بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

الطير منتنا (١) وأخبثه ريحا ، قال : إنه يبصر الماء من وراء الصفا الاصم : فقال : وكيف يبصر الماء من وراء الصفا وإنما يوارى عنه الفخ بكف من تراب حتى يأخذ بعقبه؟ (٢) فقال سليمان : قف ياوقاف إنه إذا جاء القدر حال دون البصر. (٣)

بيان : قوله : ( حتى يأخذ بعقبه ) أي يأخذ الفخ برجله ، وفي بعض النسخ : بعنقه ، وفي بعضها : رقبته ، أي يأخذ الفخ أو الصائد رقبته.

وقال الفيروزآبادي : الوقاف : المتأني. والمحجم عن القتال.

أقول : ما ذكره علي بن إبراهيم في تأويل تلك الآيات كلها موافقة لروايات المخالفين ، وإنما أولها علماؤنا على وجوه أخر : قال الصدوق رحمه الله في الفقيه : قال زرارة والفضيل : قلنا لابي جعفر عليه‌السلام : أرأيت قول الله عزوجل : « إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا »؟ قال : يعني كتابا مفروضا ، وليس يعني وقت فوتها إن جاز ذلك الوقت ثم صلاها لم تكن صلاة مؤداة ، ولو كان ذلك كذلك لهلك سليمان بن داود عليه‌السلام حين صلاها بغير وقتها ، ولكنه متى ذكرها صلاها.

ثم قال رحمه الله : إن الجهال من أهل الخلاف يزعمون أن سليمان عليه‌السلام اشتغل ذات يوم بعرض الخيل حتى توارث الشمس بالحجاب ، ثم أمر برد الخيل وأمر بضرب سوقها وأعناقها ، وقال : إنها شغلتني عن ذكر ربي ، وليس كما يقولون ، جل نبي الله سليمان عليه‌السلام عن مثل هذا الفعل ، لانه لم يكن للخيل ذنب فيضرب سوقها وأعناقها لانها لم تعرض نفسها عليه ولم تشغله ، وإنما عرضت عليه وهي بهائم غير مكلفة.

والصحيح في ذلك ماروي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : إن سليمان بن داود (ع) عرض عليه ذات يوم بالعشي الخيل ، فاشتغل بالنظر إليها حتى توارث الشمس بالحجاب فقال للملائكة : ردوا الشمس علي حتى أصلي صلاتي في وقتها ، فردوها فقام فطفق مسح ساقيه وعنقه ، وأمر أصحابه الذين فاتتهم الصلاة معه بمثل ذلك ، وكان ذلك وضوؤهم

__________________

(١) في المصدر : وهو أخس الطير منبتا.

(٢) في نسخة : حتى يؤخذ بعنقه.

(٣) تفسير القمي : ٥٦٥ ٥٦٨.

١٠١

للصلاة ، ثم قام فصلى فلما فرغ غابت الشمس وطلعت النجوم ، وذلك قول الله عزوجل « ووهبنا لداود سليمان » إلى قوله : « فطفق مسحا بالسوق والاعناق » وقد أخرجت هذا الحديث مسندا في كتاب الفوائد انتهى. (١)

وقال الطبرسي رحمه الله : « الصافنات » : الخيل الواقفة على ثلاث قوائم ، الواضعة أطراف السنبك (٢) الرابع على الارض « الجياد » : السريعة المشي ، الواسعة الخطو ، قال مقاتل : إنه ورث من أبيه ألف فرس ، وكان أبوه قد أصاب ذلك من العمالقة ، وقال الكلبي غزا سليمان دمشق ونصيبين فأصاب ألف فرس ، وقال الحسن : كانت خيلا خرجت من البحر لها أجنحة ، وقال : المراد بالخير الخيل هنا ، فإن العرب تسمي الخيل الخير ، وقيل : معناه حب المال ، وكان سليمان عليه‌السلام قد صلى الصلاة الاولى وقعد على كرسيه والخيل تعرض عليه حتى غابت الشمس.

وفي روايات أصحابنا أنه فاته أول الوقت ، وقال الجبائي : لم يفته الفرض ، و إنما فاته نفل كان يفعله آخر النهار لاشتغاله بالخيل ، وقيل : إن ذكر ربي كناية عن كتاب التوراة انتهى. (٣)

ولنذكر بعض ما ذكر من وجوه التأويل في تلك الآيات : قال السيد المرتضى قدس الله روحه : ظاهر الآية لا يدل على إضافة قبيح إلى النبي ، والرواية إذا كانت مخالفة لما تقتضيه الادلة لا يلتفت إليها لو كانت قوية ظاهرة ، فكيف إذا كانت ضعيفة واهية؟! والذي يدل على ما ذكرناه على سبيل الجملة أن الله تعالى ابتدأ الآية بمدحه والثناء عليه ، فقال : « نعم العبد إنه أواب » وليس يجوز أن يثني عليه بهذا الثناء ثم يتبعه من غير فصل بإضافة القبيح إليه ، وأنه تلهى بعرض الخيل عن فعل المفروض عليه من الصلاة ، والذي يقتضيه الظاهر أن حبه للخيل وشغفه بها كان عن إذن ربه وأمره وبتذكيره إياه ، لان الله تعالى قد أمرنا بارتباط الخيل وإعدادها لمحاربة الاعداء ، فلاينكر أن يكون سليمان عليه‌السلام مأمورا بمثل ذلك انتهى. (٤)

__________________

(١) من لايحضره الفقيه : ٥٣.

(٢) السنبك : طرف الحافر.

(٣) مجمع البيان ٨ : ٤٧٤ ٤٧٥.

(٤) تنزيه الانبياء : ٩٣.

