن يجعلهم الله مع لطافة أجسامهم قادرين على الاعمال الصعبة كالملك ، وسيأتي القول فيهم في كتاب السماء والعالم ، وقد مضى في الباب الاول نقلا عن الاحتجاج لذلك وجه.

__________________

(١) وفي تاريخ اليعقوبي : فمات وله اثنان وخمسون سنة ، وكان له يوم ملك اثنتا عشرة سنة وتقدم في الخبر السابع مايخالفه ولكنه مجهول ، وفي اثبات الوصية : ملك سبعمائة سنة وست عشرة سنة وستة اشهر والله يعلم.

(٢) مجمع البيان ٨ : ٣٨٣ و ٣٨٤.

١٤٢

( باب ١٢ )

* ( قصة قوم سبأ وأهل الثرثار ) *

الايات ، سبأ « ٣٤ » لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور * فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم و بدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل * ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور * وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين * فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ١٥ ١٩.

١ ـ فس : « لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال » قال : فإن بحرا كان من اليمن وكان سليمان أمر جنوده أن يجروا لهم (١) خليجا من البحر العذب إلى بلاد الهند ، ففعلوا ذلك وعقدوا له عقدة عظيمة من الصخر والكلس (٢) حتى يفيض على بلادهم ، وجعلوا للخليج مجاري ، وكانوا إذا أرادوا أن يرسلوا منه الماء أرسلوه بقدر مايحتاجون إليه ، وكانت لهم جنتان عن يمين وشمال عن مسيرة عشرة أيام فيمن يمر (٣) لاتقع عليه الشمس من التفافها ، فلما عملوا بالمعاصي وعتوا عن أمر ربهم ونهاهم الصالحون فلم ينتهوا بعث الله على ذلك السد الجرذ وهي الفأرة الكبيرة ، فكانت تقلع الصخرة التي لايستقلها الرجل (٤) وترمي بها ، فلما رأى ذلك قوم منهم هربوا وتركوا البلاد ، فما زال الجرذ تقلع الحجر حتى خربوا ذلك السد فلم يشعروا حتى غشيهم السيل وخرب بلادهم

__________________

(١) في المصدر : أن يجروا له.

(٢) الكلس بالفارسية ( : )؟ آهك.

(٣) هكذا في النسخ ، ولعله مصحف ( فمن يمر ) وفي المصدر : فيما يمر ، وفي البرهان : فيها تمر لايقع عليها الشمس.

(٤) في المصدر : تقتلع الصخرة التي لايستقلها الرجال.

١٤٣

وقلع أشجارهم وهو قوله : « لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال » إلى قوله : « سيل العرم » أي العظيم الشديد « فبدلناهم (١) بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط » وهو أم غيلان « وأثل » قال : هو نوع من الطرفاء (٢) « وشئ من سدر قليل * ذلك جزيناهم بما كفروا » إلى قوله : « باركنا فيها » قال : مكة « فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث » إلى قوله : « شكور ». (٣)

٢ ـ سن : عن عبدالله بن المغيرة ، (٤) عن عمرو بن شمر قال : سمعت أبا عبدالله (ع) يقول : إني لالعق (٥) أصابعي من المأدم حتى أخاف أن يرى خادمي أن ذلك من جشع ، وليس ذلك كذلك ، إن قوما أفرغت عليهم النعمة وهم أهل الثرثار فعمدوا إلى مخ الحنطة فجعلوه خبزا هجاء فجعلوا ينجون به صبيانهم حتى اجتمع من ذلك جبل ، قال : فمر رجل صالح على امرأة وهي تفعل ذلك بصبي لها ، فقال : ويحكم اتقوا الله لاتغيروا مابكم من نعمة ، (٦) فقالت : كأنك تخوفنا بالجوع؟ أما مادام ثرثارنا يجري فإنا لا نخاف الجوع ، قال : فأسف الله (٧) عزوجل وضعف لهم الثرثار وحبس عنهم قطر السماء ونبت الارض ، قال : فاحتاجوا إلى ما في أيديهم فأكلوه ، ثم احتاجوا إلى ذلك الجبل ، فإن كان ليقسم بينهم بالميزان. (٨)

أقول : قد أوردنا أخبارا كثيرة في ذلك في باب آداب الاستنجاء.

٣ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن سدير قال : سأل رجل أبا جعفر (ع) (٩) عن قول الله عزوجل : « فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا

__________________

(١) هكذا في النسخ والصحيح كما في المصحف الشريف والمصدر : وبدلناهم.

(٢) قيل : طرفاء بالفارسية : كز.

(٣) تفسير القمي : ٥٣٧ و ٥٣٨.

(٤) في المصدر : عن أبيه ، عن عبدالله بن المغيرة.

(٥) لعق العسل أو نحوه : لحسه وتناوله بلسانه أو اصبعه.

(٦) في المصدر : اتقوا الله ، لايغير مابكم من نعمة.

(٧) أي فعل فعل من يأسف ويغضب. وفي المصدر : وأضعف لهم الثرثار. أي صيره ضعيفا.

(٨) محاس البرقي : ٥٨٦.

(٩) في الكافي في الاسناد الاتي : أبا عبدالله عليه‌السلام.

١٤٤

وظلموا أنفسهم » فقال : هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة ينظر بعضهم إلى بعض ، وأنهار جارية ، وأموال ظاهرة ، فكفروا بأنعم الله (١) وغيروا ما بأنفسهم ، فأرسل الله عليهم سيل العرم فغرق قراهم ، وأخرب ديارهم ، وذهب بأموالهم ، وأبدلهم مكان جناتهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشئ من سدر قليل ، ثم قال الله عزوجل : « ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور ». (٢)

كا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب مثله. (٣)

ص : بالاسناد عن الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب مثله. (٤)

قال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : « لقد كان لسبأ » المراد بسبأ ههنا القبيلة الذين هم أولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان « في مساكنهم » (٥) أي في بلدهم « آية » أي حجة على وحدانية الله عز اسمه وكمال قدرته ، وعلامة على سبوغ نعمه ، ثم فسر سبحانه الآية فقال : « جنتان عن يمين وشمال » أي بستانان عن يمين من أتاهما وشماله ، وقيل : عن يمين البلد وشماله ، وقيل : إنه لم يرد جنتين اثنتين ، والمراد : كانت ديارهم على وتيرة واحدة ، إذ كانت البساتين عن يمينهم وشمالهم متصلة بعضها ببعض ، وكان من كثرة النعم أن المرأة كانت تمشي والمكتل (٦) على رأسها فيمتلئ بالفواكه من غير أن تمس بيدها شيئا ، وقيل : الآية المذكورة هي أنه لم يكن في قريتهم بعوضة ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية ، وكان الغريب إذا دخل بلادهم وفي ثيابه قمل ودواب ماتت ، عن ابن زيد ،

__________________

(١) في الكافي في الاسناد الاتي : فكفروا نعم الله عزوجل وغيروا ما بأنفسهم من عافية الله فغير الله ما بهم من نعمة ، وان الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بانفسهم ، فارسل الله اه. وفيه : وخرب ديارهم وأذهب أموالهم.

