بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

« معذرة إلى ربكم » معناه : موعظتنا إياهم معذرة إلى الله ، وتأدية لفرضه في النهي عن المنكر لئلا يقول لنا : لم لم تعظوهم ، ولعلهم بالوعظ يتقون ويرجعون « فلما نسوا ماذكروا به » أي فلما ترك أهل القرية ما ذكرهم الواعظون به ولم ينتهوا عن ارتكاب المعصية بصيد السمك « أنجينا الذين ينهون عن السوء » أي خلصنا الذين ينهون عن المعصية « وأخذنا الذين ظلموا أنفسهم بعذاب بئيس » أي شديد « بما كانوا يفسقون » أي بفسقهم وذلك العذاب لحقهم قبل أن مسخوا قردة ، عن الجبائي ، ولم يذكر حال الفرقة الثالثة هل كانت من الناجية أو من الهالكة.

وروي عن ابن عباس فيهم ثلاثة أقوال : أحدها : أنه نجت الفرقتان وهلكت الثالثة وبه قال السدي. والثاني : أنه هلكت الفرقتان ونجت الفرقة الناهية وبه قال ابن زيد ، وروي ذلك عن أبي عبدالله (ع). والثالث : التوقف فيه ، روي عن عكرمة ، قال : دخلت على ابن عباس وبين يديه المصحف وهو يبكي ويقرأ هذه الآية ، ثم قال : قد علمت أن الله تعالى أهلك الذين أخذوا الحيتان ، وأنجا الذين نهوهم ، ولم أدر ماصنع بالذين لم ينهوهم ولم يواقعوا المعصية ، وهذا حالنا ، واختاره الجبائي ، وقال الحسن : إنه نجا الفرقة الثالثة لانه ليس شئ أبلغ في الامر بالمعروف والوعظ من ذكر الوعيد وهم قد ذكروا الوعيد فقالوا : « الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا » وقال : قتل المؤمن أعظم والله من أكل الحيتان (١) « فلما عتوا عما نهوا عنه » أي عن ترك ما نهوا عنه ، يعني لم يتركوا ما نهوا عنه وتمردوا في الفساد والجرأة على المعصية وأبوا أن يرجعوا عنها « قلنا لهم كونوا قردة » أي جعلناهم قردة « خاسئين » مبعدين مطرودين ، وإنما ذكر « كن » ليدل عليه أنه سبحانه لا يمتنع عليه شئ ، وأجاز الزجاج أن يكون قيل لهم ذلك بكلام سمعوه فيكون ذلك أبلغ في الآية النازلة بهم ، وحكي ذلك عن أبي الهذيل ، قال قتادة : صاروا قردة لها أذناب تعاووا بعد أن كانوا رجالا ونساء ، وقيل : إنهم بقوا ثلاثة أيام ينظر إليهم الناس ثم هلكوا ولم يتناسلوا ، عن ابن عباس قال : ولم يمكث مسخ فوق

__________________

(١) لعله إشارة إلى ماتقدم عن علي بن الحسين عليهما‌السلام من قوله : فكيف ترى عند الله عز و جل حال من قتل أولاد رسول الله وهتك حريمه؟.

٦١

ثلاثة أيام ، وقيل : عاشوا سبعة أيام ثم ماتوا ، عن مقاتل ، وقيل : إنهم توالدوا ، عن الحسن ، وليس بالوجه ، لان من المعلوم أن القردة ليست من أولاد آدم ، كما أن الكلاب ليست منهم ، ووردت الرواية عن ابن مسعود قال : قال رسول الله (ص) : إن الله تعالى لم يمسخ شيئا فجعل له نسلا وعقبا.

القصة : قيل : كانت هذه القصة في زمن داود عليه‌السلام.

وعن ابن عباس قال : أمروا باليوم الذي أمرتم به يوم الجمعة فتركوه واختاروا يوم السبت فابتلوا به ، وحرم عليهم فيه الصيد ، وأمروا بتعظيمه ، فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعا بيضا سمانا حتى لا يرى الماء من كثرتها ، فمكثوا كذلك ماشاء الله لا يصيدون ، ثم أتاهم الشيطان وقال : إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت ، فاتخذوا الحياض والشبكات فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة ، ثم يأخذونها يوم الاحد ، وعن ابن زيد قال : أخذ رجل منهم حوتا وربط في ذنبه خيطا وشده إلى الساحل ، ثم أخذه يوم الاحد وشواه ، فلاموه على ذلك ، فلما لم يأته العذاب أخذوا ذلك وأكلوه وباعوه ، و كانوا نحوا من اثني عشر ألفا ، فصار الناس ثلاث فرق على ما تقدم ذكره ، فاعتزلتهم الفرقة الناهية ولم تساكنهم ، فأصبحوا يوما ولم يخرج من العاصية أحد فنظروا فإذا هم قردة ففتحوا الباب فدخلوا وكانت القردة تعرفهم وهم لا يعرفونها ، فجعلت تبكي فإذا قالوا لهم : ألم ننهكم؟ قالت برؤوسها : أن نعم ، قال قتادة : صارت الشبان قردة ، والشيوخ خنازير. (١)

١٤ ـ كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : « لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم » قال : الخنازير على لسان داود عليه‌السلام ، والقردة على لسان عيسى ابن مريم عليه‌السلام. (٢)

__________________

(١) مجمع البيان ٤ : ٤٩١ ٤٩٢ ٤٩٣.

(٢) روضة الكافي : ٢٠٠.

٦٢

شى : عن أبي عبيدة مثله. (١)

١٥ ـ فس : أبي ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة قال : سألته ، عن قوم من الشيعة (٢) يدخلون في أعمال السلطان ويعملون لهم ويجبون لهم ويوالونهم ، (٣) قال : ليس هم من الشيعة ولكنهم من أولئك. ثم قرأ أبوعبدالله عليه‌السلام هذه الآية : « لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم » إلى قوله : « ولكن كثيرا منهم فاسقون » قال : الخنازير على لسان داود ، والقردة على لسان عيسى. (٤)

بيان : اعلم أن تلك الروايات اتفقت على خلاف ماهو المشهور بين المفسرين و المؤرخين من كون المسخ الذي كان في زمان داود عليه‌السلام بأنهم صاروا قردة ، وإنما مسخ أصحاب المائدة خنازير ، وقد دل على الجزء الاول قوله تعالى : « كونوا قردة خاسئين » والحمل على سهو النساخ مع اتفاق التفسيرين والكافي والقصص عليه بعيد ، والحمل على غلط الرواة أيضا لا يخلو من بعد ، ويمكن توجيهه بوجهين : الاول أن لا يكون هذا الخبر إشارة إلى قصة أصحاب السبت بل إلى مسخ آخر وقع في زمان داود عليه‌السلام ولكن خبر القصص يأبى عنه إلا بتكلف بعيد. الثاني أنه يمكن أن يكون مسخهم في الزمانين بالصنفين معا ، ويكون المقصود في الآية جعل بعضهم قردة ، ويكون التخصيص في الخبر لعدم توهم التخصيص في الآية مع كون الفرد الآخر مذكورا فيها وفي الروايات المشهورة فلا حاجة إلى ذكره ويؤيده أن علي بن إبراهيم ذكر في الموضعين الصنفين معا.