١٠٢

ثم اعلم أنهم اختلفوا في مرجع الضمير في قوله : « توارت بالحجاب » وقوله : « ردوها علي » إذ يجوز بحسب ظاهر اللفظ إرجاع الضميرين إلى الشمس وإن لم يجر لها ذكر بقرينة المقام ولذكر ماله تعلق بها وهو العشي وإلى الخيل والاول إلى الشمس والثاني إلى الخيل وبالعكس فقيل : بإرجاعهما جميعا إلى الشمس كما مر فيما رواه الصدوق ، وروى الطبرسي رحمه الله عن ابن عباس أنه قال : سألت عليا عليه‌السلام عن هذه الآية ، فقال : مابلغك فيها يا ابن عباس؟ فقلت : سمعت كعبا يقول : اشتغل سليمان بعرض الافراس حتى فاتته الصلاة ، فقال : ردوها علي يعني الافراس ، وكانت أربعة عشر فأمر بضرب سوقها و أعناقها بالسيف فقتلها ، فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما لانه ظلم الخيل بقتلها. فقال علي عليه‌السلام : كذب كعب ، لكن اشتغل سليمان بعرض الافراس ذات يوم لانه أراد جهاد العدو حتى توارت الشمس بالحجاب ، فقال بأمر الله تعالى للملائكة الموكلين بالشمس : ردوها علي ، فردت فصلى العصر في وقتها ، وإن أنبياء الله لايظلمون ولا يأمرون بالظلم لانهم معصومون مطهرون. (١)

وقيل : بإرجاعهما معا إلى الخيل وفيه وجهان : الاول أنه أمر بإجراء الخيل حتى غابت عن بصره فأمر بردها فمسح سوقها وأعناقها صيانة لها وإكراما لما رأى من حسنها ، فمن عادة من عرضت عليه الخيل أن يمر يده على أعرافها وأعناقها وقوائمها ، ويمكن أن يكون الغرض من ذلك المسح بيان أن إكرامها وحفظها مما يرغب فيه ، لكونها من أعظم الاعوان على دفع العدو ، أو أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك يتصنع إلى حيث يباشر أكثر الامور بنفسه ، أو أنه كان أعلم بأحوال الخيل وأمراضها وعيوبها فكان يمسحها ويمسح سوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها مايدل على المرض.

الثاني : أن يكون المسح ههنا هو الغسل فإن العرب تسمي الغسل مسحا ، فكأنه لما رأى حسنها أراد صيانتها وإكرامها فغسل قوائمها وأعناقها.

وقيل : بإرجاع الاول إلى الشمس والثاني إلى الخيل وهذا يحتمل وجوها :

الاول : ماذكره السيد (٢) رض‌الله‌عنه أن المراد أنه عرقبها ومسح سوقها و

__________________

(١) مجمع البيان ٨ : ٤٧٥ مفاتيح الغيب ٧ : ١٣٦.

(٢) راجع تنزيه الانبياء : ٩٤.

١٠٣

ـ أعناقها بالسيف من حيث شغلته عن النافلة ، (١) ولم يكن ذلك على سبيل العقوبة لها ، لكن حتى لا يتشاغل في المستقبل بها عن الطاعات ، لان للانسان أن يذبح فرسه لاكل لحمه ، فكيف إذا انضاف إلى ذلك وجه آخر لحسنه. (٢)

وقد قيل : إنه يجوز أن يكون لما كانت الخيل أعز ماله أراد أن يكفر عن تفريطه في النافلة بذبحها والتصدق بلحمها على المساكين ، قالوا : فلما رأى حسن الخيل وراقته (٣) وأعجبته أراد أن يتقرب إلى الله بالمعجب له الرائق في عينه ، ويشهد بصحة هذا المذهب قوله تعالى : « لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ».

الثاني : أنه مسح سوقها وأعناقها وجعلها مسبلة (٤) في سبيل الله.

الثالث : أن يكون قوله : « حتى توارت بالحجاب » بيانا لغاية عرض الخيل واستعادته بها ، من غير أن يكون فات عنه بسببها شئ ، وإنما أمر بردها إكراما لها كما مر ، وعلى هذا فقوله : « أحببت حب الخير عن ذكر ربي » يحتمل وجهين ذكرهما الرازي في تفسيره. (٥)

الاول : أن يضمن أحببت معنى فعل يتعدى بعن ، كأنه قيل : أبنت حب الخير عن ذكر ربي وهو التوراة ، لان ارتباط الخيل كما أنه في القرآن ممدوح فكذلك في التوراة ممدوح.

الثاني : أن الانسان قد يحب شيئا ولكنه لايحب أن يحبه ، كالمريض الذي يشتهي ما يضره في مرضه ، وأما من أحب شيئا وأحب أن يحبه كان ذلك غاية المحبة فقوله : « أحببت حب الخير » أي أحببت حبي لهذه الخيل ، ثم قال : « عن ذكر ربي » بمعنى أن هذه المحبة الشديدة إنما حصلت عن ذكر الله وأمره لا عن الشهوة والهوى ، وأما الاحتمال الرابع فلم يقل به أحد وإن أمكن توجيهه ببعض الوجوه السابقة ، فإذا

__________________

(١) في المصدر : عن الطاعة.

(٢) في المصدر : يحسنه.

(٣) الروقة في الخيل : حسن الخلق يعجب الناظر.

(٤) من سبل المال : جعله في سبيل الله والخير.

(٥) مفاتيح الغيب ٧ : ١٣٦.

١٠٤

أحطت خبرا بما حكيته لك علمت أنه يمكن تأويلها بوجوه كثيرة لايتضمن شئ منها إثبات ذنب له (ع).

وأما قوله تعالى : « ولقد فتنا سليمان » فاختلف العلماء في فتنته وزلته والجسد الذي ألقي على كرسيه على أقوال :

الاول : ماذكره الرازي عن بعض رواة المخالفين أن سليمان بلغه خبر مدينة في البحر ، فخرج إليها بجنوده تحمله الريح فأخذها وقتل ملكها وأخذ بنتا له اسمها جرادة من أحسن الناس وجها ، فاصطفاها لنفسه وأسلمت فأحبها ، وكانت تبكي على أبيها فأمر سليمان الشيطان فمثل لها صورة أبيها فكستها مثل كسوته ، وكانت تذهب إلى تلك الصورة بكرة وعشيا مع جواريها يسجدن له ، فأخبر آصف سليمان بذلك ، فكسر الصورة وعاقب المرأة ، ثم خرج وحده إلى بلاده (١) وفرش الرماد وجلس عليه تائبا إلى الله تعالى ، وكانت له أم ولد يقال لها أمينة ، إذا دخل للطهارة أو لاصابة امرأة وضع خاتمه عندها ، (٢) فوضعه عندها يوما وأتاها الشيطان صاحب البحر على صورة سليمان وقال : يا أمينة خاتمي ، فتختم به وجلس على كرسي سليمان ، فأتاه الطير والجن والانس وتغيرت هيئة سليمان ، فأتى أمينة لطلب الخاتم فأنكرته فطردته ، فعرف أن الخطيئة قد أدركته ، فكان يدور على البيوت ويتكفف (٣) وإذا قال : أنا سليمان حثوا عليه التراب وسبوه ، ثم أخذ يخدم الصيادين (٤) ينقل لهم السمك فيعطونه كل يوم سمكتين ، فمكث على هذه الحالة أربعين يوما عدد ما عبد الوثن في بيته ، فأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم الشيطان وسأل آصف نساء سليمان فقلن : مايدع امرأة منا في دمها ، ولايغتسل من جنابة ، وقيل : كان نفذ (٥) حكمه في كل شئ إلا فيهن ، ثم طار الشيطان وقذف الخاتم في البحر فابتلعته سمكة و وقعت السمكة في يد سليمان فبقر بطنها فإذا هو بالخاتم فتختم به ووقع ساجدا لله ورجع

__________________

(١) هكذا في النسخ وفيه تصحيف والصحيح كما في المصدر : إلى فلاة.