(٢) روضة الكافي : ٣٩٥ و ٣٩٦.

(٣) اصول الكافي ٢ : ٢٧٤.

(٤) قصص الانبياء مخطوط.

(٥) هكذا في النسخ وهو تحريف ، والصحيح كما في المصدر : في مسكنهم.

(٦) المكتل : زنبيل من خوص.

١٤٥

وقيل : إن المراد بالآية خروج الازهار والثمار من الاشجار على اختلاف ألوانها وطعومها ، وقيل : إنها كانت ثلاث عشرة قرية في كل قرية نبي يدعوهم إلى الله سبحانه يقولون لهم : « كلوا من رزق ربكم واشكروا له » أي كلوا مما رزقكم الله في هذه الجنان و اشكروا له يزدكم من نعمه واستغفروه يغفر لكم « بلدة طيبة » أي هذه بلدة مخصبة نزهة أرضها عذبة ، تخرج النبات وليست بسبخة ، وليس فيها شي ء من الهوام الموذية ، وقيل : أراد به صحة هوائها ، وعذوبة مائها ، وسلامة تربتها ، وأنه ليس فيها حر يؤذي في القيظ ولا برد يؤذي في الشتاء « ورب غفور » أي كثير المغفرة للذنوب « فأعرضوا » عن الحق ولم يشكروا الله سبحانه ولم يقبلوا ممن دعاهم إلى الله من أنبيائه « فأرسلنا عليهم سيل العرم » وذلك أن الماء كان يأتي أرض سبأ من أودية اليمن ، وكان هناك جبلان يجتمع ماء المطر والسيول بينهما ، فسدوا مابين الجبلين فإذا احتاجوا إلى الماء نقبوا السد بقدر الحاجة ، فكانوا يسقون زروعهم وبساتينهم فلما كذبوا رسلهم وتركوا أمر الله بعث الله جرذا نقب ذلك الردم وفاض الماء عليهم فأغرقهم ، عن وهب. (١)

وقال البيضاوي : « سيل العرم » أي سيل الامر العرم ، أي الصعب ، من عرم الرجل فهو عارم وعرم : إذا شرس خلقه وصعب ، أو المطر الشديد ، أو الجرذ ، أضاف إليه السيل لانه نقب عليهم سكرا (٢) ضربت لهم بلقيس فحقنت (٣) به ماء الشجر ، وتركت فيه نقبا على مقدار مايحتاجون إليه ، أو المسناة (٤) التي عقدت سكرا على أنه جمع عرمة. وهي الحجارة المركومة ، وقيل : اسم واد جاء السيل من قبله ، وكان ذلك بين عيسى عليه‌السلام و محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

« وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط » مر بشع ، (٥) فإن الخمط كل نبت أخذ طعما من مرارة ، وقيل : الاراك ، أو كل شجر لا شوك له « وأثل وشئ

__________________

(١) مجمع البيان ٨ : ٣٨٦. وفيه : نقبت ذلك الردم. قلت : الردم : السد.

(٢) في نسخة : سدا. والسكر بالكسر فالسكون : السد.

(٣) أي حبست.

(٤) المسناة : ما يبني في وجه السيل.

(٥) في المصدر وفي نسخة : ثمر بشع. قلت : شئ بشع أي كريه الطعم يأخذ بالحلق.

١٤٦

من سدر قليل » والاثل : هو الطرفاء ولا ثمر له ، ووصف السدر بالقلة فإن جناه وهو النبق مما يطيب أكله ، ولذلك يغرس في البساتين « ذلك جزيناهم بما كفروا » بكفرانهم النعمة ، أو بكفرهم بالرسل ، إذ روي أنه بعث إليهم ثلاثة عشر نبيا فكذبوهم « وهل نجازي إلا الكفور » وهل نجازي بمثل مافعلنا بهم إلا البليغ في الكفران أو الكفر « وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها » بالتوسعة على أهلها وهي قرى الشام « قرى ظاهرة » متواصلة يظهر بعضها لبعض ، أو راكبة متن الطريق ، ظاهرة لابناء السبيل « وقدرنا فيها السير » بحيث يقيل الغادي في قرية ويبيت الرائح في قرية إلى أن يبلغ الشام « سيروا فيها » على إرادة القوم بلسان الحال أو المقال « ليالي وأياما » متى شئتم من ليل أو نهار « آمنين * فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا » أشروا النعمة وملوا العافية كبني إسرائيل ، فسألوا الله أن يجعل بينهم وبين الشام مفاوز ليتطاولوا فيها على الفقراء بركوب الرواحل وتزود الازواد ، فأجابهم الله بتخريب القرى المتوسطة « وظلموا أنفسهم » حيث بطروا النعمة ولم يعتدوا بها « فجعلناهم أحاديث » يتحدث الناس بهم تعجبا ، وضرب مثل فيقولون : تفرقوا أيدي سبأ « ومزقناهم كل ممزق » ففرقناهم غاية التفريق حتى لحق غسان منهم بالشام ، وأنمار بيثرب ، وجذام بتهامة ، والازد بعمان. (١)

وقال الطبرسي رحمه الله : روى الكلبي ، عن أبي صالح قال : ألقت طريفة الكاهنة إلى عمرو بن عامر الذي يقال له مزيقيا بن ماء السماء ، وكانت قد رأت في كهانتها أن سد مأرب سيخرب ، وأنه سيأتي سيل العرم فيخرب الجنتين ، فباع عمرو بن عامر أمواله و سارهو وقومه حتى انتهوا إلى مكة فأقاموا بها وما حولها ، فأصابتهم الحمى وكانوا ببلد لا يدرون فيه ما الحمى ، فدعوا طريفة وشكوا إليها الذي أصابهم ، فقالت لهم : قد أصابني الذي تشتكون وهو مفرق بيننا ، قالوا : فماذا تأمرين؟ قالت : من كان منكم ذا هم بعيد وجمل شديد ومزاد جديد فليلحق بقصر عمان المشيد ، فكانت أزد عمان ، ثم قالت : من كان منكم ذا جلد وقسر وصبر على أزمات الدهر (٢) فعليه بالاراك من بطن مر ، فكانت خزاعة. ثم قالت :

__________________

(١) انوار التنزيل ٢ : ٢٨٧ ٢٨٨.

