بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فأوحى الله إليه : ارجع إليهم فإنك إن تأتني بعبد آبق أثبتك في اللوح حميدا. (١)

٢٧ ـ نبه : روي أنه مكتوب في حكمة آل داود : حق على العاقل أن لايغفل عن أربع ساعات : فساعة فيها يناجي ربه ، وساعة فيها يحاسب نفسه ، وساعة يفضي إلى إخوانه (٢) الذين يصدقونه عن عيوب نفسه ، (٣) وساعة يخلي بين نفسه ولذتها فيما يحل ويحمد ، (٤) فإن هذه الساعة عون لتلك الساعات. (٥)

٢٨ ـ يه : في الصحيح عن إبراهيم بن أبي البلاد قال : كانت امرأة على عهد داود (ع) أتيها رجل يستكرهها على نفسها ، فألقى الله عزوجل في نفسها فقالت له : إنك لاتأتيني مرة إلا وعند أهلك من يأتيهم ، قال : فذهب إلى أهله فوجد عند أهله رجلا ، فأتى به داود عليه‌السلام فقال : يانبي الله أتى إلي مالم يؤت إلى أحد ، قال : وماذاك؟ قال : وجدت هذا الرجل عند أهلي ، فأوحى الله عزوجل إلى داود : قل له : كما تدين تدان. (٦)

٢٩ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن مفضل ، عن أبي عبدالله (ع) قال : أوحى الله عزوجل إلى داود عليه‌السلام : ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيته ثم تكيده السماوات والارض ومن فيهن إلا جعلت له المخرج من بينهن ، وما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي عرفت ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السماوات من يديه (٧) وأسخت الارض من تحته ، (٨) ولم أبال بأي واد تهالك. (٩)

__________________

(١) ارشاد القلوب ١ : ٢٠٨ وفيه : اثبتك في اللوح جميلا.

(٢) اي وصل اليهم.

(٣) في نسخة : على عيوب نفسه.

(٤) في المصدر : فيما يحل ويجمل.

(٥) تنبيه الخواطر ٢ : ٢٣.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ٤٧١.

(٧) في المصدر : الا قطعت اسباب السماوات والارض من يديه.

(٨) قال المصنف في مرآت العقول : واسخت بالخاء المعجمة وتشديد التاء من السخت هو الشديد ، وهو من اللغات المشتركة بين العرب والعجم ، أي لا ينبت له زرع ولا يخرج له خير من الارض ، أو من السوخ وهو الانخساف على بناء الافعال اي خسفت الارض به ، وربما يقرء بالحاء المهملة من السياحة كناية عن الزلزلة.

(٩) اصول الكافي ٢ : ٦٣ ، وفي نسخة : هلك.

٤١

٣٠ ـ تم : محمد بن الحسن ، عن أحمد بن إدريس ، عن سلمة بن الخطاب ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده الحسن ، عن داود الرقي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : أوحى الله تبارك و تعالى إلى داود عليه‌السلام : قل للجبارين : لا يذكروني ، فإنه لايذكرني عبد إلا ذكرته ، وإن ذكروني ذكرتهم فلعنتهم. (١)

٣١ ـ ين : ابن أبي البلاد ، عن سعد الاسكاف ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان في بني إسرائيل عابد فأعجب به داود عليه‌السلام فأوحى الله تبارك وتعالى إليه : لايعجبك شئ من أمره فإنه مراء ، قال : فمات الرجل فأتى داود فقيل له : مات الرجل ، فقال : ادفنوا صاحبكم ، قال : فأنكرت ذلك بنو إسرائيل ، وقالوا : كيف لم يحضره؟ قال : فلما غسل قام خمسون رجلا فشهدوا بالله مايعلمون منه إلا خيرا ، فلما صلوا عليه قام خمسون رجلا فشهدوا بالله ما يعلمون إلا خيرا ، فلما دفنوه قال : فأوحى الله عزوجل إلى داود عليه‌السلام : مامنعك أن تشهد فلانا؟ قال : الذي أطلعتني عليه من أمره ، قال : إن كان لكذلك ولكن شهده قوم من الاحبار والرهبان ، فشهدوا لي مايعلمون إلا خيرا ، فأجزت شهادتهم عليه ، وغفرت له علمي فيه. (٢)

٣٣ ـ ج ، يد ، ن : عن الحسن بن محمد النوفلي ، عن الرضا عليه‌السلام فيما احتج به على أهل الملل قال لرأس الجالوت : قال داود عليه‌السلام في زبوره : (٣) « اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة » فهل تعرف نبيا أقام السنة بعد الفترة غير محمد؟ (٤)

٣٤ ـ عدة : فيما أوحى الله إلى داود عليه‌السلام : من انقطع إلي كفيته ، ومن سألني أعطيته ، ومن دعاني أجبته ، وإنما أؤخر دعوته وهي معلقة وقد استجبتها حتى يتم قضائي فإذا تم قضائي أنفذت ماسأل ، قل للمظلوم : إنما أوخر دعوتك وقد استجبتها لك على (٥)

__________________

(١) فلاح السائل مخطوط.

(٢) مخطوط قوله : ( وغفرت له ) اي سترت له ما كنت اعلم من عمله.