(٢) في المصدر زيادة وهي : وكان ملكه في خاتمه.

(٣) اي يمد كفه اليهم يستعطى!

(٤) في المصدر : السماكين. وهو أنسب بما بعده.

(٥) في المصدر : وقيل : بل نفذ حكمه.

١٠٥

إلى ملكه وأخذ ذلك الشيطان فحبسها في صخرة وألقاها في البحر ، فهؤلاء قالوا : قوله : « وألقينا على كرسيه جسدا » هو جلوس ذلك الشيطان على كرسيه عقوبة له ، ثم قال : واعلم أن أهل التحقيق استبعدوا هذا الكلام من وجوه :

الاول : أن الشيطان لو قدر على أن يتشبه بالصورة والخلقة بالانبياء فحينئذ لايبقى اعتماد على شئ قطعا ، فلعل هؤلاء الذين رأوهم الناس في صورة محمد وموسى و عيسى (ع) ماكانوا أولئك ، بل كانوا شياطين تشبهوا بهم في الصورة ، (١) ومعلوم أن ذلك يبطل الدين بالكلية.

الثاني : أن الشيطان لو قدر على أن يعامل نبي الله تعالى بمثل هذه المعاملة لوجب أن يقدر على مثلها مع جميع العلماء والزهاد ، وحينئذ وجب أن يقتلهم ويمزق تصانيفهم ويخرب ديارهم.

الثالث : كيف يليق بحكمة الله وإحسانه أن يسلط الشيطان على أزواج سليمان ، (٢) ولاشك أنه قبيح.

الرابع : لو قلنا : إن سليمان عليه‌السلام أذن لتلك المرأة في عبادة تلك الصورة فهذا كفر منه ، وإن لم يأذن فيه فالذنب على تلك المرأة ، فكيف يؤاخذ الله سليمان عليه‌السلام بفعل لم يصدر عنه؟! (٣) وقال السيد قدس الله روحه : أما مارواه القصاص الجهال في هذا الباب فليس مما يذهب على عاقل بطلانه ، وأن مثله لايجوز على الانبياء عليهم‌السلام ، وأن النبوة لاتكون في خاتم يسلبها الجني ، وأن الله تعالى لايمكن الجني من التمثل بصورة النبي ولا غير ذلك مما افتروا به على النبي. (٤)

أقول : ثم ذكر رحمه الله وجوها ذكر الطبرسي رحمة الله عليه مختصرا منها مع غيرها ، منها : أن سليمان عليه‌السلام قال يوما في مجلسه : لاطوفن الليلة على سبعين امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله ، ولم يقل : إن شاء الله ، فطاف

__________________

(١) في المصدر هنا زيادة وهي : لاجل الاغواء والاضلال.

(٢) وكيف يجعله فقيرا حتى يتكفف؟!

(٣) مفاتيح الغيب ٧ : ١٣٦.

(٤) تنزيه الانبياء : ٩٥.

١٠٦

عليهن فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد ، رواه أبوهريرة عن النبي (ص) قال : ثم قال : فو الذي نفس محمد بيده لو قال : « إن شاء الله » لجاهدوا في سبيل الله فرسانا ، فالجسد الذي ألقي على كرسيه كان هذا ، ثم أناب إلى الله تعالى وفرغ إلى الصلاة (١) والدعاء على وجه الانقطاع إليه سبحانه ، وهذا لا يقتضي أنه وقع منه معصية صغيرة ولا كبيرة ، لانه عليه‌السلام وإن لم يستثن ذكره (٢) لفظا فلا بد من أن يكون استثناه ضميرا واعتقادا ، إذ لو كان قاطعا للقول بذلك لكان مطلقا لما لا يأمن أن يكون كذبا إلا أنه لما لم يذكر لفظة الاستثناء عوتب على ذلك من حيث ترك ماهو مندوب إليه.

ومنها ماروي أن الجن والشياطين لما ولد لسليمان عليه‌السلام ابن قال بعضهم لبعض : إن عاش له ولد لنلقين منه مالقينا من أبيه من البلاء ، فأشفق عليه‌السلام منهم عليه ، فاسترضعه في المزن وهو السحاب ، فلم يشعر إلا وقد وضع على كرسيه ميتا تنبيها على أن الحذر لاينفع عن القدر ، وإنما عوتب عليه‌السلام على خوفه من الشياطين ، عن الشعبي وهو المروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام.

ومنها أنه ولد له ميت جسد بلا روح فألقي على سريره ، عن الجبائي.

ومنها أن الجسد المذكور هو جسد سليمان لمرض امتحنه الله تعالى به ، وتقدير الكلام : وألقيناه على كرسيه جسدا لشدة المرض ، فيكون جسدا منصوبا على الحال ، والعرب يقول في الانسان إذا كان ضعيفا : هو جسد بلا روح ولحم على وضم (٣) « ثم أناب » أي رجع إلى حال الصحة ، عن أبي مسلم. وأما (٤) ماذكر عن ابن عباس أنه ألقي شيطان اسمه صخر على كرسيه وكان ماردا عظيما لا يقوى عليه جميع الشياطين ، وكان نبي الله سليمان لا يدخل الكنيف بخاتمه ، فجاء صخر في صورة سليمان حتى أخذ الخاتم من امرأة من نسائه ، وأقام أربعين يوما في ملكه وسليمان هارب ، وعن مجاهد أن شيطانا اسمه

__________________

(١) في نسخة وفي المصدر : فزع إلى الصلاة. اي لجأ اليها.

(٢) في نسخة : وان لم يستثن ذلك.

(٣) الوضم : خشبة الجزار التي يقطع عليها اللحم.

(٤) جواب أما يأتي بعيد هذا وهو قوله : فان جميع ذلك اه.