(٢) الجلد : الشدة والقوة. والقسر : القهر والغلبة. وأزمات الدهر : شدائده وما يشد به الانسان من المكاره.

١٤٧

من كان منكم يريد الراسيات في الوحل المطعمات في المحل (١) فليلحق بيثرب ذات النخل ، فكانت الاوس والخزرج. ثم قالت : من كان منكم يريد الخمر والخمير والملك والتأمير وملابس التاج والحرير فليلحق ببصرى وعوير ، وهما من أرض الشام ، وكان الذين سكنوها آل جفنة بن غسان. ثم قالت : من كان منكم يريد الثياب الرقاق و الخيل العتاق وكنوز الارزاق والدم المهراق فليلحق بأرض العراق ، وكان الذين سكنوها آل جزيمة الابرش ومن كان بالحيرة وآل محرق. (٢)

( باب ١٣ )

* ( قصة أصحاب الرس وحنظلة ) *

الايات ، الحج « ٢٢ » فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ٤٥.

الفرقان « ٢٥ » وعادا وثمود وأصحاب الرس ٣٨.

ق « ٥٠ » كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس ١٢.

١ ـ ع ، ن : الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن الهروي ، عن الرضا ، عن آبائه عن الحسين بن علي عليهم‌السلام قال : أتى علي بن أبي طالب عليه‌السلام قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من أشراف تميم يقال له عمرو ، فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن أصحاب الرس في أي عصر كانوا؟ وأين كانت منازلهم؟ ومن كان ملكهم؟ وهل بعث الله عزوجل إليهم رسولا أم لا؟ وبماذا أهلكوا؟ فإني أجد في كتاب الله ذكرهم ولا أجد خبرهم. فقال له علي عليه‌السلام : لقد سألت عن حديث ما سألني عنه أحد قبلك ولايحدثك به أحد بعدي إلا عني ، وما في كتاب الله عزوجل آية إلا وأنا أعرف تفسيرها ، (٣) وفي أي مكان نزلت من سهل أو جبل ، وفي أي وقت نزلت من ليل أو نهار ، وإن ههنا لعلما

__________________

(١) المحل : الجدب. الجوع الشديد. كنى بها عن النخل.

(٢) مجمع البيان ٨ : ٣٨٧.

(٣) في العيون : الا وأنا أعرفها وأعرف تفسيرها.

١٤٨

جما وأشار إلى صدره ولكن طلابه يسير ، وعن قليل يندمون لو فقدوني ، قال : كان من قصتهم يا أخا تميم أنهم كانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت ، كان يافث بن نوح غرسها على شفير عين يقال لها روشاب (١) كانت أنبطت (٢) لنوح (ع) بعد الطوفان ، وإنما سموا أصحاب الرس لانهم رسوا نبيهم في الارض ، (٣) وذلك بعد سليمان بن داود عليه‌السلام ، (٤) وكانت لهم اثنتا عشر قرية على شاطئ نهر يقال له : الرس من بلاد المشرق ، وبهم سمي ذلك النهر ، ولم يكن يومئذ في الارض نهر أغزر منه ، ولا أعذب منه ، ولا قرى أكثر (٥) ولا أعمر منها تسمى إحداهن أبان ، والثانية آذر ، والثالثة دي ، والرابعة بهمن ، والخامسة إسفندار ، والسادسة فروردين ، (٦) و السابعة أردي بهشت ، والثامنة خرداد ، (٧) والتاسعة مرداد ، والعاشرة تير ، والحادي عشرة مهر ، والثاني عشرة شهر يورد ، (٨) وكانت أعظم مدائنهم إسفندار وهي التي ينزلها ملكهم ، و كان يسمى تركوذ بن غابور بن يارش بن سازن (٩) بن نمرود بن كنعان فرعون إبراهيم ، وبها العين والصنوبرة ، (١٠) وقد غرسوا في كل قرية منها حبة من طلع تلك الصنوبرة ، وأجروا إليها نهرا من العين التي عند الصنوبرة ، فنبتت الحبة وصارت شجرة عظيمة ، وحرموا ماء العين والانهار فلا يشربون منها ولا أنعامهم ، ومن فعل ذلك قتلوه ويقولون : هو حياة آلهتنا ، فلا ينبغي لاحد أن ينقص من حياتها ، ويشربون هم وأنعامهم من نهر الرس الذي عليه

__________________

(١) في نسخة : روشتاب. وفي العرائس : دوشان.

(٢) أنبط البئر : استخرج ماءها. وفي العلل والعرائس « نبعت » وفي النسخة المطبوعة « انبتت » وهو وهم.

(٣) أي دسوهم فيها ووأدوهم.

(٤) في العرائس : وذلك قبل سليمان بن داود.

(٥) في العيون : ولا قرى أكبر منها ولا أعمر منها. وفي العرائس : ولا قرى أكثر سكانا و عمرانا منها.

(٦) في العلل : بروردين.

(٧) في نسخة : والثامنة آذر ، وفي اخرى والعلل : آذار.

(٨) في كلا المصدرين : شهريور.

(٩) في العلل : بركوذ بن غابور بن فارش بن شارب. وفي العرائس : تركون بن عابور بن نوش بن سارب.

(١٠) في العرائس : وفيها العين التي يسقون منها الصنوبرة التي كانوا يعبدونها ، وقد غرسوا.