(٣) في المصدر : قال داود عليه‌السلام في زبوره وانت تقرؤه.

(٤) احتجاج الطبرسي : ٢٣١ توحيد الصدوق : ٤٤٢ عيون الاخبار : ٩٣ وقد اخرج الحديث بتمامه وشرحه في كتاب الاحتجاجات راجع ١٠ : ٢٩٩ ٣١٨.

(٥) في المصدر : وقد استجبتها لك حتى يتم قضائي لك على من ظلمك.

٤٢

جمن ظلمك لضروب كثيرة غابت عنك وأنا أحكم الحاكمين : إما أن تكون قد ظلمت رجلا فدعا عليك فتكون هذه بهذه لالك ولا عليك ، وإما أن تكون لك درجة في الجنة لاتبلغها عندي إلا بظلمه لك ، لاني أختبر عبادي في أموالهم وأنفسهم ، وربما أمرضت العبد فقلت صلاته وخدمته ، ولصوته إذا دعاني في كربته أحب إلي من صلاة المصلين ، ولربما صلى العبد فأضرب بها وجهه وأحجب عني صوته ، أتدري من ذلك ياداود؟ ذلك الذي يكثر الالتفات إلى حرم المؤمنين بعين الفسق وذلك الذي حدثته نفسه لو ولى أمرا لضرب فيه الاعناق ظلما ، ياداود نح على خطيئتك كالمرأة الثكلى على ولدها ، لو رأيت الذين يأكلون الناس بألسنتهم وقد بسطتها بسط الاديم وضربت نواحي ألسنتهم بمقامع من نار ، ثم سلطت عليهم موبخا لهم يقول : يا أهل النار هذا فلان السليط فاعرفوه ، كم ركعة طويلة فيها بكاء بخشية قد صلاها صاحبها لا تساوي عندي فتيلا حين نظرت في قلبه فوجدته أن سلم من الصلاة ، وبرزت له امرأة وعرضت عليه نفسها أجابها وإن عامله مؤمن خانه. (١)

* أقول : قال السيد قدس الله روحه في كتاب سعد السعود : رأيت في زبور داود عليه‌السلام في السورة الثانية ماهذا لفظه : (٢) داود! إني جعلتك خليفة في الارض ، و جعلتك مسبحي ونبيي ، وسيتخذ عيسى إلها من دوني من أجل ما مكنت فيه من القوة

__________________

(١) عدة الداعي : ٢٢ ٢٣.

* قال الثعلبي : قال وهب : لما استخلف داود ابنه سليمان وعظه فقال : يابني اياك والهزل فان نفعه قليل ويهيج المداوة بين الاخوان واياك والغضب فان الغضب يستخف صاحبه ، وعليك بتقوى الله وطاعته فانهما يغلبان كل شئ ، واياك وكثرة الغيرة على أهلك من غير شئ فان ذلك يورث سوء الظن بالناس وان كانوا برآء ، واقطع طمعك عن الناس فانه هو الغنى ، واياك والطمع فهو الفقر الحاضر ، واياك وما يعتذر منه من القول ، وعود نفسك ولسانك الصدق والزم الاحسان ، وان استطعت أن يكون يومك خيرا من امسك فافعل ، وصل صلاة مودع ، ولا تجالس السفهاء ، ولاترد على عالم ، ولا تماره في الدين ، واذا غضبت فالصق نفسك بالارض وتحول من مكانك ، وارج رحمة الله فانها واسعة وسعت كل شئ. منه رحمه الله.

(٢) في المصدر صدر أسقطه المصنف أو كان سقط عن نسخته وهو هذا : مايقول الامم والشعوب وقد اجتمعوا على الرب وحده ، يريدون ليطفئوا نور الله وقدسه ، ياداود. اه

٤٣

وجعلته يحيي الموتى بإذني ، داود! صفني لخلقي بالكرم والرحمة ، وإني على كل شئ قدير ، داود! من ذا الذي انقطع إلي فخيبته؟ أو من ذا الذي أناب إلي فطردته عن باب إنابتي؟ مالكم لاتقدسون الله وهو مصوركم وخالقكم على ألوان شتى؟ مالكم لاتحفظون طاعة الله آناء الليل والنهار وتطردون المعاصي عن قلوبكم ، كأنكم لاتموتون ، وكأن دنياكم باقيه لاتزول ولا تنقطع ، (١) ولكم في الجنة عندي أوسع وأخصب لو عقلتم وتفكرتم وستعلمون إذا حضرتم وصرتم إلي أني بما تعمل الخلق بصير ، سبحان خالق النور.

وفي السورة العاشرة : أيها الناس لا تغفلوا عن الآخرة ، ولا تغرنكم الحياة لبهجة الدنيا ونضارتها (٢) بني إسرائيل! لو تفكرتم في منقلبكم ومعادكم وذكرتم القيامة وما أعددت فيها للعاصين قل ضحككم وكثر بكاؤكم ، ولكنكم غفلتم عن الموت ونبذتم عهدي وراء ظهوركم ، واستخففتم بحقي كأنكم لستم بمسيئين ولا محاسبين ، كم تقولون ولا تفعلون؟! وكم تعدون فتخلفون؟! وكم تعاهدون فتنقضون؟! لو تفكرتم في خشونة الثرى (٣) ووحشة القبر وظلمته لقل كلامكم وكثر ذكركم واشتغالكم لي ، إن الكمال كمال الآخرة ، وأما كمال الدنيا فمتغير وزائل ، لا تتفكرون في خلق السماوات والارض وما أعددت فيها من الآيات والنذر وحبست الطير في جو السماء يسبحن ويسرحن (٤) في رزقي؟ وأنا الغفور الرحيم ، سبحان خالق النور.