وقال البيضاوي : قيل أهل أبلة (٥) لما اعتدوا في السبت لعنهم الله على لسان داود فمسخهم قردة وخنازير ، وأصحاب المائدة لما كفروا دعا عليهم عيسى ولعنهم فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل انتهى. (٦) وقال الثعلبي في أصحاب السبت : قال قتادة :

__________________

(١) تفسير العياشي مخطوط.

(٢) في المصدر : قال : سأل رجل أبا عبدالله عليه‌السلام عن قوم من الشيعة.

(٣) في المصدر : ويؤالفونهم.

(٤) تفسير القمي : ١٦٣.

(٥) في المصدر : « أيلة » وقد عرفت قبلا أنه الصحيح.

(٦) انوار التنزيل ١ : ٣٥٣.

٦٣

صار الشبان قرودا ، والشيوخ خنازير ، وما نجا إلا الذين نهوا. (١)

ثم اعلم أن الوجهين جاريان في خبري العياشي ، أعني رواية ابن نباتة وهارون ابن عبدالعزيز (٢) بأن يكونا إشارتين إلى قصة أخرى وإن كان متعلقها تلك القرية التي وقعت فيها عقوبة السبت ، أو بأن يكونوا مسخوا بتلك الاصناف جميعا بتلك الاسباب كلها.

وقال الطبرسي رحمه الله : قيل في معناه أقوال :

أحدها أن معناه : لعنوا على لسان داود فصاروا قردة ، وعلى لسان عيسى فصاروا خنازير ، وقال أبوجعفر الباقر عليه‌السلام : أما داود فإنه لعن أهل أبلة (٣) لما اعتدوا في سبتهم وكان اعتداؤهم في زمانه ، فقال : اللهم البسهم اللعنة مثل الرداء ومثل المنطقة على الحقوين. فمسخهم الله قردة ، وأما عيسى عليه‌السلام فإنه لعن الذين أنزلت عليهم المائدة ثم كفروا بعد ذلك.

وثانيها ماقاله ابن عباس إنه يريد في الزبور وفي الانجيل ، ومعنى هذا أن الله تعالى لعن في الزبور من يكفر من بني إسرائيل ، وفي الانجيل كذلك.

وثالثها أن يكون عيسى وداود عليهما‌السلام أعلما أن محمدا نبي مبعوث ولعنا من يكفر به انتهى. (٤)

والابلة (٥) بضم الهمزة والباء المشددة موضع البصرة الآن وهي إحدى الجنات الاربعة.

__________________

(١) العرائس : ١٦٠.

(٢) في نسخة : هارون بن عبد.

(٣) في المصدر : أيلة.

(٤) مجمع البيان ٣ : ٢٣١.

(٥) قد عرفت أن الصحيح أيلة ، وأكثر المصادر مطبقة عليه.

٦٤

( ابواب )

* ( قصص سليمان بن داود عليه السلام ) *

( باب ٥ )

* ( فضله ومكارم أخلاقه وجمل أحواله ) *

الايات ، النساء « ٤ » وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان ١٦٣.

الانعام « ٦ » ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان ٨٤.

الانبياء « ٢١ » ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الارض التي باركنا فيها كنا بكل شئ عالمين * ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين ٨١ و ٨٢.

النمل « ٢٧ » ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين * وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين ١٥ و ١٦.

سبأ « ٣٤ » ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر وأسلنا له عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير * يعملون له مايشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ١٢ و ١٣.

ص « ٣٨ » ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب * قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لاينبغي لاحد من بعدي إنك أنت الوهاب * فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب * والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين في الاصفاد *

٦٥

هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب * وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ٣٤ ٤٠.

تفسير : قال المفسرون : الارض التي باركنا فيها هي الشام ، ووجه وصف الريح تارة بالعاصفة وأخرى بالرخاء بوجوه : الاول : أنها كانت تارة كذا وتارة كذا بحسب إرادته ، والثاني : أنها كانت في بدء الامر عاصفة لرفع البساط وقلعه ، ثم كانت تصير رخاء عند تسييرها ، والثالث : أن العصف عبارة عن سرعة سيرها والرخاوة عن كونها لينة طيبة في نفسها ، الرابع : أن الرخاوة كناية عن انقيادها له في كل ما أمرها به.

وقال الطبرسي رحمه الله : وقيل : كانت الريح تجري به في الغداة مسيرة شهر ، وفي الرواح كذلك ، وكان يسكن بعلبك ، (١) ويبنى له بيت المقدس ، ويحتاج إلى الخروج إليها وإلى غيرها ، قال وهب : وكان سليمان يخرج إلى مجلسه فتعكف عليه الطير ويقوم له الانس والجن حتى يجلس على سريره ويجتمع معه جنوده ، ثم تحمله الريح إلى حيث أراد.

قوله تعالى : « من يغوصون له » أي في البحر فيخرجون له الجواهر واللآلي « و يعملون عملا دون ذلك » أي سوى ذلك من الابنية كالمحاريب والتماثيل وغيرهما « وكنا لهم حافظين » لئلا يهربوا منه ويمتنعوا عليه ، وقيل : من أن يفسدوا ماعملوه. (٢)

قوله : « علما » قال : أي بالقضاء بين الخلق وبكلام الطير والدواب » وورث سليمان » فيه دلالة على أن الانبياء يورثون المال كتوريث غيرهم ، وقيل : إنه ورثه علمه ونبوته وملكه دون سائر أولاده ، (٣) والصحيح عند أهل البيت عليهم‌السلام هو الاول « علمنا منطق الطير » أهل العربية يقولون : لا يطلق النطق على غير بني آدم ، وإنما يقال الصوت ،

__________________

(١) بعلبك بالفتح ثم السكون وفتح اللام والباء ثم الكاف مشددة : مدينة قديمة فيها ابنية عجيبة وآثار عظيمة وقصور على أساطين الرخام لا نظير لها في الدنيا ، بينها وبين دمشق ثلاثة ايام ، و قيل : اثنا عشر فرسخا من جهة الساحل ، وهو اسم مركب من بعل اسم صنم وبك ، اما اسم رجل او جعلوه يبك الاعناق اي يدقها. قاله ياقوت.