١٤٩

قراهم ، وقد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيدا يجتمع إليه أهلها فيضربون على الشجرة التي بها كلة (١) من حرير فيها من أنواع الصور ، ثم يأتون بشاء (٢) وبقر فيذبحونها قربانا للشجرة ، ويشعلون فيها النيران بالحطب ، فإذا سطع دخان تلك الذبائح وقتارها (٣) في الهواء وحال بينهم وبين النظر إلى السماء خروا للشجرة سجدا يبكون ويتضرعون إليها أن ترضى عنهم ، فكان الشيطان يجئ فيحرك أغصانها ويصيح من ساقها صياح الصبي : أني قد رضيت عنكم عبادي! فطيبوا نفسا ، وقروا عينا ، فيرفعون رؤوسهم عند ذلك ، ويشربون الخمر ، ويضربون بالمعازف ، (٤) ويأخذون الدستبند ، فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم ثم ينصرفون ، وإنما سمت العجم شهورها بأبان ماه وآذر ماه وغيرهما اشتقاقا من أسماء تلك القرى لقول أهلها بعضهم لبعض هذا عيد شهر كذا ، وعيد شهر كذا ، حتى إذا كان عيد قريتهم العظمى (٥) اجتمع إليها صغيرهم وكبيرهم ، فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقا من ديباج عليه من أنواع الصور ، وجعلوا له اثني عشر بابا كل باب لاهل قرية منهم ، ويسجدون للصنوبرة خارجا من السرادق ، ويقربون لها الذبائح أضعاف ماقربوا للشجرة التي في قراهم فيجئ إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكا شديدا ، ويتكلم من جوفها كلاما جهوريا ، و يعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم ومنتهم الشياطين كلها ، فيرفعون رؤوسهم من السجود ، وبهم من الفرح والنشاط ما لايفيقون ولا يتكلمون من الشرب والعزف ، (٦) فيكونون على ذلك اثني عشر يوما ولياليها بعدد أعيادهم سائر السنة ، ثم ينصرفون ، فلما طال

__________________

(١) الكلة بالكسر : الستر الرقيق. غشاء رقيق يخاط كالبيت يتوقى به من البعوض ويعرف ( بالناموسية ) ويقال بالفارسية ( بشه بند ) وفي العرائس : يضربون على تلك الشجرة مظلة من حرير فيها اصناف الصور.

(٢) جمع الشاة.

(٣) القتار بضم : الدخان من المطبوخ.

(٤) المعازف : آلات الطرب كالطنبور والعود.

(٥) في العيون : عيد شهر قريتهم العظمى.

(٦) في العرائس : ولا يتكلمون معه فيديمون الشرب والمعازف ويكونون.

١٥٠

كفرهم بالله عزوجل وعبادتهم غيره بعث الله عزوجل إليهم نبيا من بني إسرائيل من ولد يهودا بن يعقوب ، فلبث فيهم زمانا طويلا يدعوهم إلى عبادة الله عزوجل ومعرفة ربوبيته (١) فلا يتبعونه ، فلما رأى شدة تماديهم في الغي والضلال وتركهم قبول ما دعاهم إليه من الرشد والنجاح وحضر عيد قريتهم العظمى قال : يارب إن عبادك أبوا إلا تكذيبي والكفر بك ، (٢) وغدوا يعبدون شجرة لاتنفع ولاتضر ، فأيبس شجرهم أجمع ، وأرهم قدرتك وسلطانك ، فأصبح القوم وقد يبس شجرهم كلها فهالهم ذلك وقطع بهم ، وصاروا فرقتين : فرقة قالت : سحر آلهتكم هذا الرجل الذي زعم أنه رسول رب السماء والارض إليكم ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه ، وفرقة قالت : لا بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويقع فيها ويدعوكم إلى عبادة غيرها فحجبت حسنها وبهاءها لكي تغضبوا لها فتنتصروا منه ، فأجمع رأيهم على قتله ، فاتخذوا أنابيب (٣) طوالا من رصاص واسعة الافواه ، ثم أرسلوها في قرار العين (٤) إلى أعلى الماء ، واحدة فوق الاخرى مثل البرابخ ونزحوا ما فيها من الماء ، ثم حفروا في قرارها بئرا ضيقة المدخل عميقة ، وأرسلوا فيها نبيهم ، (٥) وألقموا فاها صخرة عظيمة ، ثم أخرجوا الانابيب من الماء وقالوا : نرجو الآن أن ترضى عنا آلهتنا إذا رأت أنا قد قتلنا من كان يقع فيها ، ويصدنا عن عبادتها ، ودفناه تحت كبيرها يتشفى منه ، فيعود لنا نورها ونضرتها كما كان ، فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم ، وهو يقول : « سيدي قد ترى ضيق مكاني وشدة كربي فارحم ضعف ركني وقلة حيلتي ، وعجل بقبض روحي ولا تؤخر إجابة دعوتي » حتى مات ، فقال الله جل جلاله لجبرئيل : ياجبرئيل أيظن عبادي هؤلاء الذين غرهم

__________________

(١) في العرائس : ويعرفهم ربوبيته ، فلا يتبعونه ولا يسمعون مقالته ، فلما رأى شدة ما هم فيه من الغي والضلالة.

(٢) في العرائس : يارب ان عبادك أبوا تصديقي ودعوتي اليهم ، وما ارادوا الا تكذيبي و الكفر بك ، ثم غدوا.

(٣) انابيب جمع الانبوب : مابين العقدتين من القصب أو الرمح. ويستعار لكل اجوف مستدير كالقصب ومنه انبوب الماء لقناته. والقناة : مايحفر في الارض ليجري فيه الماء.

(٤) في نسخة من العيون : في قرار الارض.

(٥) في العرائس : فرسوا فيها نبيهم.

١٥١

حلمي وأمنوا مكري وعبدوا غيري وقتلوا رسولي أن يقوموا لغضبي أو يخرجوا من سلطاني؟ كيف وأنا المنتقم ممن عصاني ، ولم يخش عقابي ، وإني حلفت بعزتي لاجعلنهم عبرة ونكالا للعالمين ، فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك (١) إلا بريح عاصف شديدة الحمرة فتحيروا فيها وذعروا منها وتضام بعضهم إلى بعض ، ثم صارت الارض من تحتهم حجر كبريت يتوقد ، (٢) وأظلتهم سحابة سوداء فألقت عليهم كالقبة جمرا يلتهب فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص في النار ، فنعوذ بالله تعالى ذكره من غضبه ونزول نقمته ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (٣)

بيان : روى الثعلبي في العرائس (٤) هذه الرواية عن علي بن الحسين عليهما‌السلام نحوا مما أوردنا.