وفي السورة السابعة عشر : داود! اسمع ما أقول ، ومر سليمان يقول بعدك : إن الارض أورثها محمدا (٥) وأمته وهم خلافكم ، ولا تكون صلاتهم بالطنابير ولا يقدسون الاوتار ، فازدد من تقديسك ، وإذا زمرتم (٦) بتقديسي فأكثروا البكاء بكل ساعة ،

__________________

(١) في المصدر : وكأن دنياكم باقية للازل ولا تنقطع.

(٢) في نسخة : ولاتغرنكم الحياة الدنيا لبهجة الدنيا ونضارتها. وفي المصدر : ولا تغرنكم الحياة وبهجة الدنيا ونضارتها ، يابني اسرائيل. اه

(٣) في المصدر : لو تفكرتم في خسوفة الثرى.

(٤) سرحت المواشي : ذهبت ترعى.

(٥) في المصدر : يرثها محمد وامته.

(٦) زمر : غنى بالنفخ في القصب ونحوه. زمر بالحديث : بثه وأذاعه. زمر النعام : صوت ولعل المراد هنا هو الاخير. وفي المصدر : زفرتم.

٤٤

داود! قل لبني إسرائيل ، لاتجمعوا المال من الحرام فإني لا أقبل صلاتهم ، واهجر أباك على المعاصي وأخاك على الحرام ، واتل على بني إسرائيل نبأ رجلين كانا على عهد إدريس فجاءت لهما تجارة وقد فرضت عليهما صلاة مكتوبة فقال الواحد : أبدأ بأمر الله ، وقال الآخر : أبدأ بتجارتي وألحق أمر الله ، فذهب هذا لتجارته ، وهذا لصلاته ، فأوحيت إلى السحاب فنفخت (١) وأطلقت نارا وأحاطت واشتغل الرجل (٢) بالسحاب والظلمة فذهبت تجارته وصلاته ، وكتب على بابه : انظروا ماتصنع الدنيا والتكاثر بصاحبه.

داود! إن الكبائر والكبر حرد (٣) لا يتغير أبدا ، فإذا رأيت ظالما قد رفعته الدنيا فلا تغبطه فإنه لابد له من أحد الامرين : إما أن أسلط عليه ظالما أظلم منه فينتقم منه ، وإما ألزمه رد التبعات يوم القيامة. داود! لو رأيت صاحب التبعات قد جعل في عنقه طوق من نار ، فحاسبوا نفوسكم ، وأنصفوا الناس ، ودعوا الدنيا وزينتها ، يا أيها الغفول ما تصنع بدنيا يخرج منها الرجل صحيحا (٤) ويرجع سقيما ، ويخرج فيجبى (٥) جباية فيكبل بالحديد والاغلال ، ويخرج الرجل صحيحا فيرد قتيلا. ويحكم لو رأيتم الجنة وما أعددت فيها لاوليائي من النعيم لما ذقتم دواءها بشهوة (٦) ، أين المشتاقون إلى لذيذ الطعام والشراب؟ أين الذين جعلوا مع الضحك بكاء؟ أين الذين هجموا على مساجدي في الصيف والشتاء؟ انظروا اليوم ماترى أعينكم فطال ما كنتم تسهرون والناس نيام ، فاستمتعوا اليوم ما أردتم فإني قد رضيت عنكم أجمعين ، ولقد كانت أعمالكم الزاكية تدفع سخطي عن أهل الدنيا يارضوان اسقهم من الشراب الآن فيشربون ، وتزداد وجوههم نضرة ، فيقول رضوان : هل تدرون لم فعلت هذا؟ لانه لم تطأ فروجكم فروج الحرام ، ولم

__________________

(١) في نسخة : ففتحت.

(٢) في المصدر : واشتعل الرجل ، قلت : مافي المتن أصح. واشتعل فلان : التهب غضبا.

(٣) في نسخة : ان التكاثر والكبر حرب. وفي المصدر : ان البكاء والكبر خود لا يتغير. و الكل مصحف.

(٤) الصحيح كما في المصدر : يدخلها الرجل صحيحا.

(٥)جبا يجبو وجبى يجبى الخراج : جمعه. وفي المصدر : فيحيى حياته. قوله : فيكبل اي يقيد.

(٦) هكذا في نسخة وفي المصدر ، وفي نسخة اخرى : لماذقتم ذوقا بشهوة.

