بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

« إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون » وقيل : سمي بذلك لان الله تعالى بشر به في الكتب السالفة ، كما يقول الذي يخبر بالامر إذا خرج موافقا لامره : قد جاء كلامي ، ومما جاء من البشارة به في التوراة « أتانا الله من سيناء ، و أشرق من ساعير ، واستعلن من جبال فاران » وساعير هو الموضع الذي بعث منه المسيح (ع) وقيل : لان الله يهدي به كما يهدي بكلمته.

والقول الثاني : أن الكلمة بمعنى البشارة ، كأنه قال : ببشارة منه ولد اسمه المسيح ، والاول أقوى ، ويؤيده قوله : « إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه » وإنما ذكر الضمير في اسمه وهو عائد إلى الكلمة لانه واقع على مذكر فذهب إلى المعنى.

واختلف في أنه لم سمي بالمسيح فقيل : لانه مسح باليمن والبركة ، عن الحسن وقتادة وسعيد ، وقيل : لانه مسح بالتطهير من الذنوب ، وقيل : لانه مسح بدهن زيت بورك فيه ، وكانت الانبياء تتمسح به ، عن الجبائي ، وقيل : لانه مسحه جبرئيل بجناحه وقت ولادته ليكون عوذة من الشيطان ، وقيل : لانه كان يمسح رأس اليتامى لله ، وقيل : لانه يمسح (١) عين الاعمى فيبصر ، عن الكلبي ، وقيل : لانه كان لايمسح ذا عاهة بيده إلا أبرأه ، عن ابن عباس في رواية عطاء والضحاك ، وقال أبوعبيدة : وهو بالسريانية مشيحا ، فعربته العرب « عيسى ابن مريم » نسبه إلى أمه ردا على النصارى قولهم (٢) : إنه ابن الله « وجيها » ذا جاه وقدر وشرف « في الدنيا والآخرة ومن المقربين » إلى ثواب الله وكرامته « ويكلم الناس في المهد » أي صغيرا ، والمهد الموضع الذي يمهد لنوم الصبي ، ويعني بكلامه في المهد : « إني عبدالله آتاني الكتاب » الآية ، ووجه كلامه في المهد أنه تنزيه لامه (٣) مما قذفت به وجلالة له بالمعجزة التي ظهرت فيه « وكهلا » أي يكلمهم كهلا بالوحي الذي يأتيه من الله ،

__________________

(١) في المصدر : لانه كان يمسح.

(٢) في المصدر : في قولهم.

(٣) في المصدر : تبرأة لامه.

٢٢١

أعلمنا الله (١) سبحانه أنه يبقى إلى حال الكهولة ، وفي ذلك إعجاز لكون المخبر في وفق الخبر ، (٢) وقيل : المراد به الرد على النصارى بما كان فيه من التقلب في الاحوال لان ذلك مناف لصفة الاله » ومن الصالحين « أي ومن النبيين مثل إبراهيم وموسى عليهما‌السلام ، وقيل : إن المراد بالآية : ويكلمهم في المهد دعاء إلى الله ، وكهلا بعد نزوله من السماء ليقتل الدجال وذلك لانه رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وذلك قبل الكهولة ، عن زيد بن أسلم.

وفي ظهور المعجزة في المهد قولان :

أحدهما : أنها كانت مقرونة بنبوة المسيح عليه‌السلام لانه سبحانه أكمل عقله في تلك الحال وجعله نبيا ، وأوحى إليه بما تكلم به ، عن الجبائي ، وقيل : كان ذلك على التأسيس والارهاص لنبوته ، (٣) عن ابن الاخشيد ، ويجوز عندنا الوجهان ، ويجوز أن يكون معجزة لمريم تدل على طهارتها وبراءة ساحتها إذ لا مانع لذلك ، وقد دلت الادلة الواضحة على جوازه ، وإنما جحدت النصارى كلام المسيح في المهد مع كونه آية ومعجزة لان في ذلك إبطال مذهبهم (٤) لانه قال : « إني عبدالله » وهو ينافي قولهم : إنه ابن الله ، فاستمروا على تكذيب من أخبر بذلك (٥) « قالت مريم أنى يكون لي » أي كيف يكون لي « ولد ولم يمسسني بشر » لم تقل ذلك استبعادا واستنكارا ، بل إنما قالت استفهاما واستعظاما لقدرة الله تعالى ، لان في طبع البشر التعجب مما خرج عن المعتاد ، وقيل : إنما قالت ذلك لتعلم أن الله سبحانه يرزقها الولد وهي على حالتها لم يمسسها بشر ، أو يقدر لها زوجا ثم يرزقها الولد على مجرى العادة « قال كذلك الله يخلق مايشاء » أي يخلق مايشاء مثل ذلك ، فهي حكاية ماقال لها الملك ، أي يرزقك الولد وأنت على هذه الحالة لم يمسك بشر « إذا قضى أمرا » أي خلق أمرا ، وقيل : إذا قدر أمرا « فإنما يقول له كن فيكون » وقيل في معناه قولان : أحدهما أنه إخبار بسرعة حصول مراد الله تعالى في كل شئ أراد حصوله من غير مهلة ولا معاناة

__________________

(١) في المصدر : أعلمها الله.

(٢) في المصدر : لكون المخبر على وفق الخبر.

(٣) أرهصه : أسسه وأثبته.

(٤) في المصدر : لان في ذلك ابطالا لمذهبهم.

(٥) في المصدر : فاستمروا على تكذيب من أخبر انه شاهده كذلك.