قوله (ع) : ( وبهم سمي ذلك النهر ) أي سمي ذلك النهر الرس لفعلهم حيث رسوا نبيهم فيه. قال الفيروز آبادي : الرس : البئر المطوية بالحجارة. وبثر كانت لبقية من ثمود كذبوا نبيهم ورسوه في بئر. والحفر. والدس. ودفن الميت انتهى. قوله عليه‌السلام : ( وحرموا ماء العين ) يدل على أن العين التي كانت عند الصنوبرة غير الرس الذي كان عليه قراهم. والكلة بالكسر : الستر الرقيق يخاط كالبيت يتوقى فيه من البق. والقترة بالفتح. الغبرة. والقتار بالضم : ريح البخور والقدر والشواء. والمعازف : الملاهي. قوله : ( ويأخذون الدستبند ) لعل المراد به مايسمى بالفارسية أيضا سنج ، ويحتمل أن يكون المراد التزين بالاسورة. وكلام جهوري أي عال ، ويظهر منه أن الذين كانوا يتكلمون في الاشجار الاخر كانوا غير إبليس من أعوانه. وفي القاموس : قطع بزيد كعني فهو مقطوع به : عجز من سفره بأي سبب كان ، أو حيل بينه وبين ما يؤمله. والبربخ بالبائين الموحدتين والخاء المعجمة : ما يعمل من الخزف للبئر ومجاري الماء.

٢ ـ فس : أصحاب الرس هم الذين هلكوا ، لانهم استغنوا الرجال بالرجال ،

__________________

(١) في العلل : فلم يدعهم وفي عيدهم ذلك. وفي العرائس : فبينماهم اذ غشيتهم ريح حمراء.

(٢) في العرائس : كحجر كبريت تتوقد.

(٣) عيون الاخبار : ١١٤ ١١٦ علل الشرائع : ٢٥ ٢٦.

(٤) راجع العرائس : ٨٧ ٨٨.

١٥٢

والنساء بالنساء ، والرس : نهر بناحية آذربايجان. (١)

٣ ـ مع : معنى أصحاب الرس أنهم نسبوا إلى نهر يقال له الرس من بلاد المشرق ، وقد قيل : إن الرس هو البئر ، وإن أصحابه رسوا نبيهم بعد سليمان بن داود عليه‌السلام وكانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت ، كان غرسها يافث بن نوح ، فأنبتت (٢) لنوح بعد الطوفان ، وكان نساؤهم يشتغلن بالنساء عن الرجال ، فعذبهم الله عز وجل بريح عاصف شديدة الحمرة ، وجعل الارض من تحتهم حجر كبريت يتوقد وأظلتهم سحابة سوداء مظلمة فانكفت عليهم كالقبة جمرة تلتهب فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص في النار. (٣)

٤ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، وماجيلويه ، عن محمد بن أبي القاسم ، عن محمد بن علي ، عن علي بن العباس ، عن جعفر بن محمد البلخي ، عن الحسن بن راشد ، عن يعقوب بن إبراهيم قال : سأل رجل أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن أصحاب الرس الذين ذكرهم الله من هم وممن هم وأي قوم كانوا؟ فقال : كانا رسين : أما أحدهما فليس الذي ذكره الله في كتابه ، كان أهله أهل بدو وأصحاب شاة وغنم ، فبعث الله تعالى إليهم صالح النبي عليه‌السلام رسولا فقتلوه ، وبعث إليهم رسولا آخر فقتلوه ، ثم بعث إليهم رسولا آخر و عضده بولي فقتلوا الرسول ، وجاهد الولي حتى أفحمهم ، وكانوا يقولون : إلهنا في البحر وكانوا على شفيره ، وكان لهم عيد في السنة ، يخرج حوت عظيم من البحر في تلك اليوم فيسجدون له ، فقال ولي صالح لهم : لا أريد أن تجعلوني ربا ، ولكن هل تجيبوني إلى مادعوتكم إن أطاعني ذلك الحوت؟ فقالوا : نعم ، وأعطوه عهودا ومواثيق ، فخرج حوت راكب على أربعة أحوات ، فلما نظروا إليه خروا سجدا ، فخرج ولي صالح النبي إليه وقال له : ايتني طوعا أو كرها بسم الله الكريم ، فنزل عن أحواته ، فقال الولي : ايتني عليهن لئلا يكون من القوم في أمري شك ، فأتى الحوت إلى البر يجرها وتجره إلى عند ولي صالح ، فكذبوه بعد ذلك ، فأرسل الله إليهم ريحا فقذفتهم في اليم أي البحر ومواشيهم ،

__________________

(١) تفسير القمي : ٦٤٣.

(٢) في نسخة : فانبطت. وقد تقدم معناه.

(٣) معاني الاخبار : ١٩.

١٥٣

فأتى الوحي إلى ولي صالح بموضع ذلك البئر وفيها الذهب والفضة ، فانطلق فأخذه ففضه (١) على أصحابه بالسوية على الصغير والكبير.

وأما الذين ذكرهم الله في كتابه فهم قوم كان لهم نهر يدعى الرس ، وكان فيهم أنبياء كثيرة ، فسأله رجل : وأين الرس؟ فقال : هو نهر بمنقطع آذربيجان ، وهو بين حد ارمينية (٢) وآذربيجان ، وكانوا يعبدون الصلبان ، (٣) فبعث الله إليهم ثلاثين نبيا في مشهد واحد فقتلوهم جميعا ، فبعث الله إليهم نبيا وبعث معه وليا فجاهدهم ، وبعث الله ميكائيل في أوان وقوع الحب والزرع ، فأنضب ماءهم (٤) فلم يدع عينا ولا نهرا ولا ماء لهم إلا أيبسه وأمر ملك الموت فأمات مواشيهم ، وأمر الله الارض فابتلعت ما كان لهم من تبرأ وفضة أو آنية فهو لقائمنا عليه‌السلام إذا قام ، فماتوا كلهم جوعا وعطشا ، فلم يبق منهم باقية ، وبقي منهم قوم مخلصون فدعوا الله أن ينجيهم بزرع وماشية وماء ، ويجعله قليلا لئلا يطغوا ، فأجابهم الله إلى ذلك لما علم من صدق نياتهم ، ثم عاد القوم إلى منازلهم فوجدوها قد صارت أعلاها أسفلها ، وأطلق الله لهم نهرهم ، وزادهم فيه عليه ما سألوا ، فقاموا على الظاهر و الباطن في طاعة الله حتى مضى أولئك القوم وحدث بعد ذلك نسل أطاعوا الله في الظاهر و نافقوه في الباطن ، وعصوا بأشياء شتى فبعث الله من أسرع فيهم القتل ، فبقيت شرذمة منهم فسلط الله عليهم الطاعون فلم يبق منهم أحدا ، وبقي نهرهم ومنازلهم مائتي عام لايسكنها أحد ، ثم أتى الله تعالى بقوم بعد ذلك فنزلوها وكانوا صالحين ، ثم أحدث قوم منهم فاحشة واشتغل الرجال بالرجال والنساء بالنساء فسلط الله عليهم صاعقة فلم يبق منهم باقية. (٥)

بيان : قوله : ( بموضع ذلك البئر ) يظهر منه أنهم كانوا دفنوا أموالهم في بئر و سيظهر مما سننقل من رواية الثعلبي أن فيه تصحيفا.