(٢) مجمع البيان ٧ : ٥٩.

(٣) في المصدر : ومعنى الميراث هنا انه قام مقامه في ذلك فاطلق عليه اسم الارث كما اطلق على الجنة اسم الارث ، عن الجبائي ، وهذا خلاف للظاهر ، والصحيح اه.

٦٦

لان النطق عبارة عن الكلام ولا كلام للطير إلا أنه لما فهم سليمان معنى صوت الطير سماه منطقا مجازا ، وقيل : إنه أراد حقيقة المنطق لان من الطير ماله كلام يهجي (١) كالطوطي. وقال علي بن عيسى : إن الطير كانت تكلم سليمان معجزة له كما أخبر عن الهدهد ، ومنطق الطير صوت يتفاهم به معانيها على صيغة واحدة بخلاف منطق الناس الذي يتفاهمون به المعاني على صيغ مختلفة ، ولذلك لم نفهم عنها مع طول مصاحبتها ، ولم تفهم هي عنا لان أفهامها مقصورة على تلك الامور المخصوصة ، ولما جعل سليمان يفهم عنها كان قد علم منطقها « وأوتينا من كل شئ » أي من كل شئ يؤتى الانبياء والملوك وقيل : من كل شئ يطلبه طالب لحاجته إليه وانتفاعه به (٢) « حيث أصاب » أي أراد من النواحي « والشياطين » أي وسخرنا له الشياطين « وآخرين مقرنين في الاصفاد » أي وسخرنا له آخرين من الشياطين مشددين في الاغلال والسلاسل من الحديد ، وكان يجمع بين اثنين وثلاثة منهم في سلسلة لا يمتنعون عليه إذا أراد ذلك بهم عند تمردهم ، وقيل : إنه إنما كان يفعل ذلك بكفارهم فإذا آمنوا أطلقهم « هذا » أي ما تقدم من الملك « عطاؤنا فامنن أو أمسك » أي فأعط من الناس من شئت وامنع من شئت « بغير حساب » أي لاتحاسب يوم القيامة على ماتعطي وتمنع. (٣)

١ ـ فس : « ولسليمان الريح عاصفة » قال : تجري من كل جانب « إلى الارض التي باركنا فيها » قال : إلى بيت المقدس والشام. (٤)

٢ ـ ك : القطان ، عن السكري ، عن الجوهري ، عن ابن عمارة ، عن أبيه ، عن الصادق (ع) قال : إن داود عليه‌السلام أراد أن يستخلف سليمان عليه‌السلام لان الله عزوجل أوحى إليه يأمره بذلك ، فلما أخبر بني إسرائيل ضجوا من ذلك ، وقالوا : يستخلف علينا

__________________

(١) في المصدر : كلام مهجى.

(٢) مجمع البيان ٧ : ٢١٤. وفيه : وقيل : من كل شئ علما وتسخيرا في كل ما يصلح ان يكون معلوما لنا او مسخرا لنا غير ان مخرجه مخرج العموم فيكون ابلغ واحسن.

(٣) مجمع البيان ٨ : ٤٧٧.

(٤) تفسير القمي : ٤٣١ ٤٣٢.

٦٧

حدثا (١) وفينا من هو أكبر منه؟ فدعا أسباط بني إسرائيل فقال لهم : قد بلغتني مقالتكم فأروني عصيكم ، فأي عصا أثمرت فصاحبها ولي الامر بعدي ، فقالوا : رضينا ، وقال : ليكتب كل واحد منكم اسمه على عصاه ، فكتبوا ثم جاء سليمان بعصاه فكتب عليها اسمه ثم أدخلت بيتا وأغلق الباب وحرسه رؤوس أسباط بني إسرائيل ، فلما أصبح صلى بهم الغداة ثم أقبل ففتح الباب فأخرج عصيهم وقد أورقت عصا سليمان وقد أثمرت ، فسلموا ذلك لداود فاختبره بحضرة بني إسرائيل فقال له : يا بني أي شئ أبرد؟ قال : عفو الله عن الناس ، وعفو الناس بعضهم عن بعض ، قال : يا بني فأي شئ أحلى؟ قال : المحبة وهي روح الله في عباده ، فافتر (٢) داود ضاحكا ، فسار به في بني إسرائيل فقال : هذا خليفتي فيكم من بعدي ، ثم أخفى سليمان بعد ذلك أمره وتزوج بامرأة واستتر من شيعته ماشاء الله أن يستتر ، ثم إن امرأته قالت له ذات يوم : بأبي أنت وأمي ما أكمل خصالك وأطيب ريحك! ولا أعلم لك خصلة أكرهها إلا أنك في مؤونة أبي ، فلو دخلت السوق فتعرضت لرزق الله رجوت أن لايخيبك ، فقال لها سليمان : إني والله ماعملت عملا قط ولا أحسنه ، فدخل السوق فجال يومه ذلك ثم رجع فلم يصب شيئا ، فقال لها : ما أصبت شيئا ، قالت : لا عليك إن لم يكن اليوم كان غدا ، فلما كان من الغد خرج إلى السوق فجال فيه (٣) فلم يقدر على شئ ورجع فأخبرها ، فقالت : يكون غدا إن شاء الله ، فلما كان في اليوم الثالث مضى حتى انتهى إلى ساحل البحر فإذا هو بصياد فقال له : هل لك أن أعينك وتعطينا شيئا؟ قال : نعم ، فأعانه فلما فرغ أعطاه الصياد سمكتين فأخذهما وحمد الله عزوجل ، ثم إنه شق بطن إحداهما فإذا هو بخاتم في بطنها ، فأخذه فصيره في ثوبه (٤) وحمد الله ، وأصلح السمكتين وجاء بهما إلى منزله ، وفرحت امرأته بذلك ، وقالت له : إني أريد أن تدعو أبوي حتى يعلما أنك قد كسبت ، فدعاهما فأكلا معه ، فلما فرغوا قال لهم : هل

__________________

(١) الحدث : الشاب.

(٢) افتر الرجل : ضحك ضحكا حسنا.

(٣) في المصدر : فجال يومه.