٤٥

تغبطوا الملوك والاغنياء غير المساكين ، يارضوان أظهر لعبادي ما أعددت لهم ثمانية ألف ضعف. ياداود من تاجرني فهو أربح التاجرين ، ومن صرعته الدنيا فهو أخسر الخاسرين ، ويحك يا ابن آدم ما أقسى قلبك! أبوك وأمك يموتان وليس لك عبرة بهما؟! يا ابن آدم ألا تنظر إلى بهيمة ماتت فانتفخت وصارت جيفة ، وهي بهيمة وليس لها ذنب؟ ولو وضعت أوزارك على الجبال الراسيات لهدتها. داود! وعزتي ماشئ أضر عليكم من أموالكم و أولادكم ، ولا أشده في قلوبكم فتنة منها ، والعمل الصالح عندي مرفوع ، وأنا بكل شئ محيط. سبحان خالق النور.

وفي السورة الثالثة والعشرين : يابني الطين والماء المهين ، (١) وبني الغفلة والغرة لاتكثروا الالتفات إلى ماحرمت عليكم ، فلو رأيتم مجاري الذنوب لاستقذرتموه ، ولو رأيتم العطرات (٢) قد عوفين من هيجان الطبائع ، فهن الراضيات فلا يسخطن أبدا ، وهن الباقيات فلا يمتن أبدا ، كلما اقتضها (٣) صاحبها رجعت بكرا ، أرطب من الزبد ، وأحلى من العسل ، بين السرير والفراش أمواج تتلاطم من الخمر والعسل ، كل نهر ينفذ من آخر ويحك إن هذا لهو الملك الاكبر ، والنعيم الاطول ، والحياة الرغدة ، والسرور الدائم ، والنعيم الباقي ، عندي الدهر كله ، وأنا العزيز الحكيم ، سبحان خالق النور.

وفي الثلاثين : (٤) بني آدم رهائن الموتى ، (٥) اعملوا لآخرتكم واشتروها بالدنيا ولا تكونوا كقوم أخذوها لهوا ولعبا ، واعلموا أن من قارضني نمت بضاعته وتوفر ربحها ،

__________________

(١) في المصدر : يا ابن الماء والطين.

(٢) في المصدر : ولو رأيتم الخطوات الالوان أجسامهن مسكا توقل الجارية في كل ساعة بسبعين حلة قد عوفين من هيجان الطبائع فهن الراضيات فلا يسخطن أبدا اه قلت : هكذا في المصدر ، و هو كما ترى فيه تصحيفات. قوله : ( قد عوفين من هيجان الطبائع ) لعله اراد بذلك سلامتهن من عادات النساء ومايعرض لهن من الاسقام والادواء.

(٣) في المصدر : افتضها بالفاء. وهما بمعنى واحد اي كلما ازال بكارتهن.

(٤) في المصدر : « وفي السورة الثلاثين » وكذا فيما يأتي.

(٥) في المصدر : رهائن الموت وهو الصحيح ، والرهائن جمع الرهينة ، أي الموت لازم لهم فشبههم في لزومه لهم وعدم انفكاكه منهم بالرهن في يد المرتهن.

٤٦

ومن قارض الشيطان قرن معه ، مالكم تتنافسون في الدنيا وتعدلون عن الحق ، غرتكم أحسابكم ، فما حسب امرئ خلق من الطين؟ إنما الحسب عندي هو التقوى ، بني آدم! إنكم وما تعبدون من دون الله في نار جهنم ، أنتم مني برآء ، وأنا منكم برئ ، لا حاجة لي في عبادتكم حتى تسلموا إسلاما مخلصا وأنا العزيز الحكيم ، سبحان خالق النور. (١)

وفي السادسة والاربعين : بني آدم! لاتستخفوا بحقي فأستخف بكم في النار ، إن أكلة الربا تقطع أمعاؤهم وأكبادهم ، إذا ناولتم الصدقات فاغسلوها بماء اليقين ، فإني أبسط يميني قبل يمين الآخذ ، فإذا كانت من حرام حذفت بها في وجه المتصدق ، وإن كانت من حلال قلت : ابنوا له قصورا في الجنة ، وليست الرئاسة رئاسة الملك ، إنما الرئاسة رئاسة الآخرة ، سبحان خالق النور.

وفي السابعة والاربعين : أتدري ياداود لم مسخت بني إسرائيل فجعلت منهم القردة والخنازير؟ لانهم إذا جاء الغني بالذنب العظيم ساهلوه ، وإذا جاء المسكين بأدنى منه انتقموا منه ، وجبت لعنتي على كل متسلط في الارض لايقيم الغني والفقير بأحكام واحدة إنكم تتبعون الهوى في الدنيا ، (٢) أين المفر مني إذا تخليت بكم؟ كم قد نهيتكم عن الالتفات إلى حرم المؤمنين؟ وطالت ألسنتكم (٣) في أعراض الناس ، سبحان خالق النور

__________________

(١) في المصدر هنا زيادات لعلها اسقطت عن النساخ ، أو كانت نسخة سعد السعود الموجودة عند المصنف ناقصة ، وهي : وفي السورة السادسة والثلاثين : ثياب العاصي ثقال على الابدان ووسخ على الوجه ، والوسخ ينقطع بالماء ، ووسخ الذنوب لا ينقطع الا بالمغفرة ، طوبى للذين كان باطنهم أحسن من ظاهرهم ، ومن كانت له ودائع فرح بها يوم الازفة ، ومن عمل بالمعاصي و أسرها من المخلوقين لم يقدر على اسرارها منى ، قد أوفيتكم ماوعدتكم من طيبات الرزق ، ونبات البر ، وطير السماء ، ومن جميع الثمرات ، ورزقتكم مالم تحتسبوا ، وذلك كله على الذنوب ، معشر الصوام بشر الصائمين بمرتبة الفائزين ، وقد انزلت على اهل التوراة بما انزلت عليكم ، داود! سوف تحرف كتبي ، ويفترى علي كذبا ، فمن صدق بكتبي ورسلي فقد أنجح وأفلح وأنا العزيز سبحان خالق النور ، انتهى.