__________________

(١) اي ففرقه.

(٢) بكسر اوله وبفتح ، وتخفيف الياء الاخيرة وقد يشدد : اسم لصقع عظيم واسع في جهة شمال ايران.

(٣) هكذا في النسخ ، وهو جمع الصليب. وفي العرائس كما يأتي بعد ذلك : يعبدون النيران.

(٤) هكذا في النسخ ، وفي العرائس كما يأتي « فانصب » راجعه.

(٥) قصص الانبياء مخطوط.

١٥٤

٥ ـ ثو : أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : دخلت عليه نسوة فسألته امرأة عن السحق ، فقال : حدها حد الزاني ، فقالت امرأة : ماذكر الله عزوجل ذلك في القرآن؟ قال : بلى ، قالت : وأين هو؟ قال : هو أصحاب الرس. (١)

٦ ـ كا : أبوعلي الاشعري ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن عبيس بن هشام ، عن حسين بن أحمد المنقري ، عن هشام الصيدلاني (٢) عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سأله رجل عن هذه الآية : « كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس » فقال بيده هكذا ، فمسح إحداهما بالاخرى ، فقال : هن اللواتي باللواتي ، يعني النساء بالنساء. (٣)

قال الثعلبي في العرائس : قال الله عزوجل : « وعادا وثمود وأصحاب الرس » و قال : « كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس ».

اختلف أهل التفسير وأصحاب الاقاصيص فيهم ، فقال سعيد بن جبير والكلبي و الخليل بن أحمد دخل كلام بعضهم في بعض ، وكل أخبر بطائفة من حديث : أصحاب الرس (٤) بقية ثمود قوم صالح عليه‌السلام وهم أصحاب البئر التي ذكرها الله تعالى في قوله : « وبئر معطلة وقصر مشيد » وكانوا بفليح اليمامة (٥) نزولا على تلك البئر وكل ركية لم

__________________

(١) ثواب الاعمال : ٢٥٩.

(٢) في نسخة : الصيدناني.

(٣) فروع الكافي ٢ : ٧٣.

(٤) هكذا في النسخ ، والصحيح كما في المصدر : وكل أخبر بطائفة من حديث أصحاب الرس ان أصحاب الرس اه.

(٥) في نسخة : بفليج اليمامة. وفي المصدر : بفلج اليمامة قال ياقوت في معجم البلدان : الرس : في القرآن بئر ، يروى انهم كذبوا نبيهم ورسوه في البئر اي دسوه فيها ، ويروى أن الرس قرية باليمامة يقال لها فلج ، وروى أن الرس ديار لطائفة من ثمود ، وقيل : إنه وادي آذربيجان وحد آذربيجان ماوراء الرس ، وكان بأران على الرس ألف مدينة فبعث الله اليهم نبيا يقال له موسى ، وليس بموسى بن عمران فدعاهم إلى الله فكذبوه ، ومخرج الرس من قاليقلاء ويمر بأران ثم يمر بورثان ثم يمر بالمجمع فيجتمع هو والكر ، وبينهما مدينة البيلقان ، ويمر الكر والرس ميعا فيصبان في بحر جرجان ، والرس هذا واد عجيب فيه من السمك اصناف كثيرة وفيه سمك يقال له شورماهي ، لا يكون الا فيه ، ونهر الرس يخرج إلى صحراء البلاسجان وهي إلى شاطئ البحر في الطول من برزند إلى برذعة ، وفي هذه الصحراء خمسة آلاف قرية وأكثرها خراب ، الا أن حيطانها وابنيتها باقية لم تتغير لجودة التربة وصحتها ، ويقال : ان تلك القرى كانت لاصحاب الرس ويقال : انهم رهط جالوت قتلهم داود وسليمان عليهما‌السلام.

١٥٥

تطو بالحجارة والآجر فهو رس ، وكان لهم نبي يقال له حنظلة بن صفوان ، وكان بأرضهم جبل يقال له فتح ، مصعدا في السماء ميلا ، وكانت العنقاء ينتابه (١) وهي كأعظم مايكون من الطير ، وفيها من كل لون ، وسموها العنقاء لطول عنقها ، وكانت تكون في ذلك الجبل تنقض على الطير تأكلها ، فجاعت ذات يوم فأعوزها الطير (٢) فانقضت على صبي فذهبت به ، ثم إنها انقضت على جارية حين ترعرعت فأخذتها فضمتها إلى جناحين لها صغيرين سوى الجناحين الكبيرين ، فشكوا إلى نبيهم ، فقال : اللهم خذها واقطع نسلها وسلط عليها آية تذهب بها ، فأصابتها صاعقة فاحترقت فلم ير لها أثر فضربتها العرب (٣) مثلا في أشعارها وحكمها وأمثالها ، ثم إن أصحاب الرس قتلوا نبيهم فأهلكهم الله تعالى.

وقال بعض العلماء : بلغني أنه كان رسان : أما أحدهما فكان أهله أهل بدو و أصحاب غنم ومواش فبعث الله إليهم نبيا فقتلوه ، ثم (٤) بعث إليهم رسولا آخر وعضده بولي فقتلوا الرسول ، وجاهدهم الولي حتى أفحمهم ، وكانوا يقولون : إلهنا في البحر ، وكانوا على شفيره ، وكان يخرج إليهم من البحر شيطان في كل شهر خرجة فيذبحون عنده ويتخذونه عيدا ، فقال لهم الولي : أرأيتم إن خرج إلهكم الذين تدعونه وتعبدونه إلي وأطاعني أتجيبونني إلى مادعوتكم إليه؟ فقالوا : بلى ، وأعطوه على ذلك العهود والمواثيق ، فانتظر حتى خرج ذلك الشيطان على صورة حوت راكبا أربعة أحوات ، وله عنق مستعلية ، وعلى رأسه مثل التاج ، فلما نظروا إليه خروا له سجدا ، وخرج الولي إليه ، فقال : ايتني طوعا أو كرها ، بسم الله الكريم ، فنزل عند ذلك عن أحواته ، فقال له الولي : ايتني عليهن لئلا يكون من القوم في أمري شك ، فأتى الحوت وأتين به حتى أفيضن به إلى البر يجرونه ، فكذبوه بعد مارأوا ذلك ، ونقضوا العهد ، فأرسل الله تعالى عليهم ريحا فقذفتهم في البحر ومواشيهم جميعا وما كانوا يملكون من ذهب وفضة ، فأتى الولي الصالح إلى

__________________

(١) انتابه : أتاه بعد اخرى. قصد اليه. وفي المصدر : تبيت به.