٢٢٢

ولا تكلف سبب ولا أداة ، وإنما كنى بهذه اللفظة لانه لايدخل في وهم العباد شئ أسرع من كن فيكون ، والآخر أن هذه الكلمة جعلها الله علامة للملائكة فيما يريد إحداثه وإيجاده لما فيه من المصلحة والاعتبار ، وإنما استعمل لفظة الامر فيما ليس بأمر هنا ليدل ذلك على أن فعله بمنزلة فعل المأمور في أنه لا كلفة فيه على الآمر. (١)

وقال رحمه الله في قوله » واذكر في الكتاب مريم إذا انتبذت من أهلها مكانا شرقيا » أي انفردت من أهلها إلى مكان في جهة المشرق وقعدت ناحية منهم ، قال ابن عباس : « إنما اتخذت النصارى المشرق قبلة لانها انتبذت مكانا شرقيا ، وقيل : اتخذت مكانا تنفرد فيه للعبادة لئلا تشتغل بكلام الناس ، عن الجبائي ، وقيل : تباعدت عن قومها حتى لايروها ، عن الاصم وأبي مسلم ، وقيل : إنها تمنت أن تجد خلوة فتفلي رأسها ، (٢) فخرجت في يوم شديد البرد فجلست في مشرقة للشمس ، عن عطاء « فاتخذت من دونهم حجابا » أي فضربت من دون أهلها لئلا يروها سترا وحاجزا بينها وبينهم « فأرسلنا إليها روحنا » يعني جبرئيل عليه‌السلام عن ابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم ، وسماه الله روحا لانه روحاني ، وأضافه إلى نفسه تشريفا له « فتمثل لها بشرا سويا » معناه : فأتاها جبرئيل فانتصب بين يديها في صورة آدمي صحيح لم ينقص منه شئ ، وقال أبومسلم : إن الروح الذي خلق منه المسيح عليه‌السلام تصور لها إنسانا ، والاول هو الوجه لاجماع المفسرين عليه ، وقال عكرمة : كانت مريم إذا حاضت خرجت من المسجد ، وكانت عند خالتها امرأة زكريا أيام حيضها ، فإذا طهرت عادت إلى بيتها في المسجد ، فبينما هي في مشرقة لها في ناحية الدار وقد ضربت بينها وبين أهلها سترا لتغتسل وتمتشط إذ دخل عليها جبرئيل في صورة رجل شاب أمرد سوي الخلق ، فأنكرته فاستعاذت بالله منه « قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا » معناه إني أعتصم بالرحمن من شرك فاخرج من عندي إن كنت تقيا.

سؤال : كيف شرطت في التعوذ منه أن يكون تقيا والتقي لايحتاج أن يتعوذ منه ، وإنما يتعوذ من غير التقي؟.

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٤٤٢ و ٤٤٣.

(٢) فلى رأسه أو ثوبه : نقاهما من القمل. وفي نسخة : فتغسل رأسها.

٢٢٣

والجواب أن التقي إذا تعوذ بالرحمن منه ارتدع عما يسخط الله ، ففي ذلك تخويف وترهيب له ، وهذا كما تقول : إن كنت مؤمنا فلا تظلمني ، فالمعنى : إن كنت تقيا فاتعظ واخرج.

وروي عن علي (ع) أنه قال : « علمت أن التقى (١) ينهاه عن المعصية » وقيل : إن معنى قوله (٢) : « إن كنت تقيا » ما كنت تقيا حيث استحللت النظر إلي وخلوت بي ، فلما سمع جبرئيل منه هذا القول قال لها : « إنما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا » أي ولدا طاهرا من الادناس ، وقيل : ناميا في أفعال الخير ، وقيل : يريد نبيا ، عن ابن عباس « قالت » مريم « أنى يكون لي غلام » أي كيف يكون لي ولد « ولم يمسسني بشر » على وجه الزوجية « ولم أك بغيا » أي ولم أكن زانية ، وإنما قالت ذلك لان الولد في العادة يكون من إحدى هاتين الجهتين ، والمعنى أني لست بذات زوج وغير ذات الزوج لاتلد إلا عن فجور ولست فاجرة ، وإنما يقال للفاجرة بغي بمعنى أنها تبغي الزنا ، أي تطلبه.

وفي هذه الآية دلالة على جواز إظهار الكرامات (٣) على غير الانبياء عليهم‌السلام لان من المعلوم أن مريم ليست بنبية ، وأن رؤية الملك على صورة البشر وبشارة الملك إياها وولادتها من غير وطء إلى غيرها من الآيات التي أبانها الله بها من أكبر المعجزات ، ومن لم يجوز إظهار المعجزات على غير النبي اختلفت أقوالهم في ذلك : فقال الجبائي وابنه : إنها معجزات لزكريا ، وقال البلخي : إنها معجزات لعيسى على سبيل الارهاص و التأسيس لنبوته « قال كذلك » أي قال لها جبرئيل حين سمع تعجبها من هذه البشارة : الامر كذلك ، أي كما وصفت لك « قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس » معناه ولنجعله علامة ظاهرة وآية باهرة للناس على نبوته ودلالة على براءة أمه « ورحمة منا » أي ولنجعله نعمة منا على الخلق يهتدون بسنته (٤) « وكان أمرا مقضيا » أي وكان خلق

__________________

(١) في المصدر : علمت أن التقي ينهاه التقى عن المعصية.

(٢) في نسخة : معنى قولها.

(٣) في المصدر : إظهار المعجزات.

(٤) في المصدر : يهتدون بسببه.

٢٢٤

عيسى عليه‌السلام من غير ذكر أمرا كائنا مفروغا منه محتوما ، قضى الله سبحانه بأنه يكون و حكم به « فحملته » أي فحملت مريم بعيسى وحبلت في الحال ، قيل : إن جبرئيل أخذ ردن قميصها (١) بإصبعه فنفخ فيه فحملت مريم من ساعتها ووجدت حس الحمل ، عن ابن عباس ، وقيل : نفخ في كمها فحملت ، عن ابن جريح.

وروي عن الباقر عليه‌السلام أنه تناول جيب مدرعتها فنفخ نفخة فكمل الولد في الرحم من ساعته ، كما يكمل الولد في أرحام النساء تسعة أشهر ، فخرجت من المستحم (٢) وهي حامل مثقل فنظرت إليها خالتها فأنكرتها ، ومضت مريم على وجهها مستحيية من خالتها ومن زكريا « فانتبذت به مكانا قصيا » أي تنحت بالحمل إلى مكان بعيد ، وقيل : معناه انفردت به مكانا بعيدا من قومها حياء من أهلها وخوفا من أن يتهموها بسوء.