١٠٧

آصف قال له سليمان : كيف تفتنون الناس؟ قال : أرني خاتمك أخبرك بذلك ، فلما أعطاه إياه نبذه في البحر فذهب ملكه ، وقعد الشيطان على كرسيه ومنعه الله تعالى نساء سليمان فلم يقربهن ، وكان سليمان يستطعم فلا يطعم حتى أعطته امرأته يوما حوتا فشق بطنه فوجد خاتمه فيه فرد الله ملكه ، (١) وعن السدي أن اسم ذلك الشيطان خيفيق ، (٢) وما ذكر أن السبب في ذلك أن الله سبحانه أمره أن لايتزوج في غير بني إسرائيل فتزوج من غيرهم ، وقيل : بل السبب فيه أنه وطئ امرأة في حال الحيض فسال منها الدم فوضع خاتمه ودخل الحمام فجاء الشيطان وأخذه ، وقيل : تزوج امرأة مشركة ولم يستطع أن يكرهها على الاسلام فعبدت الصنم في داره أربعين يوما فابتلاه الله بحديث الشيطان والخاتم أربعين يوما ، وقيل : احتجب ثلاثة أيام ولم ينظر في أمر الناس فابتلي بذلك فإن جميع (٣) ذلك مما لا يعول عليه ، لان النبوة لاتكون في الخاتم ولايجوز أن يسلبها الله النبي ولا أن يمكن الشيطان من التمثل بصورة النبي و القعود على سريره والحكم بين عباده ، وبالله التوفيق. (٤)

__________________

(١) في المصدر : فرد الله عليه ملكه.

(٢) في المصدر : حيقيق.

(٣) جواب لاما.

(٤) مجمع البيان ٨ : ٤٧٥ ٤٧٦.

١٠٨

( باب ٩ )

* ( قصته عليه السلام مع بلقيس ) *

الايات ، النمل « ٢٧ » وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين * لاعذبنه عذابا شديدا أو لاذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين * فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين * إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شئ ولها عرش عظيم * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لايهتدون * ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والارض ويعلم ما تخفون وما تعلنون * الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم * قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين * اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون * قالت يا أيها الملا إني ألقي إلي كتاب كريم * إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين * قالت يا أيها الملا أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون * قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد * والامر إليك فانظري ماذا تأمرين * قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون * وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون * فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون * ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون * قال يا أيها الملا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين * قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين * قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلونئ أشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم * قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون * فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم

١٠٩

من قبلها وكنا مسلمين * وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين * قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير * قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ٢٠ ٤٤

١ ـ ختص : أحمد بن محمد وفضالة ، عن أبان ، عن أبي بصير وزرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : مازاد العالم على النظر إلى ماخلفه ومابين يديه مد بصره ثم نظر إلى سليمان عليه‌السلام ثم مد بيده فإذا هو ممثل بين يديه.

٢ ـ وذكر علي بن مهزيار ، عن أحمد بن محمد ، عن حماد بن عثمان ، عن زرارة قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : مازاد صاحب سليمان على أن قال بإصبعه هكذا ، فإذا هو قد جاء بعرش صاحبة سبأ ، فقال له حمران : كيف هذا أصلحك الله؟ فقال : إن أبي كان يقول : إن الارض طويت له إذا أراد طواها.

٣ ـ فس : كان سليمان عليه‌السلام إذا قعد على كرسيه جاءت جميع الطير التي سخرها الله لسليمان فتظل الكرسي والبساط بجميع من عليه من الشمس ، فغاب عنه الهدهد من بين الطير فوقعت الشمس من موضعه في حجر سليمان ، فرفع رأسه ، وقال كما حكى الله : « مالي لا أرى الهدهد » إلى قوله : « بسلطان مبين » أي بحجة قوية ، فلم يمكث إلا قليلا إذ جاء الهدهد فقال له سليمان : أين كنت؟ قال : « أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين « أي بخبر صحيح » إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شئ » و هذا مما لفظه عام ومعناه خاص ، لانها لم تؤت أشياء كثيرة منها الذكر واللحية ، ثم قال : وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله « إلى قوله » : فهم لايهتدون » ثم قال الهدهد : « ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات » أي المطر وفي « الارض » النبات (١) ثم قال سليمان : « سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين » إلى قوله : « ماذا يرجعون » فقال الهدهد : إنها في عرش عظيم أي سرير ، فقال سليمان : ألق الكتاب على قبتها ، فجاء الهدهد فألقى الكتاب في حجرها فارتاعت من ذلك و جمعت جنودها وقالت لهم كما حكى الله : « يا أيها الملا إني ألقي إلي كتاب كريم »

__________________

(١) في المصدر : اي النبات.

١١٠

أي مختوم « إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين » أي لاتتكبروا علي ، ثم قالت : « يا أيها الملا أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون » قالوا لها كما حكى الله : « نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد * والامر إليك فانظري ماذا تأمرين » فقالت لهم : إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة » فقال الله عزوجل : « وكذلك يفعلون » ثم قالت : إن كان هذا نبيا من عند الله كما يدعي فلا طاقة لنابه ، فإن الله لا يغلب ، ولكن سأبعث إليه بهدية فإن كان ملكا يميل إلى الدنيا قبلها و علمت أنه لايقدر علينا ، فبعثت إليه حقا فيه جوهرة عظيمة ، وقالت للرسول : قل له : يثقب هذه الجوهرة بلا حديد ولا نار ، فأتاه الرسول بذلك فأمر سليمان عليه‌السلام بعض جنوده من الديدان فأخذ خيطا في فمه ثم ثقبها وأخرج الخيط من الجانب الآخر وقال سليمان لرسولها : « ما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون * ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها » أي لا طاقة (١) « ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون » فرجع إليها الرسول فأخبرها بذلك وبقوة سليمان فعلمت أنه لامحيص لها ، فارتحلت وخرجت (٢) نحو سليمان ، فلما أخبر الله سليمان بإقبالها نحوه قال للجن والشياطين : « أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين * قال عفريت » من عفاريت الجن : « أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين » قال سليمان : أريد أسرع من ذلك ، فقال آصف ابن برخيا : « أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك » فدعا الله باسمه الاعظم فخرج السرير من تحت كرسي سليمان بن داود (ع) فقال سليمان : « نكروا لها عرشها » أي غيروه « ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لايهتدون * فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو » و كان سليمان قد أمر أن يتخذ لها بيت من قوارير ووضعه على الماء ، ثم قيل لها : « ادخلي الصرح » فظنت أنه ماء فرفعت ثوبها وأبدت ساقيها فإذا عليها شعر كثير ، فقيل لها : « إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين »

__________________

(١) في المصدر : لا طاقة لهم بها.