(٢) في نسخة : هب انكم تتبعون الهوى في الدنيا فاين المفر مني.

(٣) في المصدر : وأطالت ألسنتكم. قلت : لعل الصواب : واطالة السنتكم.

٤٧

وفي الخامسة والستين : أفصحتم في الخطبة وقصرتم في العمل ، فلو أفصحتم في العمل وقصرتم في الخطبة لكان أرجى لكم ، ولكنكم عمدتم إلى آياتي فاتخذتموها هزءا ، وإلى مظالمي فاشتهرتم بها ، وعلمتم أن لا هرب مني ، وأمنتم فجائع الدنيا. (١) داود! اتل على بني إسرائيل نبأ رجل دانت له أقطار الارض حتى استوى ، (٢) وسعى في الارض فسادا ، وأخمد الحق وأظهر الباطل ، وعمر الدنيا ، وحصن (٣) الحصون ، و حبس الاموال ، فبينما هو في غضارة (٤) دنياه إذ أوحيت إلى زنبور يأكل لحمة خده ، و يدخل وليلدغ الملك ، فدخل الزنبور وبين يديه ستاره ووزراؤه وأعوانه فضرب خده فتورمت وتفجرت منه أعين دما وقيحا ، فثير عليه بقطع من لحم (٥) وجهه حتى كان كل من يجلس عنده شم منم نتنا عظيما ، (٦) حتى دفن جثة بلا رأس ، فلو كان للآدميين عبرة تردعهم لردعتهم ، ولكن اشتغلوا بلهو الدنيا ولعبهم ، فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يأتيهم أمري ولا أضيع أجر المحسنين ، سبحان خالق النور. (٧)

أقول : سيأتي سائر ما نقلنا من الزبور وسائر حكم داود عليه‌السلام في كتاب المواعظ إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) في المصدر : وأسستم فجائع الدنيا.

(٢) أي حتى استولى وظهر عليها.

(٣) حصن المكان : جعله حصينا.

(٤) الغضارة : النعمة وطيب العيش. السعة والخصب.

(٥) في المصدر : ويقطع من لحم وجهه.

(٦) في المصدر : فكل من جلس عنده شم من دماغه نتنا عظيما.

(٧) سعد السعود : ٤٧ ٥١ ، وفي المصدر له ذيل فيه مواعظ لم يذكره المصنف.

٤٨

( باب ٤ )

* ( قصة أصحاب السبت ) *

الايات ، البقرة : « ٢ » قال الله تعالى : ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين * فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين ٥٥ و ٦٦.

النساء « ٤ » أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت ٤٧ « وقال تعالى » : وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ١٥٤.

الاعراف « ٧ » وسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لايسبتون لاتأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون* وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون * فلما نسوا ماذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون * فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ١٦٣ ١٦٦.

النحل « ١٦ » إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون ١٢٤.

تفسير : قيل : المعنى : إنما جعل السبت لعنة ومسخا على الذين اختلفوا فيه فحرموه ثم استحلوه فمسخهم ، وقيل : أي إنما فرض تعظيم السبت على الذين اختلفوا في أمر الجمعة وهم اليهود ، وكانوا قد أمروا بتعظيم الجمعة فعدلوا عما أمروا به ، وقيل : المختلفون هم اليهود والنصارى ، قال بعضهم : السبت أعظم الايام لانه سبحانه فرغ فيه من خلق الاشياء ، وقال آخرون : بل الاحد أعظم لانه ابتدأ خلق الاشياء فيه ، ويؤيد الوسط ماسيأتي من الخبر.

٤٩

١ ـ ع : أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن عبدالله بن محمد الحجال ، عن علي بن عقبة ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن اليهود أمروا بالامساك يوم الجمعة فتركوا يوم الجمعة وأمسكوا يوم السبت ، فحرم عليهم الصيد يوم السبت. (١)

شى : عن علي بن عقبة مثله. (٢)

٢ ـ فس : إن أصحاب السبت قد كان أملى الله لهم حتى أثروا (٣) وقالوا : إن السبت لنا حلال ، وإنما كان حرم على أولينا ، وكانوا يعاقبون على استحلالهم السبت ، فأما نحن فليس علينا حرام ، (٤) ومازلنا بخير منذ استحللنا ، وقد كثرت أموالنا وصحت أبداننا ، ثم أخذهم الله ليلا وهم غافلون. (٥)

٣ ـ كا : الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن علي الهمداني ، عن سماعة ابن مهران ، عن الكلبي النسابة قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الجري (٦) فقال : إن الله عزوجل مسخ طائفة من بني إسرائيل فما أخذ منهم بحرا فهو الجري والزمير (٧) والمارماهي وما سوى ذلك ، وما أخذ منهم برا فالقردة والخنازير والوبر (٨) والورل وما سوى ذلك. (٩)

بيان : قال الجوهري : الورل : دابة مثل الضب.