(٤) في المصدر : فصره في ثوبه. أي ربطه في ثوبه.

٦٨

تعرفوني؟ قالوا : لا والله إلا أنا لم نر خيرا منك ، (١) فأخرج خاتمه فلبسه فخر عليه الطير والريح وغشيه الملك ، وحمل الجارية وأبويها إلى بلاد إصطخر ، واجتمعت إليه الشيعة و استبشروا به ، ففرج الله عنهم مما كانوا فيه من حيرة غيبته ، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى آصف بن برخيا بإذن الله تعالى ذكره ، فلم يزل بينهم يختلف إليه الشيعة ويأخذون عنه معالم دينهم ، ثم غيب الله عزوجل آصف غيبة طال أمدها ، ثم ظهر لهم فبقي بين قومه ماشاء الله ، ثم إنه ودعهم فقالوا له : أين الملتقى؟ قال : على الصراط ، وغاب عنهم ماشاء الله ، واشتدت البلوى على بني إسرائيل بغيبته وتسلط عليهم بخت نصر. (٢)

أقول : تمام الخبر في باب قصة طالوت.

ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن محمد العطار ، عن ابن أبان ، عن ابن أورمة ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حنان بن سدير ، عن أبي الخطاب ، عن العبد الصالح مثله إلى قوله : فافتر داود ضاحكا.

٣ ـ ما : الحسين بن إبراهيم القزويني ، عن محمد بن وهبان ، عن أحمد بن إبراهيم ابن أحمد ، عن الحسن بن علي الزعفراني ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (ع) قال : إن سليمان عليه‌السلام لما سلب ملكه خرج على وجهه فضاف رجلا عظيما فأضافه وأحسن إليه ، ونزل سليمان منه منزلا عظيما لما رأى من صلاته وفضله ، قال : فزوجه بنته ، فقال له بنت الرجل (٣) حين رأت منه مارأت : بأبي أنت وأمي ما أطيب ريحك وأكمل خصالك! لا أعلم فيك خصلة أكرهها إلا أنك في مؤونة أبي ، قال : فخرج حتى أتى الساحل فأعان صيادا على ساحل البحر فأعطاه السمكة التي وجد في بطنها خاتمه. (٤)

٤ ـ ج : في حديث الزنديق الذي سأل الصادق عليه‌السلام عن مسائل كان فيما سأله :

__________________

(١) في المصدر : الا أنا لم نر إلا خيرا منك.

(٢) كمال الدين : ٩١ و ٩٣ ٩٤.

(٣) الصحيح كما في المصدر : فقالت له بنت الرجل.

(٤) المجالس : ٥٧.

٦٩

كيف صعدت الشياطين إلى السماء وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود (ع) من البناء مايعجز عنه ولد آدم؟ قال عليه‌السلام : غلظوا لسليمان كما سخروا وهم خلق رقيق غذاؤهم التنسم ، (١) والدليل على ذلك صعودهم إلى السماء لاستراق ( السمع )؟ ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها إلا بسلم أو سبب. (٢)

٥ ـ كا : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه أو غيره ، عن سعد بن سعد عن الحسن بن الجهم ، عن أبي الحسن (ع) قال : كان لسليمان بن داود (ع) ألف امرأة في قصر واحد ثلاث مائة مهيرة ، (٣) وسبعمائة سرية. (٤)

٦ ـ كا : علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، رفعه عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن أول من اتخذ السكر سليمان بن داود عليه‌السلام. (٥)

٧ ـ ص : الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام ابن سالم ، عن الثمالي ، عن أبي جعفر (ع) قال : كان ملك ( سليمان )؟ مابين الشامات إلى بلاد إصطخر. (٦)

٨ ـ دعوات الراوندي : قال الصادق عليه‌السلام : كان سليمان عليه‌السلام يطعم أضيافه اللحم بالحواري وعياله الخشكار ، ويأكل هو الشعير غير منخول. (٧)

بيان : الخبز الحواري : الذي نخل مرة بعد مرة. (٨) والخشكار لم أجده في أكثر كتب اللغة ، فكأنه معرب مولد ، وفي كتب الطب وبعض كتب اللغة أنه الخبز المأخوذ من الدقيق غير المنخول ، وقيل : إنه الخبز اليابس ، والاول هو المراد ههنا.

٩ ـ نهج : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ولو أن أحدا يجد إلى البقاء سلما أو لدفع

__________________

(١) في المصدر : غذاؤهم النسيم.

(٢) احتجاج الطبرسي : ١٨٥.

(٣) المهيرة من النساء : الحرة الغالية المهر.

(٤) فروع الكافي ٢ : ٧٨ و ٧٩.

(٥) فروع الكافي ٢ : ١٧٤.

(٦) قصص الانبياء مخطوط.

(٧) دعوات الراوندي مخطوط.

(٨) والدقيق الابيض.

٧٠

الموت سبيلا لكان ذلك سليمان بن داود عليه‌السلام ، الذي سخر له ملك الجن والانس مع النبوة ، وعظيم الزلفة ، (١) فلما استوفى طعمته واستكمل مدته رمته قسي الفناء بنبال الموت ، وأصبحت الديار منه خالية ، والمساكن معطلة ، ورثها قوم آخرون. (٢)

١٠ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى زيد الشحام ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قوله تعالى : « اعملوا آل داود شكرا » قال : كانوا ثمانين رجلا وسبعين امرأة ، ما أغب المحراب رجل واحد منهم يصلي فيه ، وكانوا آل داود ، فلما قبض داود عليه‌السلام ولى سليمان عليه‌السلام قال : يا أيها الناس علمنا منطق الطير ، سخر الله له الجن والانس ، وكان لايسمع بملك في ناحية الارض إلا أتاه حتى يذله ويدخله في دينه ، وسخر الريح له ، فكان إذا خرج إلى مجلسه عكف عليه الطير وقام الجن والانس ، وكان إذا أراد أن يغزو أمر بمعسكره فضرب له بساطا من الخشب ، ثم جعل عليه الناس والدواب وآلة الحرب كلها حتى إذا حمل معه مايريد أمر العاصف من الريح فدخلت تحت الخشب فحمله حتى ينتهي به إلى حيث يريد ، وكان غدوها شهرا ورواحها شهرا. (٣)

بيان : ما أغب المحراب أي لم يكونوا يأتون المحراب غبا ، بل كان كل منهم يواظبه. *

__________________

(١) الزلفة : القربة. الدرجة. المنزلة.

(٢) نهج البلاغة ١ : ٣٤١ ٣٤٢.