(٢) في المصدر : فخرجت وارتحلت.

١١١

فتزوجها سليمان وهي بلقيس بنت الشرح (١) الجبيرية ، وقال سليمان للشياطين : اتخذوا لها شيئا يذهب هذا الشعر عنها ، فعملوا الحمامات وطبخوا النورة (٢) فالحمامات والنورة مما اتخذته الشياطين لبلقيس ، وكذا الارحية التي تدور على الماء.

وقال الصادق (ع) : أعطي سليمان بن داود عليه‌السلام مع علمه معرفة المنطق بكل لسان ومعرفة اللغات ومنطق الطير والبهائم والسباع ، فكان إذا شاهد الحروب تكلم بالفارسية وإذا قعد لعماله وجنوده وأهل مملكته تكلم بالرومية ، فإذا خلا مع نسائه (٣) تكلم بالسريانية والنبطية ، وإذا قام في محرابه لمناجاة ربه تكلم بالعربية ، وإذا جلس للوفود والخصماء تكلم بالعبرانية قوله : « لاعذبنه عذابا شديدا » يقول : لانتفن ريشه ، قوله : « أن لاتعلوا علي » يقول : لاتعظموا علي ، قوله : « لا قبل لهم بها » يقول : لاطاقة لهم بها ، وقول سليمان : « ليبلونئ أشكر » الذي آتاني من الملك « أم أكفر » إذا رأيت من هو دوني (٤) أفضل مني علما ، فعزم الله له على الشكر. (٥)

٤ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن أبي زاهر أو غيره ، عن محمد بن حماد ، عن أخيه أحمد بن حماد ، عن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي الحسن الاول (ع) قال : قلت له : جعلت فداك أخبرني عن النبي (ص) ورث النبيين كلهم؟ قال : نعم ، قلت : من لدن آدم حتى انتهى إلى نفسه؟ قال : مابعث الله نبيا إلا ومحمد (ص) أعلم منه قال : قلت : إن عيسى بن مريم (ع) كان يحيي الموتى بإذن الله ، قال : صدقت ، وسليمان بن داود (ع) كان يفهم منطق الطير ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقدر على هذه المنازل ، قال : فقال : إن سليمان بن داود (ع) قال للهدهد حين فقده وشك في أمره فقال : « مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين » حين فقده فغضب عليه فقال : « لاعذبنه عذابا شديدا أو لاذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين » وإنما غضب

__________________

(١) في نسخة : الشراحيل ، وفي اخرى : الشرجيل. وفي العرائس : بنت البشرخ وهو الهذهاذ وفي المحبر والطبري : بنت اليشرح ، وفي الكامل ، ابنة أنيشرح وهو الهدهاد ، ثم ذكروا نسبها وفيه اختلاف يطول ذكره.

(٢) في نسخة : وطبخوا النورة والزرنيخ.

(٣) في المصدر : فاذا خلا بنسائه.

(٤) في نسخة : إذا رأيت من هو أدون.

(٥) تفسير القمي : ٤٧٦ ٤٧٨.

١١٢

لانه كان يدله على الماء فهذا وهو طائر قد أعطي مالم يعط سليمان وقد كانت الريح والنمل والجن والانس والشياطين والمردة (١) له طائعين ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء وكان الطير يعرفه ، وإن الله يقول في كتابه : « ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى » وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به الجبال ، وتقطع به البلدان وتحيى به الموتى ، ونحن نعرف الماء تحت الهواء ، وإن في كتاب الله لآيات مايراد بها أمر إلا أن يأذن الله به ، الخبر. (٢)

بيان : تحت الهواء لعل المراد منه تحت الارض كما سيأتي ، فإن الارض أيضا تحت الهواء ، أو المراد معرفته حين كونهم على البساط في الهواء.

٥ ـ كا : محمد بن يحيى وغيره ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن محمد بن الفضيل ، عن شريس الوابشي ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن اسم الله الاعظم على ثلاثة وسبعين حرفا ، وإنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالارض مابينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده ، ثم عادت الارض كما كانت أسرع من طرفة العين ، ونحن عندنا من الاسم الاعظم اثنان وسبعون حرفا وحرف عند الله تبارك وتعالى استأثر (٣) به في علم الغيب عنده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. (٤)

٦ ـ كا : الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن عبدالله ، عن علي بن محمد النوفلي ، عن أبي الحسن العسكري عليه‌السلام قال : سمعته يقول : إن اسم الله الاعظم ثلاثة وسبعون حرفا ، كان عند آصف حرف فتكلم به فانخرقت له الارض فيما بينه وبين سبأ ، فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان ، ثم انبسطت الارض في أقل من طرفة عين (٥)

__________________

(١) في نسخة من المصدر : والشياطين المردة.

(٢) اصول الكافي ١ : ٢٢٦.

(٣) استأثر بالشئ على الغير : استبد به وخص به نفسه.

(٤ و ٥) اصول الكافي ١ : ٢٣٠.

١١٣

٧ ـ ير : أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن محمد بن الفضيل ، عن سعد أبي عمر الجلاب (١) عن أبي عبدالله (ع) قال : إن اسم الله الاعظم على ثلاثة وسبعين حرفا ، كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالارض مابينه وبين سرير بلقيس ، ثم تناول السرير بيده ثم عادت الارض كما كان أسرع من طرفة عين ، وعندنا نحن من الاسم اثنان وسبعون حرفا ، وحرف عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب المكتوب عنده. (٢)

٨ ـ ير : أحمد بن موسى ، عن أحمد بن عبدوس الخليجي ، (٣) عن علي بن الحكم ، عن محمد بن الفضيل ، عن سعد أبي عمر ، عن أبي عبدالله (ع) قال : إن اسم الله الاعظم على اثنين وسبعين حرفا ، وإنما كان عند آصف كاتب سليمان (ع) وكان يوحى إليه (٤) حرف واحد ألف أو واو ، (٥) فتكلم فانخرقت له الارض حتى التفت فتناول السرير ، وإن عندنا من الاسم أحدا وسبعين حرفا ، وحرف عند الله في غيبه. (٦)

أقول : قد أوردنا بعض الاخبار في أبواب الامامة ، وبعضها في أبواب التوحيد.