٤ ـ كا : علي بن محمد ، عن بعض أصحابه ، عن آدم بن إسحاق ، عن عبدالرزاق بن

__________________

(١) علل الشرائع : ٣٥.

(٢) تفسير العياشي مخطوط.

(٣) أملى لهم أي امهلهم.

(٤) هكذا في النسخ والمصدر ، وفي البرهان : فليس علينا حراما.

(٥) تفسير القمي : ١٦٨.

(٦) الجري : نوع من السمك النهري الطويل المعروف بالحتكليس ويدعونه في مصر ثعبان الماء وليس له عظم الا عظم الرأس والسلسلة.

(٧) الزمير : نوع من السمك له شوك ناتئ على ظهره ، واكثر مايكون في المياه العذبة.

(٨) الوبر : دويبة كالسنور لكنها أصغر منه وهي قصير الذنب والاذنين.

(٩) فروع الكافي ٢ : ١٤٥.

٥٠

مهران ، عن الحسين بن ميمون ، عن محمد بن سالم ، عن أبي جعفر (ع) في حديث طويل قال : فما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين جعل لكل نبي منهم شرعة ومنهاجا ، والشرعة والمنهاج سبيل وسنة ، (١) وكان من السبيل والسنة التي أمر الله عز وجل بها موسى أن جعل عليهم السبت ، وكان من أعظم السبت ولم يستحل أن يفعل ذلك من خشية الله من قوم ثمود سبقت الحيتان إليهم يوم السبت أدخلها الله الجنة ، (٢) ومن استخف بحقه واستحل ماحرم الله عليه من العمل الذي نهى الله عنه فيه أدخله الله عزوجل النار ، وذلك حيث استحلوا الحيتان واحتبسوها وأكلوها يوم السبت غضب الله عليهم من غير أن يكون (٣) أشركوا بالرحمن ولا شكوا في شئ مما جاء به موسى عليه‌السلام ، قال الله عزوجل : « ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين » الخبر. (٤)

٥ ـ فس : « واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لايسبتون لاتأتيهم » فإنها قرية كانت لبني إسرائيل قريبة من البحر ، وكان الماء يجري عليها في المد والجزر ، فيدخل أنهارهم وزروعهم ويخرج السمك من البحر حتى يبلغ آخر زروعهم ، وقد كان الله حرم عليهم الصيد (٥) يوم السبت فكانوا يضعون الشباك في الانهار ليلة الاحد ، ويصيدون بها السمك ، وكان السمك يخرج يوم السبت ويوم الاحد لا يخرج وهو قوله : « إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لاتأتيهم » فنهاهم علماؤهم عن ذلك فلم ينتهوا فمسخوا قردة وخنازير ، وكان العلة

__________________

(١) اختصره المصنف.

(٢) هكذا في المطبوع ، والنسخ المخطوطة التي عندنا خالية عن الحديث رأسا ، والموجود في الكافي ومرآت العقول والبرهان هكذا : « وكان من اعظم السبت ولم يستحل أن يفعل ذلك من خشية الله أدخله الله الجنة » وهذا هو الصحيح فقوله : ( من قوم ثمود ) لعله كانت نسخة المصنف فيها ذلك أو وهم النساخ فزادوا في العبارة ذلك من الحديث الاتي.

(٣) الصحيح كما في المصدر : من غير أن يكونوا.

(٤) اصول الكافي : ٢ : ٢٨ و ٢٩.

(٥) في المصدر : وقد كان الله قد حرم عليهم الصيد.

٥١

في تحريم الصيد عليهم يوم السبت أن عيد جميع المسلمين وغيرهم كان يوم الجمعة ، فخالف اليهود وقالوا : عيدنا السبت ، (١) فحرم الله عليهم الصيد يوم السبت ، ومسخوا قردة وخنازير.

حدثني أبي ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر (ع) قال : وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام أن قوما من أهل أبلة (٢) من قوم ثمود ، وأن الحيتان كانت سبقت إليهم يوم السبت (٣) ليختبر الله طاعتهم في ذلك ، فشرعت إليهم يوم سبتهم في ناديهم وقدام أبوابهم في أنهارهم وسواقيهم ، فبادروا إليها فأخذوا يصطادونها ولبثوا في ذلك ماشاء الله ، لاينهاهم عنها الاحبار ولا يمنعهم العلماء من صيدها ، ثم إن الشيطان أوحى إلى طائفة منهم أنما نهيتم عن أكلها يوم السبت ولم تنهوا عن صيدها ، (٤) فاصطادوا يوم السبت وكلوها فيما سوى ذلك من الايام ، (٥) فقالت طائفة منهم : الآن نصطادها ، (٦) فعتت وانحازت طائفة أخرى منهم ذات اليمين ، فقالوا : ننهاهم (٧) عن عقوبة الله أن تتعرضوا بخلاف أمره ، واعتزلت طائفة منهم ذات اليسار

__________________

(١) في المصدر : عيدنا يوم السبت.