واختلفوا في مدة حملها فقيل : ساعة واحدة ، قال ابن عباس : لم يكن بين الانتباذ والحمل إلا ساعة واحدة ، لانه تعالى لم يذكر بينهما فصلا لانه قال : فحملته ، فانتبذت به ، فأجاءها ، والفاء للتعقيب ، وقيل : حملت به في ساعة ، وصور في ساعة ووضعته في ساعة حين زاغت الشمس من يومها وهي بنت عشر سنين ، عن مقاتل ، وقيل : كانت مدة حملها تسع ساعات ، وهذا مروي عن أبي عبدالله ، وقيل. ستة أشهر ، وقيل : ثمانية أشهر ، وكان ذلك آية وذلك أنه لم يعش مولود وضع لثمانية أشهر غيره « فأجاءها المخاض » أي أجاءها الطلق (٣) أي وجع الولادة « إلى جذع النخلة » فالتجأت إليها لتستند إليها ، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي قال ابن عباس : نظرت مريم إلى أكمة (٤) فصعدت مسرعة فإذا عليها جذع النخلة ليس عليها سعف ، والجذع ساق النخلة ، والالف واللام دخلت للعهد لا للجنس ، أي النخلة المعروفة ، فلما ولدت « قالت ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا » أي شيئا حقيرا متروكا ، عن ابن عباس ، وقيل : شيئا لايذكر ولايعرف ، عن قتادة وقيل : حيضة ملقاة ، عن عكرمة والضحاك ومجاهد ، قال ابن عباس : فسمع جبرئيل كلامها

__________________

(١) الردن : أصل الكم. طرفه الواسع.

(٢) المستحم : موضع الاستحمام.

(٣) في المصدر : ألجأها المخاض.

(٤) الاكمة : التل. وفي المصدر : فصعدت مسرعة اليها.

٢٢٥

وعرف جزعها « فناداها من تحتها » وكان أسفل منها تحت الاكمة : « أن لاتحزني » وهو قول السدي وقتادة والضحاك أن المنادي جبرئيل ناداها من سفح الجبل ، وقيل : ناداها عيسى ، عن مجاهد والحسن ووهب وسعيد بن جبير وابن زيد وابن جرير والجبائي. و إنما تمنت الموت كراهية لان يعصى الله فيها ، وقيل : استحياء من الناس أن يظنوا بها سوءا ، عن السدي ، وروي عن الصادق عليه‌السلام : لانها لم تر في قومها رشيدا ذا فراسة ينزهها عن السوء « قد جعل ربك تحتك سريا » أي ناداها جبرئيل أو عيسى ليزول ماعندها من الغم والجزع : لا تغتمي قد جعل ربك تحت قدميك نهرا تشربين منه وتطهرين من النفاس ، عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير ، قالوا : وكان نهرا قد انقطع الماء عنه ، فأرسل الله الماء فيه لمريم وأحيا ذلك الجذع حتى أثمر وأورق ، وقيل : ضرب جبرئيل برجله فظهر ماء عذب ، وقيل : بل ضرب عيسى برجله فظهر عين ماء تجري وهو المروي عن أبي جعفر (ع) ، وقيل : السري : عيسى (ع) ، عن الحسن وابن زيد والجبائي ، و السري هو الرفيع الشريف ، قال الحسن : كان والله عبدا سريا « وهزي إليك بجذع النخلة » معناه : اجذبي إليك ، والباء مزيدة ، وقال الفراء : تقول العرب : هزه وهز به « تساقط عليك رطبا جنيا » الجني بمعنى المجتنى ، من جنيت الثمرة واجتنيتها : إذا قطعتها ، وقال الباقر عليه‌السلام : لم تستشف النفساء بمثل الرطب ، إن الله تعالى أطعمه مريم في نفاسها ، قال : (١) إن الجذع كان يابسا لا ثمر عليه إذ لو كان عليه ثمر لهزته من غير أن تؤمر به ، وكان في الشتاء فصار معجزة لخروج الرطب في غير أوانه ولخروجه دفعة واحدة ، فإن العادة أن يكون نورا أولا ، ثم يصير بلحا ، ثم بسرا. (٢) وروي أنه لم يكن للجذع رأس وضربته برجلها فأورق (٣) وأثمر وانتثر عليها الرطب جنيا ، والشجرة التي لا رأس لها لاتثمر في العادة.

__________________

(١) في المصدر : قالوا.

(٢) النور بالفتح : الزهر ، وبالفارسية : شكوفه البلح بالفتح : ثمر النخل مادام أخضر و لم ينضج وهو كالحصرم من العنب. فاذا اخذ إلى الطول والتلون إلى الحمرة والصفرة فهو بسر قال الثعالبي في ترتيب حمل النخل : أطلعت ، ثم أبلحت ، ثم ابسرت ، ثم أزهت ، ثم أمعت ، ثم أرطبت ، ثم أتمرت.

(٣) في المصدر : فأورقت. وكذا فيما بعده.

٢٢٦

وقيل : إن تلك النخلة كانت برنية ، (١) وقيل : كانت عجوة (٢) وهو المروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام « فكلي واشربي » أي كلي يامريم من هذا الرطب ، واشربي من هذا الماء « وقري عينا » جاء في التفسير : وطيبي نفسا ، وقيل : معناه : لتبرد عينك سرورا بهذا الولد الذي ترين ، لان دمعة السرور باردة ، ودمعة الحزن حارة ، وقيل : معناه : لتسكن عينك سكون سرور برؤيتك ماتحبين « فإما ترين من البشر أحدا » فسألك عن ولدك « فقولي إني نذرت للرحمن صوما » أي صمتا ، عن ابن عباس ، والمعنى : أوجبت على نفسي لله أن لا أتكلم ، وقيل صوما ، أي إمساكا عن الطعام والشراب والكلام ، عن قتادة ، وإنما أمرت بالصمت ليكفيها الكلام ولدها بما يبرئ ساحتها (٣) عن ابن مسعود وابن زيد ووهب ، وقيل : كان في بني إسرائيل من أراد أن يجتهد صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام فلا يتكلم الصائم حتى يمسي ، يدل على هذا قوله : « فلن أكلم اليوم إنسيا » أي إني صائمة فلا أكلم اليوم أحدا ، وكان قد أذن لها أن تتكلم بهذا القدر ثم تسكت ولا تتكلم بشئ آخر ، عن السدي ، وقيل : كان الله تعالى أمرها أن تنذر لله الصمت ، وإذا كلمها أحد تؤمي بأنها نذرت صمتا ، لانه لا يجوز أن يأمرها بأن تخبر بأنها نذرت ولم تنذر لان ذلك كذب عن الجبائي « فأتت به قومها تحمله » أي فأتت مريم بعيسى حاملة له ، وذلك أنها لفته في خرقة وحملته إلى قومها « قالوا يامريم لقد جئت شيئا فريا » أي أمرا عظيما بديعا ، إذ لم تلد أنثى قبلك من غير رجل ، عن قتادة ومجاهد والسدي ، وقيل : أمرا قبيحا منكرا من الافتراء وهو الكذب ، عن الجبائي.