(٣) قصص الانبياء مخطوط.

* روى الثعلبي انه نزل كتاب من السماء على داود عليه‌السلام مختوما بخاتم من ذهب فيه ثلاث عشرة مسألة ، فاوحى الله إلى داود أن سل عنها ابنك سليمان فان أخبر بهن فهو الخليفة من بعدك قال : فدعا داود سبعين قسا وسبعين حبرا وأجلس سليمان بين ايديهم ، فقال : أخبرني يا بني ما أقرب الاشياء؟ وما ابعد الاشياء؟ وما آنس الاشياء؟ وما اوحش الاشياء؟ وما أحسن الاشياء؟ وما أقبح الاشياء؟ وما أقل الاشياء؟ وما اكثر الاشياء؟ وما القائمان؟ وما المختلفان؟ وما المتباغضان؟ وما الامر الذي اذا ركبه الرجل حمد آخره؟ والامر الذي اذا ركبه الرجل ذم آخره؟

قال سليمان : أما أقرب الاشياء فالاخرة ، واما ابعد الاشياء فما فاتك من الدنيا ، واما آنس الاشياء فجسد فيه روح ناطق ، واما أوحش الاشياء فجسد بلا روح ، واما احسن الاشياء فالايمان بعد الكفر ، واما اقبح الاشياء فالكفر بعد الايمان ، واما اقل الاشياء فاليقين ، واما اكثر الاشياء فالشك *

٧١

١١ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق ، بإسناده عن أبي حمزة ، عن الاصبغ قال : خرج سليمان بن داود عليه‌السلام من بيت المقدس مع ثلاثمائة ألف كرسي عن يمينه عليها الانس ، وثلاثمائة ألف كرسي عن يساره عليها الجن ، وأمر الطير فأظلتهم ، وأمر الريح فحملتهم حتى وردت بهم المدائن ، ثم رجع وبات في إصطخر ، ثم غدا فانتهى إلى جزيرة بركاوان (١) ثم أمر الريح فخفضتهم حتى كادت أقدامهم يصيبها الماء ، فقال بعضهم لبعض : هل رأيتم ملكا أعظم من هذا؟ فنادى ملك من السماء : لثواب تسبيحة واحدة أعظم مما رأيتم. (٢) فس : أبي ، عن ابن أبي نصر ، عن أبان ، عن أبي حمزة مثله. (٣)

١٢ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن أبي ولاد ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان لسليمان عليه‌السلام حصن بناه الشياطين له فيه ألف بيت ، في كل بيت طروقة ، منهن سبعمائة أمة قبطية ، وثلاثمائة حرة مهيرة ، فأعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلا في مباضعة النساء (٤) وكان يطوف بهن جميعا ويسعفهن (٥) قال : وكان سليمان (ع) يأمر الشياطين فتحمل له الحجارة من موضع إلى موضع ، فقال لهم إبليس : كيف أنتم؟ قالوا : مالنا طاقة بما نحن

__________________

* واما القائمان فالسماء والارض ، واما المختلفان فالليل والنهار ، واما المتباغضان فالموت والحياة ، واما الامر الذي اذا ركبه الرجل حمد آخره فالحلم على الغضب ، واما الامر الذي اذا ركبه الرجل ذم آخره فالحدة على الغضب.

قال : ففك ذلك الخاتم فاذا هذه المسائل سواء على ما نزل من السماء ، فقال القسيسون و الاحبار : ما الشئ الذي اذا صلح صلح كل شئ من الانسان واذا فسد فسد كل شئ منه؟ فقال : القلب ، فرضوا بخلافته. منه رحمه الله. قلت؟ ذكره الثعلبي في العرائس : ١٦١ وفيه بعد قوله : وما القائمان : وما الساعيان؟ وما المشتركان؟ وايضا بعد قوله : فالسماء والارض : واما الساعيان فالشمس والقمر ، واما المشتركان فالليل والنهار. وفيه : ففكوا الخاتم.

(١) قال ياقوت : بركاوان : ناحية بفارس. بالفتح والسكون.

(٢) قصص الانبياء مخطوط. وفي نسخة : وتسبيحة واحدة في الله.

(٣) تفسير القمي : ٥٦٨.

(٤) المباضعة : المجامعة.

(٥) سعف واسعف بحاجته : قضاها له.

٧٢

فيه ، فقال إبليس : أليس تذهبون بالحجارة وترجعون فراغا؟ قالوا : نعم ، قال : فأنتم في راحة ، فأبلغت الريح سليمان ماقال إبليس للشياطين ، فأمرهم يحملون الحجارة ذاهبين ويحملون الطين راجعين إلى موضعها ، فتراءى لهم إبليس فقال : كيف أنتم؟ فشكوا إليه ، فقال : ألستم تنامون بالليل؟ قالوا : بلى ، قال : فأنتم في راحة ، فأبلغت الريح ما قالت الشياطين وإبليس فأمرهم أن يعملوا بالليل والنهار ، فما لبثوا إلا يسيرا حتى مات سليمان ، وقال : خرج سليمان يستسقي ومعه الجن والانس فمر بنملة عرجاء (١) ناشرة جناحها ، رافعة يدها ، وتقول : اللهم إنا خلق من خلقك ، لاغنى بنا عن رزقك فلا تؤاخذنا بذنوب بني آدم واسقنا ، فقال سليمان عليه‌السلام لمن كان معه : ارجعوا فقد شفع فيكم غيركم. (٢) وفي خبر : قد كفيتم بغيركم. (٣)

بيان : قال الجوهري : طروقة الفحل : أنثاه.

١٣ ـ سن : اليقطيني ، عن الدهقان ، عن درست ، عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : مابعث الله نبيا قط إلا عاقلا ، وبعض النبيين أرجح من بعض ، وما استخلف داود سليمان حتى اختبر عقله ، واستخلف داود سليمان وهو ابن ثلاثة عشر سنة ، ومكث في ملكه أربعين سنة ، وملك ذو القرنين وهو ابن اثني عشر سنة ومكث في ملكه ثلاثين سنة. (٤)

١٤ ـ سن : أبي وعلي بن عيسى الانصاري ، عن محمد بن سليمان الديلمي ، عن أبي الحسن الثاني عليه‌السلام قال : إن سليمان بن داود عليهما‌السلام أتته امرأة عجوز مستعدية على

__________________

(١) عرجاء مؤنث اعرج ، فهي من اصابته مرض في رجلها فتمشي مشية غير متساوية فيميل جسدها خطوة إلى اليمين وخطوة إلى الشمال.