(٢) هكذا في النسخ ، وفي المصدر : أيكة ، وكلاهما مصحفان ، والصحيح كما في سعد السعود وفي البرهان نقلا عن تفسير القمي والعياشي « أيلة » قال ياقوت : ايلة بالفتح : مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام ، وقيل : هي آخر الحجاز وأول الشام ، قال أبوزيد : أيلة مدينة صغيرة عامرة بها زرع يسير ، وهي مدينة لليهود الذين حرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت فخالفوا فمسخوا قردة وخنازير.

(٣) هكذا في نسخ وفي المصدر ، وفي سعد السعود : فان الحيتان كانت قد سبقت لهم يوم السبت ولعل الصحيح كما في نسختين : أن قوما من اهل أيلة من قوم ثمود سبقت الحيتان إليهم يوم السبت قوله : ( من قوم ثمود ) أي من ذريتهم وأخلافهم.

(٤) في التفسير : انما نهيتكم عن أكلها يوم السبت فانتهيتم عن صيدها؟

(٥) في التفسير وسعد السعود : وأكلوها فيما سوى ذلك من الايام.

(٦) في سعد السعود : لا الا أن نصطادها.

(٧) في التفسير وفي نسخة : ننهاكم ، وفي التفسير : لخلاف أمره. وفي سعد السعود : فقالوا : الله الله ننهاكم. وفيه أيضا لخلاف أمره.

٥٢

فتنكبت (١) فلم تعظهم ، فقالت للطائفة التي وعظتهم : « لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا » فقالت الطائفة التي وعظتهم : « معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون » قال : فقال الله عزوجل : « فلما نسوا ماذكروا به » يعني لما تركوا ماوعظوا به ومضوا على الخطيئة ، فقالت الطائفة التي وعظتهم : لا والله لا نجامعكم ولا نبايتكم الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله فيها مخافة أن ينزل بكم البلاء فيعمنا معكم ، قال : فخرجوا عنهم من المدينة مخافة أن يصيبهم البلاء فنزلوا قريبا من المدينة فباتوا تحت السماء ، فلما أصبح أولياء الله المطيعون لامر الله غدوا لينظروا ماحال أهل المعصية فأتوا باب المدينة فإذا هو مصمت فدقوه فلم يجابوا ولم يسمعوا منها حس أحد ، فوضعوا سلما على سور المدينة ثم أصعدوا رجلا منهم فأشرف على المدينة فنظر فإذا هو بالقوم قردة يتعاوون ، فقال الرجل لاصحابه : ياقوم أرى والله عجبا ، قالوا : وما ترى؟ قال : أرى القوم قد صاروا قردة يتعاوون ، لها أذناب ، فكسروا الباب ، قال : فعرفت القردة أنسابها من الانس ، (٢) ولم تعرف الانس أنسابها من القردة ، فقال القوم للقردة : ألم ننهكم؟ فقال علي (ع) : والله الذي فلق الحبة و برأ النسمة إني لاعرف أنسابها (٣) من هذه الامة لاينكرون ولا يغيرون (٤) بل تركوا ما أمروا به فتفرقوا ، وقد قال الله تعالى : « فبعدا للقوم الظالمين » فقال الله : « أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ». (٥)

توضيح : قوله : ( ليلة الاحد ) أي لئلا يرجع ما أتاهم يوم السبت ، لكنه مخالف لسائر الروايات والسير ، والظاهر أن فيه سقطا ، ولعله كان هكذا : ليلة السبت ويصطادون يوم الاحد. قوله عليه‌السلام : ( إني لاعرف أنسابها ) أي أشباهها مجازا ، أي أعرف جماعة من هذه الامة أشباه الطائفة الذين لم ينهوا عن المنكر حتى مسخوا ، ويحتمل أن يكون

__________________

(١) تنكب عنه : عدل. وفي المصدرين : فسكتت.

(٢) في سعد السعود : ولهم أذناب ، فكسروا الباب ، ودخلوا المدينة ، قال : فعرف القردة اشباهها من الانس ، ولم تعرف الانس اشباهها من القردة.

(٣) في سعد السعود : أشباهها.

(٤) في سعد السعود : ولا يقرون.

(٥) تفسير القمي : ٢٢٦ ٢٢٨.

٥٣

سماهم أنسابهم لتناسب طيناتهم ، ولا يبعد أن يكون في الاصل أشباههم ، (١) ويمكن إرجاع الضمير إلى هذه الامة لكنه أبعد وأشد تكلفا.