« يا اخت هارون » قيل فيه أقوال : أحدها أن هارون كان رجلا صالحا في بني إسرائيل ينسب إليه كل من عرف بالصلاح ، عن ابن عباس وقتادة وكعب وابن زيد ، والمغيرة بن شعبة رفعه إلى النبي (ص) وقيل : إنه لما مات شيع جنازته أربعون ألفا كلهم يسمى هارون ، فقولهم : « يا أخت هارون » معناه : ياشبيهة هارون في الصلاح ماكان هذا معروفا منك.

__________________

(١) قال الفيروزآبادي : البرني : تمر ، معرب أصله برنيك أي الحمل الجيد. وقال غيره : نوع من أجود التمر.

(٢) العجوة : التمر المحشى. وتمر بالمدينة. وهي ضرب من أجود التمر.

(٣) في المصدر : بما يبرئ به ساحتها.

٢٢٧

وثانيها. أن هارون كان أخاها لابيها ليس من أمها ، وكان معروفا بحسن الطريقة عن الكلبي.

وثالثها : أنه هارون أخو موسى عليه‌السلام فنسبت إليه لانها من ولده كما يقال : يا أخا تميم ، عن السدي.

ورابعها : أنه كان رجلا فاسقا مشهورا بالعهر والفساد فنسبت إليه ، وقيل لها : ياشبيهته في قبح فعله ، عن سعيد بن جبير.

« ماكان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا » أي كان أبواك صالحين ، فمن أين جئت بهذا الولد؟ « فأشارت إليه » أي فأومأت إلى عيسى بأن كلموه واستشهدوه على براءة ساحتي ، فتعجبوا من ذلك ثم قالوا : « كيف نكلم من كان في المهد صبيا » معناه كيف نكلم صبيا في المهد؟ وقيل : صبيا في الحجر رضيعا؟ وكان المهد حجر أمه الذي تربيه فيه إذ لم تكن هيأت له مهدا ، عن قتادة ، وقيل : إنهم غضبوا عند إشارتها إليه ، و قالوا : لسخريتها بنا أشد علينا من زناها ، فلما تكلم عيسى عليه‌السلام قالوا : إن هذا الامر عظيم ، عن السدي.

« قال » عيسى بن مريم : « إني عبدالله » قدم إقراره بالعبودية ليبطل به قول من يدعي له الربوبية ، وكان الله سبحانه أنطقه بذلك لعلمه بما يقوله الغالون فيه ، ثم قال « آتاني الكتاب وجعلني نبيا » أي حكم لي بإيتاء الكتاب والنبوة ، وقيل : إن الله سبحانه أكمل عقله في صغره وأرسله إلى عباده وكان نبيا مبعوثا إلى الناس في ذلك الوقت ملكفا عاقلا ، ولذلك كانت له تلك المعجزة ، عن الحسن والجبائي ، وقيل : إنه كلمهم وهو ابن أربعين يوما ، عن وهب ، وقيل : يوم ولد ، عن ابن عباس وأكثر المفسرين وهو الظاهر وقيل : إن معناه إني عبدالله سيؤتيني الكتاب وسيجعلني نبيا ، وكان ذلك معجزة لمريم عليها‌السلام على براءة ساحتها « وجعلني مباركا أينما كنت » أي وجعلني معلما للخير عن مجاهد ، وقيل : نفاعا حيثما توجهت ، (١) والبركة : نماء الخير ، والمبارك : الذي ينمي الخير به ، وقيل : ثابتا دائما على الايمان والطاعة ، وأصل البركة الثبوت ، عن

__________________

(١) وهو المروي عن ابي عبدالله عليه‌السلام كما تقدم.

٢٢٨

الجبائي « وأوصاني بالصلوة والزكوة » أي بإقامتهما « مادمت حيا » أي مابقيت حيا مكلفا « وبرا بوالدتي » أي جعلني بارا بها أؤدي شكرها « ولم يجعلني جبارا » أي متجبرا « شقيا » والمعنى أني بتوفيقه كنت محسنا إليها حتى لم أكن من الجبابرة الاشقياء « والسلام علي » أي والسلامة علي من الله « يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا » أي في هذه الاحوال الثلاث ، قيل : ولما كلمهم عيسى عليه‌السلام بذلك علموا براءة مريم ، ثم سكت عيسى فلم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الصبيان. (١) انتهى ملخص تفسيره رحمه الله.

وقال البيضاوي : « ذلك عيسى بن مريم » أي الذي تقدم نعته هو عيسى بن مريم ، لا ماتصفه النصارى « قول الحق » خبر محذوف ، أي هو قول الحق الذي لاريب فيه ، و الاضافة للبيان ، والضمير للكلام السابق أو لتمام القصة ، وقيل : صفة عيسى أو بدله أو خبر ثان ، ومعناه كلمة الله ، وقرأ عاصم وابن عامر ويعقوب ( قول ) بالنصب على أنه مصدر مؤكد « الذي فيه يمترون » أي في أمره يشكون ، أو يتنازعون ، فقالت اليهود : ساحر ، وقالت النصارى : ابن الله « إذا قضى أمرا » تبكيت لهم بأن من إذا أراد شيئا أوجده بكن كان منزها عن شبه الخلق في الحاجة في اتخاذ الولد بإحبال الاناث « والتي أحصنت فرجها » من الحلال والحرام يعني مريم « فنفخنا فيها » في عيسى فيها ، أي أحييناه في جوفها ، وقيل : فعلنا النفخ فيها « من روحنا » من الروح الذي هو بأمرنا وحده ، أو من جهة روحنا جبرئيل « وجعلناها وابنها » أي قصتهما أو حالهما « آية للعالمين » فإن من تأمل حالهما تحقق كمال قدرة الصانع تعالى.

__________________

(١) مجمع البيان ٦ : ٥٠٧ و ٥٠٨ و ٥١١ و ٥١٣.

٢٢٩

( باب ١٨ )

* ( فضله ورفعة شأنه ومعجزاته وتبليغه ومدة عمره ) *

* ( ونقش خاتمه وجمل أحواله ) *

الايات ، البقرة « ٢ » قال الله تعالى : « وآتينا عيسى بن مريم البينات وأيدناه بروح القدس » مرتين ٨٧ و ٢٥٣.

آل عمران « ٣ » وأنزل التوراة والانجيل * من قبل هدى للناس ٣ و ٤.