(٢) اي اعجزه وصعب عليه نيله.

(٣) في المصدر : فلم ير لها أثر بعد ذلك فضربت بها العرب مثلا.

(٤) قد سقط عن المصدر من هنا إلى قوله : واما الاخر.

١٥٦

البحر حتى أخذ التبر والفضة والاواني فقسمها على أصحابه بالسوية على الصغير منهم والكبير ، وانقطع هذا النسل.

وأما الآخر فهم قوم كان لهم نهر يدعى الرس ينسبون إليه ، وكان فيهم أنبياء كثيرة ، قل يوم يقوم نبي إلا قتل ، (١) وذلك النهر بمنقطع آذربيجان بينها وبين ارمينية فإذا قطعته مدبرا دخلت في حد ارمينية ، وإذا قطعته مقبلا دخلت في حد آذربيجان ، يعبدون النيران ، (٢) وهم كانوا يعبدون الجواري العذاري ، فإذا تمت لاحداهن ثلاثين (٣) سنة قتلوها واستبدلوا غيرها ، وكان عرض نهرهم ثلاثة فراسخ ، وكان يرتفع في كل يوم وليلة حتى يبلغ أنصاف الجبال التي حوله ، وكان لاينصب في بر ولا بحر ، إذا خرج من حدهم يقف ويدور ، ثم يرجع إليهم ، فبعث الله تعالى إليهم ثلاثين نبيا في شهر واحد فقتلوهم جميعا ، فبعث الله عزوجل إليهم نبيا وأيده بنصره وبعث معه وليا فجاهدهم في الله حق جهاده ، فبعث الله تعالى إليه ميكائيل حين نابذوه وكان ذلك في أوان وقوع الحب في الزرع ، (٤) وكان إذ ذاك أحوج ما كانوا من الماء ، ففجر نهرهم في البحر فانصب ما في أسفله ، وأتى عيونه (٥) من فوق فسدها ، وبعث إليه خمسمائة ألف من الملائكة أعوانا له ففرقوا مابقي في وسط النهر ، (٦) ثم أمر الله تعالى جبرائيل فنزل فلم يدع في أرضهم عينا ولانهرا إلا أيبسه بإذن الله عزوجل ، وأمر ملك الموت فانطلق إلى المواشي فأماتهم ربضة واحدة ، (٧) وأمر الرياح الاربع : الجنوب ، والشمال ، والدبور ، والصباء ،

__________________

(١) هكذا في النسخ وهو لايخلو عن تصحيف ، والصواب ما في المصدر : لا يقوم فيهم نبي الا قتلوه.

(٢) في المصدر : وكان من حولهم من أهل ارمينية يعبدون الاوثان ، ومن قدامهم من اهل آذربيجان يعبدون النيران ، وهم كانوا يعبدون الجواري العذارى.

(٣) هكذا في النسخ وهو مصحف ثلاثون راجع المصدر.

(٤) في المصدر : الارض مكان الزرع. وفيه : وكانوا عند ذلك احوج ما يكونون إلى الماء فحفر نهرهم.

(٥) في المصدر : وأتى إلى عيونه.

(٦) في المصدر : خمسمائة من الملائكة أعوانا له فغرقوا ما بقى في وسط نهرهم.

(٧) الربضة بكسر الاول وسكون الثاني : مقتل كل قوم قتلوا في موقعة واحدة. وفي المصدر : فأماتها دفعة واحدة. وفيه : الارياح الاربع وكذا فيما يأتي.

١٥٧

فضمت ماكان لهم من متاع ، وألقى الله عزوجل عليهم السبات ، (١) ثم حفت الرياح (٢) الاربع المتاع أجمع فهبته (٣) في رؤوس الجبال وبطون الاودية ، فأما ماكان من حلي أو تبر أو آنية فإن الله تعالى أمر الارض فابتلعته فأصبحوا ولا شاة عندهم ولا بقرة ، ولا مال يعودون إليه ، ولا ماء يشربونه ، ولا طعام يأكلونه ، فآمن بالله تعالى عند ذلك قليل منهم ، وهداهم إلى غار في جبل له طريق إلى خلفه فنجوا ، وكانوا أحدا وعشرين رجلا وأربع نسوة وصبيين ، وكان عدة الباقين من الرجال والنساء والذراري ستمائة ألف فماتوا عطشا وجوعا ، ولم يبق منهم باقية ، ثم عاد القوم إلى منازلهم فوجدوها قد صار أعلاها أسفلها ، فدعا القوم عند ذلك مخلصين أن يجيئهم بزرع وماء وماشية ويجعله قليلا لئلا يطغوا ، فأحابهم الله تعالى إلى ذلك لما علم من صدق نياتهم وعلم منهم الصدق ، (٤) وآلوا أن لايبعث رسولا ممن قاربهم إلا أعانوه وعضدوه ، وعلم الله تعالى منهم الصدق فأطلق الله لهم نهرهم وزادهم على ماسألوا ، فأقام أولئك في طاعة الله ظاهرا وباطنا حتى مضوا وانقرضوا ، وحدث بعدهم من نسلهم قوم أطاعوا الله في الظاهر ونافقوه في الباطن ، فأملى الله تعالى لهم ، وكان عليهم قادرا ، ثم كثرت معاصيهم وخالفوا أولياء الله تعالى فبعث الله عزوجل عدوهم ممن فارقهم وخالفهم فأسرع فيهم القتل ، وبقيت منهم شرذمة فسلط الله عليهم الطاعون فلم يبق منهم أحدا ، وبقي نهرهم ومنازلهم مائتي عام لا يسكنها أحد ، ثم أتى الله بقرن (٥) بعد ذلك فنزلوها وكانوا صالحين سنين ، ثم أحدثوا فاحشة جعل الرجل يدعو بنته وأخته و زوجته فينيلها (٦) جاره وأخاه وصديقه يلتمس بذلك البر والصلة ، ثم ارتفعوا من ذلك إلى نوع آخر : ترك الرجال النساء حتى شبقن واستغنوا بالرجال ، (٧) فجاءت النساء

__________________

(١) السبات بالضم : النوم أو أوله.