(٢) شفع لفلان أو فيه إلى زيد : طلب من زيد ان يعاونه.

(٣) قصص الانبياء مخطوط ، ورواه المسعودي في اثبات الوصية قال : روى ان القحط اشتد في زمانه فشكا الناس اليه ذلك وسألوه ان يستسقي لهم فخرج معهم ، فلما ان صار في بعض الطريق اذا هو بنملة رافعة يديها إلى السماء ، واضعة رجليها في الارض وهي تقول. ثم ذكر مثله الا انه قال فلا تهلكنا ، وفيه ايضا : فقد سقيتم بغيركم.

(٤) محاسن البرقي : ١٩٣.

٧٣

الريح ، فدعا سليمان الريح فقال لها : مادعاك إلى ماصنعت بهذه المرأة؟ قالت : إن رب العزة بعثني إلى سفينة بني فلان لانقذها من الغرق ، وكانت قد أشرفت على الغرق ، فخرجت في سنتي (١) عجلى إلى ما أمرني الله به ، ومررت بهذه المرأة وهي على سطحها فعثرت بها ولم أردها فسقطت فانكسرت يدها ، فقال سليمان : يارب بما أحكم على الريح؟ فأوحى الله إليه : ياسليمان احكم بأرش كسر هذه المرأة على أرباب السفينة التي أنقذتها الريح من الغرق ، فإنه لا يظلم لدي أحد من العالمين. (٢)

١٥ ـ سن : علي بن الحكم ، عن أبان ، عن أبي العباس ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قوله : « يعملون له مايشاء من محاريب وتماثيل » فقال : والله ماهي تماثيل الرجال و ( النساء )؟ ولكن الشجر وشبهه. (٣)

كا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن داود بن الحصين ، عن الفضل بن العباس مثله. (٤)

١٦ ـ سر : من كتاب أبان بن تغلب ، عن ابن أسباط وابن أبي نجران والوشاء جميعا ، عن محمد بن حمران ، عن أبي عبدالله (ع) أو عن زرارة عنه (ع) (٥) قال : آخر نبي يدخل الجنة (٦) سليمان بن داود عليه‌السلام وذلك لما أعطي في الدنيا. (٧)

١٧ ـ مكا : عن زروان المدائني ، (٨) عن أبي الحسن الثاني عليه‌السلام قال : لقد كان لسليمان عليه‌السلام ألف امرأة في قصر : ثلاث مائة مهيرة ، وسبعمائة سرية ، وكان يطيف بهن في كل يوم وليلة.

__________________

(١) في المصدر : في سنن ( عجلى )؟.

(٢) محاسن البرقي : ٣٠٢ ، وللحديث صدر تركه المصنف هنا.

(٣) محاسن البرقي : ٦١٨.

(٤) الفروع ٢ : ٢٢٦. وفيه : « عن الفضل أبي العباس » وهو الصحيح ، والرجل هو أبوالعباس فضل بن عبدالملك البقباق.

(٥) في المصدر : شك من الحسن.

(٦) في المصدر : آخر من يدخل الجنة من النبيين سليمان بن داود.

(٧) السرائر : ٤٦٧.

(٨) في المطبوع : ذروان المدائني ، وليست له في كتب التراجم ذكر حتى يضبط صحيحه.

٧٤

بيان : طيف تطييفا : أكثر الطواف ، وفي بعض النسخ يطوف ، أي كان يأتيهن جميعا إما بالزيادة أو بالجماع أيضا.

١٨ ـ محص : (١) عن عبدالله بن سنان قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : إن آخر الانبياء دخولا إلى الجنة سليمان عليه‌السلام ، وذلك لما أعطي من الدنيا.

١٩ ـ يه : بإسناده الصحيح عن زرارة ، عن أبي جعفر (ع) قال : إن سليمان عليه‌السلام قد حج البيت في الجن والانس والطير والرياح ، وكسا البيت القباطي. (٢)

بيان القبطية : (٣) ثوب ينسب إلى مصر ، والجمع قباطي بالضم والكسر. (٤)

٢٠ ـ يه : بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن أول من كسا البيت الثياب سليمان بن داود عليه‌السلام ، كساه القباطي. (٥)

٢١ ـ فس : « ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر » قال : كانت الريح تحمل كرسي سليمان فتسير به في الغداة مسيرة شهر ، وبالعشي مسيرة شهر « وأسلنا له عين القطر » أي الصفر « محاريب وتماثيل » قال : الشجر (٦) « وجفان كالجواب » أي جفنة كالحفرة « وقدور راسيات » أي ثابتات. ثم قال : « اعملوا آل داود شكرا » قال : اعملوا ما تشكرون عليه. (٧)

بيان : يمكن قراءة تشكرون على المعلوم والمجهول ولعل الاخير أظهر.

تفسير : قال الطبرسي نور الله مضجعه : « ولسليمان الريح » أي وسخرنا لسليمان الريح « غدوها شهر ورواحها شهر » أي مسير غدو تلك الريح المسخرة له مسيرة شهر ، ومسير رواحها مسيرة شهر ، والمعنى أنها كانت تسير في اليوم مسيرة شهرين للراكب ، قال قتادة : كانت تغدو مسيرة شهر إلى نصف النهار ، وتروح مسيرة شهر إلى آخر النهار ، وقال الحسن : كانت تغدو من

__________________

(١) في نسخة : ( ختص ) وليست عندنا نسخة الكتابين حتى ( يتعين )؟ صحيحه.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ٢١٣.

(٣) بضم القاف وكسره وسكون الباء.

(٤) وقد يشدد الياء.

(٥) من لايحضره الفقيه : ٢١٣.

(٦) اي يعملون تماثيل الشجر.

(٧) تفسير القمي : ٥٣٦ ٥٣٧.