المائدة « ٥ » وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة و آتيناه الانجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين ٤٦ « وقال تعالى » : لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار * لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد و إن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم * أفلا يتوبون إلى الله و يستغفرونه والله غفور رحيم * ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل و أمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون ٧٣ و ٧٥ « وقال تعالى : لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ٧٨ « وقال تعالى » : إذ قال الله يا عيسى بن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخم فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الاكمه والابرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين * وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون * إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل

٢٣٠

علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين * قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين * قال عيسى بن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لاولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين * قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذ به أحدا من العالمين ١١ ١١٥.

المؤمنون « ٢٣ » وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ٥٠.

يس « ٣٦ » واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون * إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون * قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شئ إن أنتم إلا تكذبون * قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون * وما علينا إلا البلاغ المبين * قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم * قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون * وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال ياقوم اتبعوا المرسلين * اتبعوا من لايسألكم أجرا وهم مهتدون * ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون * ءأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لاتغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون * إني إذا لفي ضلال مبين * إني آمنتم بربكم فاسمعون * قيل ادخل الجنة قال ياليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين * وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين * إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ١٣ ٢٩.

الزخرف « ٤٣ » إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ٥٩.

« وقال تعالى » : ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولابين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون * إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم * فاختلف الاحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم ٦٣ ٦٥.

الصف « ٦١ » وإذ قال عيسى بن مريم يابني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ٦.

٢٣١

تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : « وآتينا عيسى بن مريم البينات » أي المعجزات وقيل : الانجيل « وأيدناه بروح القدس » أي قويناه بجبرئيل ، وقيل : أي الانجيل ، وقيل : هو الاسم الذي كان عيسى يحيي به الموتى ، وقيل : هو الروح الذي نفخ فيه فأضافه إلى نفسه تشريفا ، والقدس : الطهر ، وقيل : البركة ، وقيل : هو الله تعالى. (١)

« وجعلنا ابن مريم وأمه آية » أي حجة على قدرتنا على الاختراع « وآويناهما إلى ربوة » أي وجعلنا مأواهما مكانا مرتفعا مستويا واسعا ، والربوة هي الرملة من فلسطين وقيل : دمشق ، وقيل : مصر ، وقيل بيت المقدس ، وقيل : هي حيرة الكوفة وسوادها ، والقرار : مسجد الكوفة ، والمعين : الفرات ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله (ع) ، (٢) وقيل : « ذات قرار » أي ذات موضع استقرار ، أي هي أرض مستوية يستقر عليها ساكنوها ، و قيل : ذات ثمار إذ لاجلها يستقر فيها ساكنوها « ومعين » أي ماء جار ظاهر للعيون. (٣) « أنعمنا عليه » أي بالخلق من غير أب وبالنبوة « وجعلناه مثلا لبني إسرائيل » أي آية لهم ودلالة يعرفون بها قدرة الله تعالى على مايريد حيث خلقه من غير أب ، فهو مثل لهم يشبهون به ما يريدون من أعاجيب صنع الله « بالحكمة » أي بالنبوة ، وقيل : بالعلم بالتوحيد والعدل والشرائع « بعض الذي تختلفون فيه » قيل : أي كله ، كقول لبيد : أو يخترم بعض النفوس حمامها. أي كل النفوس ، والصحيح أن البعض لايكون في معنى

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ١٥٥ و ١٥٢.

(٢) قال المسعودي ( في )؟ اثبات الوصية : روى ان جبرئيل نفخ في جيبها وقد دخلت إلى المغتسل للتطهير فخرجت وقد انتفخ بطنها فخافت من خالتها ومن زكريا فخرجت هاربة على وجهها ، و ان نساء بني اسرائيل ومن كان يتعبد معها رأوا بطنها فشتمنها ونتفن شعرها وخمشن وجهها ، فانطق الله المسيح عليه‌السلام في بطنها فقال : وحق النبي المبعوث بعدى في آخر الزمان لئن أخرجني الله من بطن امي مريم لاقيمن عليكم الحد ، ومضت مريم على وجهها حتى اتت قرية في غربي الكوفة يقال لها بشوشا ، ويروى بانقيا ، وهي اليوم تعرف بالنخيلة وفيها عظام هود وشعيب و صالح وعدة من الانبياء والاوصياء عليهم‌السلام فاشتد بها الطلق فاستندت إلى جذع نخلة نخرة قد سقط رأسها اه.

(٣) مجمع البيان ٧ : ١٠٧ و ١٠٨. وفيه : ظاهر العيون.

٢٣٢

الكل ، والذي جاء به عيسى في الانجيل إنما هو بعض الذي اختلفوا فيه وبين لهم في غير الانجيل ما احتاجوا إليه ، وقيل : معناه : لابين لكم ماتختلفون فيه من أمور الدين دون أمور الدنيا وهو المقصود (١) « فاختلف الاحزاب » يعني اليهود والنصارى في أمر عيسى. (٢)

١ ـ شى : عن الهذلي ، عن رجل قال : مكث عيسى عليه‌السلام حتى بلغ سبع سنين ، أو ثمان سنين ، فجعل يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، فأقام بين أظهرهم يحيي الموتى ويبرئ الاكمه والابرص ، ويعلمهم التوراة ، وأنزل الله عليه الانجيل لما أراد الله أن يتخذ عليهم حجة. (٣)

٢ ـ شى : عن محمد بن أبي عمير ، عمن ذكره رفعه قال : إن أصحاب عيسى عليه‌السلام سألوه أن يحيي لهم ميتا ، قال : فأتى بهم إلى قبر سام بن نوح ، فقال له : قم بإذن الله يا سام بن نوح ، قال : فانشق القبر ، ثم أعاد الكلام فتحرك ، ثم أعاد الكلام فخرج سام بن نوح ، فقال له عيسى : أيهما أحب إليك : تبقى أو تعود؟ قال : فقال : ياروح الله بل أعود ، إني لاجد حرقة الموت أو قال : لدغة الموت (٤) في جوفي إلى يومي هذا. (٥)

ص : مرسلا مثله. (٦)

٣ ـ شى : عن أبان بن تغلب قال : سئل أبوعبدالله عليه‌السلام هل كان عيسى بن مريم أحيا أحدا بعد موته حتى كان له أكل ورزق ومدة وولد؟ قال : فقال : نعم ، إنه كان له صديق مواخ له في الله ، وكان عيسى يمر به فينزل عليه ، وإن عيسى عليه‌السلام غاب عنه حينا ، ثم مر به ليسلم عليه فخرجت إليه أمه (٧) فسألها عنه ، فقالت أمه : مات يارسول الله ، فقال لها : أتحبين أن تريه؟ قالت : نعم ، قال لها : إذا كان غدا أتيتك حتى أحييه لك بإذن الله ، فلما كان من الغد أتاها فقال لها : انطلقي معي إلى قبره ، فانطلقا حتى أتيا قبره فوقف عيسى عليه‌السلام ثم دعا الله فانفرج القبر وخرج ابنها حيا ، فلما رأته

__________________

(١) المصدر خلى عن قوله : وهو المقصود.