(٢) في نسخة : ثم جمعت الرياح.

(٣) في نسخه : فبثته ، وفي المصدر : فرمته.

(٤) المصدر خلى عن قوله. وعلم منهم الصدق. قوله : آلوا اي حلفوا. وفي المصدر : و قالوا : انه لايبعث الله رسولا الا ما يليهم ويقاربهم الا أعانوه وصدقوه وعضدوه.

(٥) القرن : أهل زمان واحد. وفي المصدر : ثم أتى الله بقوم بعد ذلك فنزلوها وكانوا صالحين فاقاموا فيها ستين سنة.

(٦) في المصدر : فيبيت معها.

(٧) في المصدر : واستغنى الرجال بالرجال.

١٥٨

شيطانهن في صورة امرأة وهي الدلهاث (١) بنت إبليس وهي أخت الشيصار كانتا في بيضة واحدة فشبهت إلى النساء (٢) ركوب بعضهن بعضا وعلمتهن كيف يصنعن ، فأصل ركوب النساء بعضهن بعضا من الدلهاث ، فسلط الله على ذلك القرن (٣) صاعقة في أول الليل ، وخسفا في آخر الليل ، وصيحة مع الشمس ، فلم يبق منهم باقية ، وبادت مساكنهم ، ولا أحسب منازلهم اليوم تسكن. انتهى (٤)

أقول : إنما أوردنا تلك الرواية بطولها لكونها كالشرح لروايتي يعقوب وهشام بل لايبعد أن يكون من قوله : ( قال بعض العلماء ) إلى آخره رواية يعقوب بعينها ، إذ كثيرا ماينقل الثعلبي روايات الشيعة في كتابه هكذا ، والراوندي رحمه الله دأبه الاختصار في الاخبار ، فكثيرا ماوجدناه ترك من خبر رواه عن الصدوق رحمه الله أكثر من ثلاثة أرباعه ، وإنما أوردنا قصة أصحاب الرس في هذا الموضع لما ورد في الخبر أنهم كانوا بعد سليمان عليه‌السلام ومنهم من ذكرها قبل قصص إبراهيم عليه‌السلام بناء على أنهم من بقية قوم ثمود والصدوق أوردهم بعد قصص إبراهيم وقبل يعقوب عليهما‌السلام ، وقد ذكرهم الله في سورة الفرقان بعد ثمود ، وفي سورة ق قبلهم.

وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى : « وأصحاب الرس » هو بئر رسوا فيها نبيهم أي ألقوه فيها ، عن عكرمة ، وقيل : إنهم كانوا أصحاب مواش ولهم بئر يقعدون عليها ، وكانوا يعبدون الاصنام ، فبعث الله إليهم شعيبا فكذبوه فانهار البئر (٥) وانخسف بهم الارض فهلكوا ، عن وهب ، وقيل : الرس : قرية باليمامة يقال لها : فلح ، قتلوا نبيهم فأهلكهم الله ، عن قتادة ، وقيل : كان لهم نبي يسمى حنظلة فقتلوه فأهلكوا ، عن سعيد بن جبير والكلبي ، وقيل : هم أصحاب الرس والرس : بئر بأنطاكية ، قتلوا فيها حبيبا النجار

__________________

(١) في المصدر : الدلهان بالنون وكذا فيما يأتي.

(٢) في المصدر : فشبهت للنساء.

(٣) في المصدر : على هؤلاء القوم.

(٤) العرائس : ٨٦ ٨٧ وفيه : مسكونة مكان تسكن.

(٥) انهار البناء : انهدم وسقط.

١٥٩

فنسبوا إليها ، عن كعب ومقاتل ، وقيل : أصحاب الرس كان نساؤهم سحاقات ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام. (١)

وقال رحمه الله في قوله تعالى : « وبئر معطلة » : قال الضحاك : هذه البئر كانت بحضرموت في بلدة يقال لها حاضوراء ، نزل بها أربعة آلاف ممن آمن بصالح ومعهم صالح ، فلما حضروا مات صالح ، فسمي المكان حضرموت ، ثم إنهم كثروا فكفروا و عبدوا الاصنام فبعث الله إليهم نبيا يقال له حنظلة فقتلوه في السوق فأهلكهم الله فماتوا عن آخرهم ، وعطلت بئرهم ، وخرب قصر ملكهم. (٢)

٧ ـ كنز الفوائد للكراجكي : روي عن ابن عباس في حديث ذكر فيه إتيان رجل جهني إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإسلامه على يده وأنهم تحدثوا يوما في ذكر القبور و الجهني حاضر فحدثهم أن جهينة بن العوسان (٣) أخبره عن أشياخه أن سنة (٤) نزلت بهم حتى أكلوا ذخائرهم ، فخرجوا من شدة الازل (٥) وهم جماعة في طلب النبات فجنهم الليل فآووا إلى مغارة : وكانت البلاد مسبعة وهم لا يعلمون ، قال : فحدثني رجل منهم يقال له مالك ، قال : رأينا في الغار أشبالا (٦) فخرجنا هاربين حتى دخلنا وهدة من وهاد الارض (٧) بعد ما تباعدنا من ذلك الموضع ، فأصبنا على باب الوهدة حجرا مطبقا فتعاونا عليه حتى قلبناه فإذا رجل قاعد عليه جبة صوف ، وفي يده خاتم عليه مكتوب : أنا حنظلة بن صفوان رسول الله ، وعند رأسه كتاب في صحيفة نحاس فيه : بعثني الله إلى حمير و همدان والعزيز من أهل اليمن بشيرا ونذيرا ، فكذبوني وقتلوني. فأعادوا الصخرة على ماكانت عليه في موضعها. (٨)

__________________

(١) مجمع البيان ٧ : ١٧٠.

(٢) مجمع البيان ٧ : ٨٩.

(٣) في المصدر : القوسان.

(٤) السنة : القحط والجدب.

(٥) الازل : الضيق والشدة.

(٦) الاشبال جمع الشبل : ولد الاسد اذا ادرك الصيد.

(٧) الوهدة : الارض المنخفضة. الهوة في الارض.

(٨) كنز الكراجكي : ١٧٩.

١٦٠