٧٥

دمشق فيقيل بإصطخر من أرض إصفهان (١) وبينهما مسيرة شهر للمسرع ، وتروح من إصطخر ، فتبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر تحمله الريح مع جنوده ، أعطاه الله الريح بدلا من الصافنات الجياد « وأسلنا له عين القطر » أي أذبنا له عين النحاس وأظهرنا له ، قالوا : جرت له عين الصفر ثلاثة أيام بلياليهن جعلها الله له كالماء ، وإنما يعمل الناس بما أعطي لسليمان منه (٢) « ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه » المعنى : وسخرنا له من الجن من يعمل بحضرته وأمام عينه ما يأمرهم به من الاعمال كما يعمل الآدمي بين يدي الآدمي بأمر ربه تعالى ، وكان يكلفهم الاعمال الشاقة مثل عمل الطين وغيره ، وقال ابن عباس : سخرهم الله لسليمان وأمرهم بطاعته فيما يأمرهم به ، وفي هذا دلالة على أنه قد كان من الجن من هو غير مسخر له « ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير » المعنى : و من يعدل من هؤلاء الجن الذين سخرناهم لسليمان عما أمرناهم به من طاعة سليمان نذقه من عذاب السعير ، أي عذاب النار في الآخرة ، عن أكثر المفسرين ، وفي هذا دلالة على أنهم قد كانوا مكلفين ، وقيل : معناه : نذيقه العذاب في الدنيا ، وأن الله سبحانه وكل بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ منهم عن طاعة سليمان ضربه ضربة أحرقته « يعملون له ما يشاء من محاريب » وهي البيوت الشريفة ، (٣) وقيل : هي القصور و المساجد يتعبد فيها ، عن قتادة والجبائي ، قال : وكان مما عملوه بيت المقدس ، وقد كان الله عزوجل سلط على بني إسرائيل الطاعون ، فهلك خلق كثير في يوم واحد ، فأمرهم داود عليه‌السلام أن يغتسلوا ويبرزوا إلى الصعيد بالذراري والاهلين ويتضرعوا إلى الله تعالى لعله يرحمهم ، وذلك صعيد بيت المقدس قبل بناء المسجد ، وارتفع داود (ع) فوق الصخرة فخر ساجدا يبتهل إلى الله سبحانه وسجدوا معه ، فلم يرفعوا رؤوسهم حتى كشف الله عنهم الطاعون ، فلما أن شفع الله (٤) داود في بني إسرائيل جمعهم داود بعد ثلاث وقال لهم :

__________________

(١) هكذا في نسخ وفي المصدر ، وفي نسخة : من أرض همدان ، والصحيح أنها من مدن فارس ، بينه وبين شيراز اكثر من عشرة فراسخ.

(٢) في المصدر : بما اعطى سليمان منه.

(٣) في المصدر : وهي بيوت الشريعة.

(٤) أي قبل شفاعته فيهم.

٧٦

إن الله تعالى قد من عليكم ورحمكم فجددوا له شكرا بأن تتخذوا من هذا الصعيد الذي رحمكم فيه مسجدا ، ففعلوا وأخذوا في بناء بيت المقدس ، فكان داود عليه‌السلام ينقل الحجارة لهم على عاتقه ، وكذلك خيار بني إسرائيل حتى رفعوه قامة ، ولداود عليه‌السلام يومئذ سبع وعشرون ومائة سنة ، فأوحى الله تعالى إلى داود : إن تمام بنائه يكون على يد ابنه سليمان ، فلما صار داود ابن أربعين ومائة سنة توفاه الله ، واستخلف سليمان فأحب إتمام بيت المقدس فجمع الجن والشياطين فقسم عليهم الاعمال ، يخص كل طائفة منهم بعمل فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والمها (١) الابيض الصافي من معادنه ، وأمر ببناء المدينة من الرخام والصفاح ، (٢) وجعلها اثني عشر ربضا ، وأنزل كل ربض منها سبطا من الاسباط ، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد فوجه الشياطين فرقا فرقة يستخرجون الذهب واليواقيت من معادنها ، وفرقة يقلعون الجواهر والاحجار من أماكنها ، وفرقة يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب ، وفرقة يأتونه بالدر من البحار ، فأوتي من ذلك بشئ لا يحصيه إلا الله تعالى ، ثم أحضر الصناع وأمرهم بنحت تلك الاحجار حتى صيروها ألواحا ، ومعالجة تلك الجواهر واللآلي ، وبنى سليمان المسجد بالرخام الابيض والاصفر والاخضر ، وعمده بأساطين المها الصافي ، وسقفه بألواح الجواهر ، (٣) وفصص سقوفه وحيطانه باللآلي واليواقيت والجواهر ، وبسط أرضه بألواح الفيروزج ، فلم يكن في الارض بيت أبهى منه ولا أنور من ذلك المسجد ، كان يضئ في الظلمة كالقمر ليلة البدر ، فلما فرغ منه جمع إليه خيار بني إسرائيل فأعلمهم أنه بناه لله تعالى ، واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدا ، فلم يزل بيت المقدس على مابناه سليمان حتى إذا غزا بخت نصر بني إسرائيل فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد وأخذ ما في سقوفه وحيطانه من الذهب والدرر (٤) واليواقيت والجواهر ، فحملها إلى دار مملكته من أرض

__________________

(١) المها جمع المهاة بالفتح وهي البلورة والربض بالتحريك : سور المدينة. ومأوى الغنم والناحية. وكل مايؤوى اليه ويستراح لديه من مال وبيت ونحوه ، منه قدس الله سره.

(٢) الصفاح بالضم وتشديد الفاء : الحجارة العريضة الرقيقة.

(٣) في نسخة : بأنواع الجواهر.

(٤) في المصدر : من الذهب والفضة والدرر.

٧٧

العراق ، قال سعيد بن المسيب : لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس تغلقت أبوابه فعالجها سليمان فلم تنفتح حتى قال في دعائه : بصلوات أبي داود إلا فتحت الابواب ، ففرغ له سليمان (١) عشرة آلاف من قراء بني إسرائيل خمسة آلاف بالليل وخمسة آلاف بالنهار ولا تأتي ساعة من ليل ولا نهار إلا ويعبد الله فيها « وثماثيل » يعني صورا من نحاس و شبه (٢) وزجاج ورخام كانت الجن تعملها.

ثم اختلفوا فقال بعضهم : كانت صورا للحيوانات ، وقال آخرون : كانوا يعملون صور السباع والبهائم على كرسيه ليكون أهيب له ، فذكروا أنهم صوروا أسدين أسفل كرسيه ، ونسرين فوق عمودي كرسيه ، فكان إذا أراد أن يصعد على الكرسي بسط الاسدان ذراعيهما ، وإذا علا على الكرسي نشر النسران أجنحتهما فظللاه من الشمس ، ويقال : إن ذلك كان مما لا يعرفه أحد من الناس ، فلما حاول بخت نصر صعود الكرسي بعد سليمان حين غلب على بني إسرائيل لم يعرف كيف كان يصعد سليمان عليه‌السلام فرفع الاسد ذراعيه فضرب ساقه فقدها فخر مغشيا عليه ، فما جسر أحد بعده أن يصعد ذلك الكرسي ، قال الحسن : ولم تكن يومئذ التصاوير محرمة وهي محظورة في شريعة نبينا (ص) فإنه قال : « لعن الله المصورين » ويجوز أن يكره ذلك في زمن دون زمن ، وقد بين الله سبحانه أن المسيح عليه‌السلام كان يصور بأمر الله من الطين كهيئة الطير ، وقال ابن عباس : كانوا يعملون صور الانبياء والعباد في المساجد ليقتدى بهم ، وروي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : والله ماهي تماثيل الرجال والنساء ولكنها الشجر وما أشبهه.