(٢) مجمع البيان ٩ : ٥٣ و ٥٤.

(٣ و ٥) تفسير العياشي مخطوط.

(٤) في نسخة : لذعة الموت.

(٦) قصص الانبياء مخطوط.

(٧) في البرهان : فخرجت اليه امه لتسلم عليه.

٢٣٣

أمه ورآها بكيا ، فرحمهما عيسى عليه‌السلام (١) فقال له : أتحب أن تبقى مع أمك في الدنيا؟ قال : يارسول الله بأكل وبرزق ومدة ، أو بغير مدة ولا رزق ولا أكل؟ فقال : له عيسى عليه‌السلام : بل برزق وأكل ومدة تعمر عشرين سنة ، وتزوج ويولد لك ، قال : فنعم إذا ، قال : فدفعه عيسى إلى امه (٢) فعاش عشرين سنة وتزوج وولد له. (٣)

كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي جميلة ، عن أبان بن تغلب وغيره عنه عليه‌السلام مثله. (٤)

٤ ـ شى : عن محمد الحلبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كان بين داود وعيسى بن مريم (ع) أربع مائة سنة ، وكان شريعة عيسى أنه بعث بالتوحيد والاخلاص ، وبما أوصي به نوح وإبراهيم وموسى عليهم‌السلام ، وأنزل عليه الانجيل ، وأخذ عليه الميثاق الذي أخذ على النبيين ، وشرع له في الكتاب إقام الصلاة مع الدين ، والامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وتحريم الحرام ، وتحليل الحلال ، وأنزل عليه في الانجيل مواعظ وأمثال وليس فيها قصاص ولا أحكام حدود ، ولا فرض مواريث ، وأنزل عليه تخفيف ما كان نزل على موسى عليه‌السلام في التوراة ، وهو قول الله في الذي قال عيسى بن مريم لبني إسرائيل : « ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم » وأمر عيسى من معه ممن اتبعه من المؤمنين أن يؤمنوا بشريعة التوراة والانجيل. (٥)

٥ ـ شى : البرقي ، عن أبيه رفعه في قول الله : « وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام » قال : كانا يتغوطان. (٦)

__________________

(١) في نسخة : فرحمها عيسى عليه‌السلام.

(٢) في البرهان : قال : فنعم اذا ، فدفعه عيسى إلى امه. وفي نسخة من التفسير : قال : فنعم قال : فدفعه ( فرفعه خ ل ) عيسى إلى امه.

(٣) تفسير العياشي مخطوط ، وأخرجه البحراني وما قبله في البرهان ١ : ٢٨٤.

(٤) روضة الكافي : ٣٣٧.

(٥) تفسير العياشي مخطوط ، وأخرجه البحراني ايضا في البرهان ١ : ٢٤٨.

(٦) تفسير العياشي مخطوط. واخرجه البحراني في البرهان ١ : ٤٩٢ ، ورواه الصدوق في العيون : ٣٢٥ في خبر طويل باسناده عن تميم بن عبدالله بن تميم القرشي رض‌الله‌عنه قال : حدثني ابي قال : حدثنا احمد بن علي الانصاري ، عن الحسن بن الجهم ، عن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام.

٢٣٤

بيان : قال الطبرسي رحمه الله : قيل فيه قولان : أحدهما أنه احتجاج على النصارى بأن من ولدته النساء ويأكل الطعام لايكون إلها للعباد ، أي أنهما كانا يعيشان بالغذاء كما يعيش سائر الخلق فكيف يكون إلها من لايقيمه إلا أكل الطعام؟ والثاني أن ذلك كناية عن قضاء الحاجة. (١)

٦ ـ شى : عن أبي عبيدة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : (٢) « لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم » قال : الخنازير على لسان داود عليه‌السلام ، و القردة على لسان عيسى بن مريم عليه‌السلام. (٣)

كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة مثله. (٤)

بيان : قد مر شرحه في باب قصة أصحاب السبت.

٧ ـ شى : عن الفيض بن المختار قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : لما أنزلت المائدة على عيسى عليه‌السلام قال للحواريين : لاتأكلوا منها حتى آذن لكم ، فأكل منها رجل منهم فقال بعض الحواريين : ياروح الله أكل منها فلان ، فقال له عيسى عليه‌السلام : أكلت منها؟ قال له : لا ، فقال الحواريون : بلى والله يا روح الله لقد أكل منها ، فقال له عيسى : صدق أخاك ، وكذب بصرك. (٥)

٨ ـ م : قال رسول الله (ص) : ياعباد الله إن قوم عيسى لما سألوه أن ينزل عليهم مائدة من السماء قال الله : « إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين » فأنزلها عليهم ، فمن كفر منهم بعد مسخه الله إما خنزيرا ، وإما قردا ، وإما دبا ، وإما هرا ، وإما على صورة بعض الطيور والدواب التي في

__________________

(١) مجمع البيان ٣ : ٢٣٠.

(٢) في الكافي : قال في قول الله اه.

(٣) تفسير العياشي مخطوط. واخرجه البحراني في البرهان.

(٤) روضة الكافي : ٢٠٠.

(٥) تفسير العياشي مخطوط ، واخرجه البحراني ايضا في البرهان ١ : ٥١١.