٩ ـ ير : محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن محمد بن الفضيل ، عن ضريس (٧) الوابشي ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : جعلت فداك قول العالم : « أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك » قال : فقال : ياجابر إن الله جعل اسمه الاعظم على ثلاثة وسبعين حرفا ، فكان عند العالم منها حرف واحد فانخسفت الارض مابينه وبين السرير

__________________

(١) حكى عن رجال أنه سعد بن أبي عمرو الجلاب ، وعن نسخة : سعد بن أبي عمر الجلاب وعن الفقيه : سعد أبي عمرو الجلاب ، وفي البصائر : عن سعدان عن ابي عمر الجلاب ، و لعله مصحف.

(٢) بصائر الدرجات : ٥٧.

(٣) هكذا في نسخ الكتاب وفي المصدر وهو وهم ، وصحيحه « الخلنجى » بالنون على ما في فهرست النجاشي والشيخ ورجاله ، نسبة إلى الخلنج ، وهو كمسند : شجر فارسي معرب يتخذ من خشبته الاواني أو كل جفنة وصحفة وآنية صنعت من خشب ذي طرائق وأساريع موشاة ، على ما حكى عن اللسان فكان الرجل كان يبيع ذلك.

(٤) في المصدر : وكان يؤمى اليه.

(٥) لعله على التشبيه.

(٦) بصائر الدرجات : ٥٧.

(٧) في نسخة : شريس الوابشي. وكلاهما كزبير.

١١٤

حتى التفت القطعتان (١) وحول من هذه على هذه ، وعندنا من اسم الله الاعظم اثنان و سبعون حرفا ، وحرف في علم الغيب المكنون عنده. (٢)

١٠ ـ كا : علي بن محمد بن بندار ، عن السياري رفعه قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : من أراد الاطلاء بالنورة فأخذ من النورة بإصبعه فشمه وجعله على طرف أنفه وقال : « صلى الله على سليمان بن داود كما أمرنا بالنورة » لم تحرقه النورة. (٣)

١١ ـ مل : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن الاهوازي ، عن النضر ، عن يحيى الحلبي ، عن ابن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن صاحب سليمان تكلم باسم الله الاعظم فخسف مابين سرير سليمان وبين العرش من سهولة الارض وحزونتها حتى التقت القطعتان فاجتر العرش ، قال سليمان : يخيل إلي أنه خرج من تحت سريري ، قال : ودحيت في أسرع من طرفة العين. (٤)

بيان : ظاهر أكثر تلك الاخبار أن الارض التي كانت بينه وبين السرير انخسفت وتحركت الارض التي كان السرير عليها حتى أحضرته عنده. فإن قيل : كيف انخسفت الابنية التي كانت عليها؟ قلنا : يحتمل أن تكون تلك الابنية تحركت بأمره تعالى يمينا وشمالا ، وكذا ماعليها من الحيوانات والاشجار وغيرها ، ويمكن أن يكون حركة السرير من تحت الارض بأن غار في الارض وطويت وتكاثفت الطبقة التحتانية حتى خرج من تحت سريره ثم دحيت تلك الطبقة من تحت الارض.

١٢ ـ ختص : محمد بن علي ، عن أبيه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان الاحمر قال : قال الصادق (ع) : يا أبان كيف تنكر الناس قول أمير المؤمنين (ع) لما قال : « لو شئت لرفعت رجلي هذه فضربت بها صدر ابن أبي سفيان بالشام فنكسته عن سريره » ولا ينكرون تناول آصف وصي سليمان عرش بلقيس وإتيانه سليمان به قبل أن يرتد إليه طرفه؟ أليس نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل الانبياء ووصيه أفضل الاوصياء؟ أفلا

__________________

(١) هكذا في المصدر وفي نسخ من الكتاب ، وفي نسختين : التقت القطعتان.

(٢) بصائر الدرجات : ٥٧.

(٣) فروع الكافي ٢ : ٢٢١.

(٤) كامل الزيارة : ٥٩.

١١٥

جعلوه كوصي سليمان عليه‌السلام؟ حكم الله بيننا وبين من جحد حقنا وأنكر فضلنا (١)

أقول : قال الشيخ أمين الدين الطبرسي برد الله مضجعه في قوله تعالى : « وتفقد الطير » أي طلبه عند غيبته « فقال مالي لا أرى الهدهد » أي ما للهدهد لا أراه؟ واختلف في سبب تفقده فقيل : إنه احتاج إليه في سفره ليدله على الماء ، يقال : إنه يرى الماء في بطن الارض كما نراه في القارورة ، عن ابن عباس ، وروى العياشي بالاسناد قال : قال أبوحنيفة لابي عبدالله (ع) : كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير؟ قال : لان الهدهد يرى الماء في بطن الارض كما يرى أحدكم الدهن في القارورة؟ فنظر أبوحنيفة إلى أصحابه وضحك! فقال أبوعبدالله (ع) : مايضحكك؟ قال : ظفرت بك جعلت فداك؟ قال : وكيف ذاك؟ قال : الذي يرى الماء في بطن الارض لايرى الفخ في التراب حتى تأخذ بعنقه؟ (٢) فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : يانعمان أما علمت أنه إذا نزل القدر أغشى البصر.

وقيل : إنما تفقده لاخلاله بنوبته ، عن وهب ، وقيل : كانت الطيور تظله من الشمس فلما أخل الهدهد بمكانه بان بطلوع الشمس عليه « أم كان من الغائبين » معناه : أتأخر عصيانا أم غاب لعذر وحاجة؟ قال المبرد : لما تفقد سليمان الطير ولم ير الهدهد قال : مالي لا أرى الهدهد؟ على تقدير أنه مع جنوده وهو لايراه ، ثم أدركه الشك فشك في غيبته عن ذلك الجمع بحيث لم يره فقال : « أم كان من الغائبين » أي بل بل أكان من الغائبين؟ كأنه ترك الكلام الاول واستفهم عن حاله وغيبته ، ثم أوعده على غيبته فقال : « لاعذبنه عذابا شديدا » أي بنتف ريشه وإلقائه في الشمس ، عن ابن عباس وقتادة ومجاهد ، وقيل : بأن أجعله بين أضداده ، وكما صح نطق الطير وتكليفه في زمانه معجزة له جازت معاتبته على ماوقع منه من تقصير فإنه كان مأمورا بطاعته فاستحق العقاب على غيبته « أو لاذبحنه » أو لاقطعن (٣) حلقه عقوبة له على عصيانه « أو ليأتيني بسلطان مبين » أي بحجة واضحة تكون عذرا له في الغيبة « فمكث غير بعيد » أي فلم يلبث سليمان إلا زمانا يسيرا حتى جاء الهدهد ، وقيل : معناه : فلبث الهدهد في غيبته قليلا ثم رجع ، وعلى هذا

__________________

(١) الاختصاص مخطوط.