« وجفان كالجواب » أي صحاف كالحياض التي يجبى فيها الماء أي يجمع ، وكان سليمان عليه‌السلام يصلح طعام جيشه في مثل هذه الجفان ، فإنه لم يمكنه أن يطعمهم في مثل قصع الناس لكثرتهم ، وقيل : إنه كان يجمع على كل جفنة ألف رجل يأكلون بين يديه « وقدور راسيات » أي ثابتات لاتزلن عن أمكنتهن لعظمهن ، عن قتادة ، وكانت باليمن ، و قيل : كانت عظيمة كالجبال يحملونها مع أنفسهم ، وكان سليمان (ع) يطعم جنده انتهى. (٣)

__________________

(١) في المصدر : ففتحت ففرغ له سليمان.

(٢) الشبه : النحاس الاصفر.

(٣) مجمع البيان ٨ : ٣٨٢.

٧٨

وقال صاحب الكامل : لما توفي داود عليه‌السلام ملك بعده ابنه سليمان عليه‌السلام على بني إسرائيل ، وكان عمره ثلاث عشر سنة ، وأتاه مع الملك النبوة ، (١) وسخر له الجن والانس والشياطين والطير والريح ، فكان إذا خرج من بيته إلى مجلسه عكفت عليه الطير وقام له الانس والجن متى يجلس فيه ، (٢) وقيل : إنه سخر له الريح والجن والشياطين والطير وغير ذلك بعد أن زال ملكه وأعاده الله إليه ، وكان أبيض جسيما كثير الشعر يلبس البياض ، وكان يأكل من كسبه (٣) وكان كثير الغزو ، وكان إذا أراد الغزو أمر فعمل بساط من خشب يسع عسكره فيركبون عليه هم ودوابهم وما يحتاجون إليه ، ثم أمر الريح فحملته فسار (٤) في غدوته مسيرة شهر وفي روحته كذلك ، وكان له ثلاث مائة زوجة ، وسبعمائة سرية ، وأعطاه الله أخيرا أنه لايتكلم أحد بشئ إلا حملته الريح فيعلم مايقول. انتهى. (٥)

٢٢ ـ أعلام الدين : قال ابن شهاب : بعث سليمان بن داود عليه‌السلام بعض عفاريته ، وبعث معه نفرا من أصحابه ، فقال : اذهبوا معه وانظروا ماذا يقول ، فمروا به في السوق فرفع رأسه إلى السماء ونظر إلى الناس فهز رأسه ، ومروا به على بيت يبكون على ميت لهم فضحك ، ومروا به على الثوم يكال كيلا وعلى الفلفل يوزن وزنا فضحك ، ومروا به على قوم يذكرون الله تعالى وآخرين في باطل فهز رأسه ، ثم ردوه إلى سليمان فأخبروه بما رأوا منه ، فسأله سليمان عليه‌السلام : أرأيت إذ مروا بك في السوق لم رفعت رأسك إلى السماء ونظرت إلى الارض والناس؟ قال : عجبت من الملائكة على رؤوس الناس ما أسرع ما يكتبون! ومن الناس ما أسرع مايملون! قال : ومررت على أهل بيت يبكون على ميت وقد أدخله الله الجنة فضحكت ، قال : ومررت على الثوم يكال كيلا ومنه الترياق ،

__________________

(١) في المصدر زيادة وهي : وسأل الله ان يؤتيه ملكا لا ينبغي لاحد من بعده فاستجاب له وسخر.

(٢) في المصدر : حتى يجلس.

(٣) في المصدر : من كسب يده.

(٤) في المصدر : فسارت. أي الريح.

(٥) الكامل ١ : ٧٨. وفيه : الا حملته الريح اليه.

٧٩

وعلى الفلفل يوزن وزنا وهو الداء فتعجبت ، ونظرت إلى قوم يذكرون الله وآخرين في باطل فتعجبت وضحكت. (١)

أقول : قد مر في الباب الاول (٢) وغيره في خبر الشامي أن سليمان (ع) ممن ولد من الانبياء مختونا ، وفي الباب الثاني عن الرضا (ع) أنه كان نقش خاتمه : سبحان من ألجم الجن بكلماته ، وفي أبواب قصص داود (ع) بعض مايتعلق بأحواله.

٢٣ ـ وقال الطبرسي رحمه الله : روى الواحدي بالاسناد ، عن محمد بن جعفر بن محمد عن أبيه (ع) قال : أعطي سليمان بن داود ملك مشارق الارض ومغاربها ، فملك سبعمائة سنة وسبعة أشهر ، (٣) ملك أهل الدنيا كلهم من الجن والانس والشياطين والدواب و الطير والسباع ، وأعطي علم كل شئ ومنطق كل شئ ، وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة التي سمع بها الناس ، وذلك قوله : « علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين ». (٤)

أقول : هذا الخبر غريب من حيث اشتماله على ملك المشارق والمغارب ، وكون ملكه سبعمائة سنة ، ومخالف للاخبار المعتبرة من الجهتين معا ، لكن سيأتي من إكمال الدين في باب وفاته عليه‌السلام مايؤيد الثاني.

ثم قال رحمه الله : قال محمد بن كعب : بلغنا أن سليمان بن داود (ع) كان عسكره (٥) مائة فرسخ : خمسة وعشرون للانس ، وخمسة وعشرون للجن ، وخمسة وعشرون للوحش وخمسة وعشرون للطير ، وكان له ألف بيت من القوارير على الخشب فيها ثلاثمائة مهيرة ، وسبعمائة سرية ، فيأمر الريح العاصف فترفعه ويأمر الرخاء فتسير به ، فأوحى الله تعالى إليه وهو يسير بين السماء والارض : إني قد زدت في ملكك : إنه لا يتكلم أحد من

__________________

(١) اعلام الدين مخطوط.

(٢) اي باب معنى النبوة وعلة بعثة الانبياء.

(٣) في المصدر : وستة اشهر.

(٤) مجمع البيان ٧ : ٢١٤.

(٥) في المصدر : كان معسكره مائة فرسخ.

٨٠