٢٣٥

البر والبحر حتى مسخوا على أربعمائة نوع من المسخ. (١)

٩ ـ شى : عن عيسى العلوي ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : المائدة التي نزلت على بني إسرائيل مدلاة بسلاسل من ذهب ، عليها تسعة ألوان وتسعة أرغفة. (٢)

١٠ ـ شى : عن الفضيل بن يسار ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : إن الخنازير من قوم عيسى عليه‌السلام سألوا نزول المائدة فلم يؤمنوا فمسخهم الله خنازير. (٣)

١١ ـ شى : عن عبدالصمد بن بذار (٤) قال : سمعت أبا الحسن (ع) يقول : كانت الخنازير قوما من القصارين كذبوا بالمائدة فمسخوا خنازير. (٥)

١٢ ـ شى : عن ثعلبة ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى لعيسى : « ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله » قال : لم يقله وسيقوله ، إن الله إذا علم أن شيئا كائن أخبر عنه خبر ما قد كان. (٦)

١٣ ـ شى : عن سليمان بن خالد قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام قول الله لعيسى : « ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله » (٧) فقال : إن الله إذا أراد أمرا أن يكون قصه قبل أن يكون كأن قد كان. (٨)

__________________

(١) تفسير العسكري : ٢٣٤.

(٢) تفسير العياشي مخطوط ، واخرجه البحراني في البرهان ١ : ٥١١ دفعتين ، في احداهما ، تسعة احوتة ، وفي الاخرى : تسعة انوان. والظاهر أن الالوان في المتن مصحفة أنوان ، والاحوتة جمع الحوت ، والانوان جمع النون : الحوت.

(٣) تفسير العياشي مخطوط.

(٤) في البرهان : عبدالصمد بن بندار ، وفي تنقيح المقال عن رجال الشيخ : عبدالصمد بن مدار الصيرفي الكوفي من اصحاب الصادق عليه‌السلام ، وفي نسختي من رجال الشيخ : عبدالصمد ابن بلات ، وتقدم فيما مضى : عبدالصمد بن برار ، وعلى اي فالرجل مجهول أبا وحالا.

(٥ و ٦) تفسير العياشي مخطوط ، أخرجهما وما قبلهما البحراني في البرهان ١ : ٥١١ و ٥١٢.

(٧) في البرهان زيادة : قال الله بهذا الكلام؟

(٨) تفسير العياشي مخطوط ، وأخرجه البحراني في البرهان ١ : ٥١٢.

٢٣٦

١٤ ـ شى : عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في تفسير هذه الآية : « تعلم مافي نفسي ولا أعلم مافي نفسك إنك أنت علام الغيوب » قال : إن اسم الله الاكبر ثلاثة وسبعون حرفا ، فاحتجب الرب تبارك وتعالى منها بحرف ، فمن ثم لايعلم أحد ما في نفسه عزوجل ، أعطى آدم اثنين وسبعين حرفا فتوارثتها الانبياء حتى صارت إلى عيسى فذلك قول عيسى : « تعلم مافي نفسي » يعني اثنين وسبعين حرفا من الاسم الاكبر ، يقول أنت علمتنيها فأنت تعلمها « ولا أعلم مافي نفسك » يقول : لانك احتجبت عن خلقك بذلك الحرف فلا يعلم أحد مافي نفسك. (١)

بيان : قال الطبرسي رحمه الله : « وإذ قال الله » والمعنى : إذ يقول الله يوم القيامة لعيسى : « ياعيسى بن مريمءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله » هذا وإن خرج مخرج الاستفهام فهو تقريع وتهديد لمن ادعى ذلك عليه من النصارى ، وقيل : أراد بهذا القول تعريف عيسى عليه‌السلام أن قوما قد اعتقدوا فيه وفي أمه أنهما إلهان ، واعترض على قوله : « إلهين » فقيل : لم يعلم في النصارى من اتخذ مريم إلها. والجواب عنه من وجوه :

أحدها : أنهم لما جعلوا المسيح إلها ألزمهم أن يجعلوا والدته أيضا إلها ، لان الولد يكون من جنس الوالدة ، فهذا على طريق الالزام لهم.

والثاني : أنهم لما عظموهما تعظيم الآلهة اطلق اسم الاله عليهما.

والثالث : أنه يحتمل أن يكون فيهم من قال بذلك. ويعضده ما حكاه الشيخ أبوجعفر قدس الله روحه عن بعض النصارى أنه قد كان فيما مضى قوم يقال لهم المريمية يعتقدون في مريم أنها إله. (٢)

وقال رحمه الله في قوله تعالى : « تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك » أي تعلم

__________________

(١) تفسير العياشي مخطوط ، اخرجه البحراني ايضا في البرهان ١ : ٥١٣.

(٢) ويؤيد ذلك ما قال اليعقوبي في تاريخه ١ : ١٢٣ في ترجمة قسطنطين وتنصره وجمعه الاساقفة والبطارخة قال : وكان سبب جمع قسطنطين هؤلاء أنه لما تنصر وحلت النصرانية بقلبه أراد أن يستقصى علمها فأحصى مقالات أهلها فوجد ثلاث عشرة مقالة ، فمنها قول من قال : ان المسيح وامه كانا إلهين.

٢٣٧

غيبي وسري ولا أعلم غيبك وسرك ، وإنما ذكر النفس لمزاوجة الكلام ، والعادة جارية بأن الانسان يسر في نفسه فصار قوله : « ما في نفسي » عبارة عن الاخفاء ، (١) ثم قال : « ما في نفسك » على جهة المقابلة ، وإلا فالله منزه عن أن يكون له نفس أو قلب تحل فيه المعاني. (٢)

١٥ ـ يه : قال الصادق عليه‌السلام : قيل لعيسى بن مريم مالك لا تتزوج؟ فقال : وما أصنع بالتزويج؟ قالوا : يولد لك ، قال : وما أصنع بالاولاد؟ إن عاشوا فتنوا ، وإن ماتوا حزنوا. (٣)

بيان : حزنه (٤) بمعنى أحزنه.

١٦ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في بعض خطبه : وإن شئت قلت في عيسى بن مريم عليه‌السلام ، فلقد كان يتوسد الحجر ، ويلبس الخشن ، (٥) وكان إدامه الجوع ، وسراجه بالليل القمر ، وظلاله في الشتاء مشارق الارض ومغاربها ، وفاكهته وريحانه ماتنبت الارض للبهائم ، ولم تكن له زوجة تفتنه ، ولا ولد يحزنه ، ولا مال يلفته ، ولا طمع يذله ، دابته رجلاه ، وخادمه يداه. (٦)

بيان : ( كان إدامه الجوع ) لعل المعنى أن الانسان إنما يحتاج إلى الادام لانه يعسر على النفس أكل الخبز خاليا عنه ، فأما مع الجوع الشديد فيلتذ بالخبز ولا يطلب غيره ، فهو بمنزلة الادام ، أو أنه كان يأكل الخبز دون الشبع فكان الجوع مخلوطا به كالادام. ولفته يلفته : لواه وصرفه عن رأيه.