(٢) في المصدر : حتى يؤخذ بعنقه

(٣) في المصدر : أي لاقطعن.

١١٦

فيجوز أن يكون التقدير : فمكث في مكان غير بعيد ، قال ابن عباس : فأتاه الهدهد بحجة فقال : « أحطت بما لم تحط به » أي اطلعت على ما لم تطلع عليه « وجئتك من سبأ بنبأ يقين » أي بخبر صادق ، وسبأ : مدينة بأرض اليمن ، عن قتادة ، وقيل : إن الله بعث إلى سبأ اثني عشر نبيا ، عن السدي.

وروى علقمة عن ابن عباس قال : سئل رسول الله (ص) عن سبأ فقال : هو رجل ولد له عشرة من العرب ئيامن (١) منهم ستة ، وتشاءم منهم أربعة ، فالذين تشاءموا : لخم وجذام ، وغسان ، وعاملة ، والذين تيامنوا : كندة ، والاشعرون ، والازد وحمير ، ومذحج ، وأنمار ، ومن الانمار خثعم ، وبجيلة « إني وجدت امرأة تملكهم » أي تتصرف فيهم بحيث لا يعترض عليها أحد « وأوتيت من كل شئ » وهذا إخبار عن سعة ملكها ، أي من كل شئ من الاموال وما يحتاج إليه الملوك من زينة الدنيا ، قال الحسن : وهي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبأ ، وقيل : شرحيل (٢) ولدها أربعون ملكا آخرهم أبوها ، قال قتادة : وكان أولو مشورتها ثلاث مائة واثني عشر قبيلا ، كل قبيل (٣) منهم تحت رايته ألف مقاتل « ولها عرش عظيم » أي سرير أعظم من سريرك ، وكان مقدمه من ذهب مرصع بالياقوت الاحمر والزمرد الاخضر ، ومؤخره من فضة مكللة (٤) بألوان الجواهر ، وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق ، وعن ابن عباس قال : كان عرش بلقيس ثلاثين ذراعا في ثلاثين ذراعا ، وطوله في الهواء ثلاثون ذراعا ، وقال أبومسلم : المراد بالعرش الملك (٥) « وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم » أي عبادتهم للشمس من دون الله « فصدهم عن السبيل » أي صرفهم عن سبيل الحق « فهم لا يهتدون * ألا يسجدوا » قرأ أبوجعفر والكسائي ورويس عن يعقوب « ألا يسجدوا » خفيفة اللام ، والباقون بالتشديد ، فعلى الاول إنما هو على معنى الامر بالسجود ودخلت الياء للتنبيه ، أو على تقدير ألا ياقوم اسجدوا لله ، وقيل : إنه أمر من الله تعالى لجميع

__________________

(١) يمن ويأمن لقومه وعلى قومه : كان مباركا عليهم.

(٢) في المصدر : شرحبيل.

(٣) الصحيح كما في المصدر « ثلاثمائة واثنى عشر قيلا كل قيل اه » والقيل بالفتح : الرئيس.

(٤) في المصدر : مكلل.

(٥) ذلك المعنى لا يناسب قوله تعالى : « أيكم يأتيني بعرشها »

١١٧

خلقه بالسجود له ، وقيل : إنه من كلام الهدهد قاله لقوم بلقيس حين وجدهم يسجدون لغير الله ، أو قاله لسليمان عند عوده إليه استنكارا لما وجدهم عليه ، والقراءة بالتشديد على معنى زين لهم الشيطان ضلالتهم لئلا يسجدوا لله « الذي يخرج الخبء في السموات والارض » الخب : المخبوء ، وهو ما أحاط به غيره حتى منع من إدراكه ، وما يوجده الله فيخرجه من العدم إلى الوجود يكون بهذه المنزلة ، وقيل : الخبء : الغيب ، وقيل : إن خبء السماوات المطر ، وخبء الارض النبات والاشجار « ويعلم ما تخفون وما تعلنون » أي يعلم السر و العلانية « الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم » من كلام الهدهد ، أو ابتداء إخبار من الله تعالى ، (١) فلما سمع سليمان ما اعتذر به الهدهد في تأخره « قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين » ثم كتب سليمان عليه‌السلام كتابا وختمه بخاتمه ودفعه إليه فذاك قوله : « اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم » يعني إلى أهل سبأ « ثم تول عنهم » أي استتر منهم قريبا بعد إلقاء الكتاب إليهم « فانظر ماذا يرجعون » أي يرجع بعضهم إلى بعض من القول ، فمضى الهدهد بالكتاب فألقاه إليهم فلما رأته بلقيس « قالت » لقومها : « يا أيها الملا » أي أيها الاشراف « إني ألقي إلي كتاب كريم » قال قتادة : أتاها الهدهد وهي نائمة مستلقية على قفاها ، فألقى الكتاب على نحرها فقرأت الكتاب ، وقيل : كانت لها كوة مستقبلة للشمس تقع الشمس عند ما تطلع فيها ، فإذا نظرت إليها سجدت ، فجاء الهدهد إلى الكوة فسدها بجناحه ، فارتفعت الشمس ولم تعلم ، فقامت تنظر فرمى الكتاب إليها ، عن وهب وابن زيد ، فلما أخذت الكتاب جمعت الاشراف وهم ثلاثمائة واثنا عشر قبيلا ، (٢) ثم قالت لهم : « إني ألقي إلي كتاب كريم » سمته كريما لانه كان مختوما عن ابن عباس ، ويؤيده الحديث : إكرام الكتاب ختمه. وقيل : وصفته بالكريم لانه صدره ببسم الله الرحمن الرحيم ، وقيل : لحسن خطه وجودة لفظه وبيانه ، وقيل : لانه كان ممن يملك الانس والجن والطير ، وقد كانت سمعت بخبر سليمان فسمته كريما لانه من كريم رفيع الملك عظيم الجاه « إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم » معناه أن الكتاب من سليمان وأن المكتوب فيه : « بسم الله الرحمن الرحيم * ألا

__________________

(١) في المصدر : ههنا تمام الحكاية لما قاله الهدهد ، ويحتمل أن يكون ابتداء إخبار من الله تعالى.

(٢) » : قيلا.

١١٨

تعلوا علي وأتوني مسلمين » فإن هذا القدر جملة ما في الكتاب « يا أيها الملا أفتوني في أمري » اي أشيروا علي بالصواب « ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون » أي ما كنت ممضية أمرا حتى تحضرون ، (١) وهذا ملاطفة منها لقومها ، قالوا لها في الجواب : « نحن أولوا قوة » أي أصحاب قوة وقدرة وأهل عدد « وأولوا بأس شديد » أي وأصحاب شجاعة شديدة « والامر إليك » أي أن الامر مفوض إليك في القتال وتركه » فانظري ماذا تأمرين » أي ما الذي تأمريننا به لنمتثله ، فإن أمرت بالصلح صالحنا وإن أمرت بالقتال قاتلنا ، قالت مجيبة لهم عن التعريض بالقتال : « إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها » أي إذا دخلوها عنوة عن قتال وغلبة أهلكوها وخربوها « وجعلوا أعزة أهلها أذلة » أي أهانوا أشرافها وكبراءها كي يستقيم لهم الامر ، والمعنى أنها حذرتهم مسير سليمان إليهم و دخوله بلادهم وانتهى الخبر عنها وصدقها الله فيما قالت فقال : « وكذلك » أي وكما قالت هي « يفعلون » وقيل : إن الكلام متصل بعضه ببعض « وكذلك يفعلون » من قولها « وإني مرسلة إليهم » أي إلى سليمان عليه‌السلام وقومه « بهدية » أصانعه بذلك عن ملكي « فناظرة » أي منتظرة « بم يرجع المرسلون » بقبول أم رد ، وإنما فعلت ذلك لانها عرفت عادة الملوك في حسن موقع الهدايا عندهم ، وكان غرضها أن يتبين لها بذلك أنه ملك أو نبي ، فإن قبل الهدية تبين أنه ملك وعندها مايرضيه ، وإن ردها تبين أنه نبي.

واختلف في الهدية فقيل : أهدت إليه وصفاء ووصائف (٢) ألبستهم لباسا واحدا حتى لايعرف ذكر من أنثى ، عن ابن عباس ، وقيل : أهدت مائتي غلام ومائتي جارية ألبست الغلمان لباس الجواري وألبست الجواري لباس الغلمان ، عن مجاهد ، وقيل : أهدت له صفائح الذهب في أوعية الديباج ، فلما بلغ ذلك سليمان عليه‌السلام أمر الجن فموهوا له الآجر بالذهب ثم أمر به فألقي في الطريق ، فلما جاؤوا رأوه ملقى في الطريق في كل مكان فلما رأوا ذلك صغر في أعينهم ما جاؤوا به ، عن ثابت البناني ، وقيل : إنها عمدت

__________________

(١) في المصدر هنا زيادة وهي : تريد : الا بحضرتكم ومشورتكم ، وهذا ملاطفة منها لقومها في الاستشارة منهم لما تعمل عليه.

(٢) وصفاء جمع الوصيف : الغلام دون المراهق. ووصائف جمع الوصيفة مؤنث الوصيف.

١١٩

إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية فألبست الجواري الاقبية والمناطق (١) وألبست الغلمان في سواعدهم أساور من ذهب ، وفي أعناقهم أطواقا من ذهب ، وفي آذانهم أقراطا وشنوفا (٢) مرصعات بأنواع الجواهر ، وحملت الجواري على خمسمائة رمكة والغلمان على خمسمائة برذون ، (٣) على كل فرس لجام من ذهب مرصع بالجواهر ، وبعثت إليه خمسمائة لبنة من ذهب وخمسمائة لبنة من فضة ، وتاجا مكللا بالدر والياقوت المرتفع ، وعمدت إلى حقة فجعلت فيها درة يتيمة غير مثقوبة وخرزة جزعية مثقوبة معوجة الثقب ، ودعت رجلا من أشراف قومها اسمه المنذر بن عمرو وضمت إليه رجالا من قومها أصحاب رأي وعقل ، وكتبت إليه كتابا بنسخة الهدية ، قالت فيها : إن كنت نبيا فميز بين الوصفاء والوصائف ، وأخبر بما في الحقة قبل أن تفتحها ، واثقب الدرة ثقبا مستويا ، و أدخل الخرزة خيطا من غير علاج إنس ولا جن ، وقالت للرسول : انظر إليه إذا دخلت عليه فإن نظر إليك نظر غضب فاعلم أنه ملك ، فلا يهولنك أمره ، فأنا أعز منه ، وإن نظر إليك نظر لطف فاعلم أنه نبي مرسل.

فانطلق الرسول بالهدايا وأقبل الهدهد مسرعا إلى سليمان فأخبره الخبر ، فأمر سليمان الجن أن يضربوا لبنات الذهب ولبنات الفضة ففعلوا ، ثم أمرهم أن يبسطوا من موضعه الذي هو فيه إلى بضع فراسخ ميدانا واحدا بلبنات الذهب والفضة ، وأن يجعلوا حول الميدان حائطا شرفها من الذهب والفضة ففعلوا ، ثم قال للجن : علي بأولادكم فاجتمع خلق كثير فأقامهم عن يمين الميدان ويساره ، ثم قعد سليمان عليه‌السلام في مجلسه على سريره ، ووضع له أربعة آلاف كرسي عن يمينه ومثلها عن يساره ، وأمر الشياطين أن يصطفوا صفوفا فراسخ ، وأمر الانس فاصطفوا فراسخ ، وأمر الوحش والسباع والهوام والطير فاصطفوا فراسخ عن يمينه ويساره ، فلما دنا القوم من الميدان ونظروا إلى ملك سليمان تقاصرت إليهم أنفسهم ، (٤) ورموا بما معهم من الهدايا ، فلما وقفوا بين يدي

__________________

(١) الاقبية جمع القباء. والمناطق جمع المنطقة : ما يشد به الانسان وسطه ، يقال بالفارسية : كمربند

(٢) أقراط : جمع القرط وهو مايعلق في شحمة الاذن من درة ونحوها ، يقال بالفارسية ، كوشواره وشنوف جمع الشنف : حلى الاذن أيضا ، وقيل : مايعلق في أعلاها.

(٣) الرمكة : الفرس تتخذ للنسل. والبرذون : دابة الحمل الثقيلة.

(٤) تقاصرت نفسه : تضاءلت وصغرت.

١٢٠