__________________

(١) لعل المراد بقوله : « ما في نفسي » على هذا الوجه نفسي ونفس أمثالي من سائر الانبياء عليهم‌السلام ، أو المراد ما يخصني من اثنين وسبعين حرفا ، فلا ينافى ماورد في سائر الاخبار من اختصاصه عليه‌السلام ببعض تلك الاسماء والله يعلم. منه طاب ثراه.

(٢) مجمع البيان ٣ : ٢٦٨ و ٢٦٩.

(٣) الفقيه : ٤٥٩ ، باب نوادر النكاح.

(٤) يحتمل كونه بالتخفيف والتشديد.

(٥) في المصدر بعده : ويأكل الجشب.

(٦) نهج البلاغة ١ : ٢٩٣.

٢٣٨

١٧ ـ ارشاد القلوب : قال عيسى عليه‌السلام : خادمي يداي ، ودابتي رجلاي ، وفراشي الارض ، ووسادي الحجر ، ودفئي في الشتاء مشارق الارض ، وسراجي بالليل القمر ، و إدامي الجوع ، وشعاري الخوف ، ولباسي الصوف ، وفاكهتي وريحانتي ما أنبتت الارض للوحوش والانعام ، أبيت وليس لي شئ ، وأصبح (١) وليس لي شئ ، وليس على وجه الارض أحد أغنى مني. (٢)

١٨ ـ مع : (٣) المظفر العلوي ، عن ابن العياشي ، عن أبيه ، عن الحسين ابن إشكيب ، (٤) عن عبدالرحمن بن حماد ، عن أحمد بن الحسن ، عن صدقة بن حسان ، عن مهران بن أبي نصر ، عن يعقوب بن شعيب ، عن أبي سعيد الاسكاف ، (٥) عن أبي جعفر (ع) قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في قول الله عزوجل : « وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين » قال : الربوة الكوفة ، والقرار : المسجد ، والمعين : الفرات. (٦)

١٩ ـ فس : قال علي بن إبراهيم في قوله : « وجعلنا ابن مريم وأمه آية » إلى قوله : « ومعين » قال : « الربوة » الحيرة ، وذات قرار ومعين : الكوفة. (٧)

بيان : لعل المعنى أن القرار هو الكوفة ، والمعين ماؤها ، أي الفرات ، والحيرة أي كربلا لقربها منهما أضيفت إليهما. (٨)

__________________

(١) في المصدر : ابيت وليس معي شئ ، وأصبحت وليس لي شئ.

(٢) ارشاد القلوب : ١٩١.

(٣) في طبعة أمين الضرب « شى » وهو وهم ظاهر ، لان الحديث مروي عن العياشي بوسائط. وهو موجود في معاني الاخبار.

(٤) في المصدر « اسكيت » بالمهملة والتاء ، والصحيح بالباء الموحدة ، فهو اما بالسين المهملة أو بالشين المعجمة على اختلاف.

(٥) هكذا في النسخ وفيه وهم ، والصحيح كما في المصدر : عن سعد الاسكاف.

(٦) معاني الاخبار : ١٠٦.

(٧) تفسير القمي : ٤٤٦.

(٨) روى الشيخ باسناده عن ابي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه وابن قولويه في كامل الزيارات عن علي بن الحسين بن موسى ، عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن الحكم ، عن سليمان بن نهيك ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله عزوجل « وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين » قال : الربوة : نجف الكوفة ، والمعين : الفرات.

٢٣٩

أقول : سيأتي في كتاب الغيبة في حديث المفضل بن عمر عن الصادق عليه‌السلام أن بقاع الارض تفاخرت ففخرت الكعبة على البقعة بكربلا ، فأوحى الله إليها : اسكتي ولا تفخري عليها ، فإنها البقعة المباركة التي نودي منها موسى من الشجرة ، وإنها الربوة التي آويت إليها مريم والمسيح ، وإن الدالية التي غسل فيها رأس الحسين عليه‌السلام فيها غسلت مريم عيسى عليه‌السلام واغتسلت لولادتها.

٢٠ ـ فس : « واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون » إلى قوله : « إنا إليكم مرسلون » أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن تفسير هذه الآية ، فقال : بعث الله رجلين إلى أهل مدينة أنطاكية ، فجاءاهم بما لايعرفونه ، فغلظوا عليهما فأخذوهما وحبسوهما في بيت الاصنام ، فبعث الله الثالث فدخل المدينة فقال : ارشدوني إلى باب الملك ، قال : فلما وقف على باب الملك قال : أنا رجل كنت أتعبد في فلاة من الارض ، وقد أحببت أن أعبد إله الملك ، فأبلغوا كلامه الملك فقال : أدخلوه إلى بيت الآلهة ، فأدخلوه فمكث سنة مع صاحبيه ، فقال لهما : بهذا ننقل قوما (١) من دين إلى دين لا بالخرق ، أفلا رفقتما؟ ثم قال لهما : لا تقران بمعرفتي ، ثم أدخل على الملك فقال له الملك : بلغني أنك كنت تعبد إلهي ، فلم أزل وأنت أخي فسلني حاجتك ، قال : مالي حاجة أيها الملك ، ولكن رجلين رأيتهما في بيت الآلهة فما حالهما؟ قال الملك : هذان رجلان أتياني يضلان عن ديني (٢) ويدعوان إلى إله سماوي ، فقال : أيها الملك فمناظرة جميلة ، فإن يكن الحق لهما اتبعناهما ، وإن يكن الحق لنا دخلا معنا في ديننا ، فكان لهما مالنا وعليهما ماعلينا ، قال : فبعث الملك إليهما فلما دخلا إليه قال لهما صاحبهما : ما الذي جئتماني (٣) به؟ قالا : جئنا ندعو إلى عبادة الله الذي خلق السماوات والارض ويخلق في الارحام مايشاء ويصور كيف يشاء ، وأنبت الاشجار والثمار ، وأنزل القطر من السماء ، قال : فقال لهما :

__________________

(١) في المصدر : ينقل قوم.

(٢) في نسخة : أتياني يبطلان ديني ، وفي المصدر : أتيا يضلان عن ديني.

(٣) في نسخة : جئتمانا به. وفي المصدر : جئتما به.

٢٤٠