أقول : قال السيد ابن طاوس : رأيت في تفسير أبي العباس بن عقدة أنه روى عن علي بن الحسن ، عن عمرو بن عثمان ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام مثله. (٢)

ثم قال : إني وجدت في نسخة حديث غير هذا أنهم كانوا ثلاث فرق : فرقة باشرت المنكر وفرقة أنكرت عليهم وفرقة داهنت أهل المعاصي فلم تنكر ولم تباشر المعصية ، فنجى الله الذين أنكروا ، وجعل الفرقة المداهنة ذرا ، ومسخ الفرقة المباشرة للمنكر قردة. ثم قال : ولعل مسخ المداهنة ذرا لتصغيرهم عظمة الله وتهوينهم بحرمة الله فصغرهم الله. (٣)

ص : بالاسناد ، عن الصدوق ، عن ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة مثله مع اختصار. (٤)

شى : عن أبي عبيدة مثله. (٥)

٦ ـ كا : العدة ، عن سهل ، عن عمرو بن عثمان ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن طلحة ابن زيد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قوله تعالى : « فلما نسوا ماذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء » فقال : كانوا ثلاثة أصناف : صنف ائتمروا وأمروا فنجوا ، وصنف ائتمروا ولم يأمروا فمسخوا ذرا ، وصنف لم يأتمروا ولم يأمروا فهلكوا. (٦)

بيان : لعل المراد بهلاكهم صيرورتهم قردة.

٧ ـ ص : بهذا الاسناد ، عن أبي عبيدة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قوله تعالى :

__________________

(١) وقد عرفت أنه كان كذلك في سعد السعود.

(٢) سعد السعود : ١١٨ ١١٩.

(٣) سعد السعود : ١١٩ وقد ذكر المصنف معنى قول ابن طاوس راجعه.

(٤) قصص الانبياء مخطوط.

(٥) تفسير العياشي مخطوط ، اخرجه البحراني ايضا في البرهان ٢ : ٤٣.

(٦) روضة الكافي : ١٥٨.

٥٤

« لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم » فقال : الخنازير على لسان داود عليه‌السلام والقردة على لسان عيسى (ع) وقال : إن اليهود أمروا بالامساك يوم الجمعة فتركوا وأمسكوا يوم السبت فحرم عليهم الصيد يوم السبت ، فعمد رجال من سفهاء القرية فأخذوا من الحيتان ليلة السبت وباعوا ، ولم ينزل بهم عقوبة فاستبشروا وفعلوا ذلك سنين ، فوعظهم طوائف فلم يسمعوا وقالوا : « لم تعظون قوما الله مهلكهم فأصبحوا قردة خاسئين ». (١)

٨ ـ شى : عن عبدالصمد بن برار (٢) قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : كانت القردة هم اليهود الذين اعتدوا في السبت فمسخهم الله قرودا. (٣)

٩ ـ شى : عن زرارة ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام في قوله : « فجعلناها نكالا لما بين يديها وماخلفها وموعظة للمتقين » قال : لما معها ينظر إليها من أهل القرى ، ولما خلفها قال : نحن ولنا فيها موعظة. (٤)

بيان : هذا أحد الوجوه التي ذكرت في تفسير الآية مرويا عن ابن عباس وغيره وقيل : أي عقوبة للذنوب التي تقدمت على الاصطياد ، والذنوب التي تأخرت عنه ، وقيل لما بين يديها من القرى ، وما خلفها من القرى ، وسيأتي تأويل آخر عن العسكري عليه‌السلام.

١٠ ـ شى : عن الاصبغ بن نباتة ، عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : كانت مدينة حاضرة البحر فقالوا لنبيهم : إن كان صادقا فليحولنا ربنا جريثا ، (٥) فإذا المدينة في وسط البحر قد غرقت من الليل ، وإذا كل رجل منهم مسوخا جريثا يدخل الراكب في فيها. (٦)

١١ ـ شى : عن هارون بن عبدالعزيز (٧) رفعه إلى أحدهم (ع) قال : جاء قوم إلى

__________________

(١) قصص الانبياء مخطوط.

(٢) هكذا في نسخ وفي البرهان ، وفي نسخة : عبدالصمد بن مرار ، وذكر المامقاني عن رجال الشيخ : عبدالصمد بن مداد ، ولم اتحقق صحيحه.

(٣ و ٤) تفسير العياشي مخطوط ، أخرجهما أيضا البحراني في البرهان ١ : ١٠٥.

(٥) الجريث : نوع من السمك.

(٦) تفسير العياشي مخطوط ، أخرجه البحراني أيضا في البرهان ٢ : ٤٣.

(٧) في نسخة : عن هارون بن عبد.

٥٥

أمير المؤمنين عليه‌السلام بالكوفة وقالوا له : يا أمير المؤمنين إن هذه الجراري (١) تباع في أسواقنا ، قال : فتبسم أمير المؤمنين عليه‌السلام ضاحكا ، ثم قال : قوموا لاريكم عجبا ، ولا تقولوا في وصيكم إلا خيرا ، فقاموا معه فأتوا شاطئ الفرات فتفل فيه تفلة وتكلم بكلمات فإذا بجريثة رافعة رأسها ، فاتحة فاها ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : من أنت؟ الويل لك ولقومك ، فقال : نحن من أهل القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يقول الله في كتابه : إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا « الآية ، فعرض الله علينا ولايتك فقعدنا عنها فمسخنا الله ، فبعضنا في البر وبعضنا في البحر ، فأما الذين في البحر فنحن الجراري ، وأما الذين في البر فالضب واليربوع. قال : ثم التفت أمير المؤمنين إلينا فقال : أسمعتم مقالتها؟ قلنا : اللهم نعم ، قال : والذي بعث محمدا بالنبوة لتحيض كما تحيض نساؤكم. (٢)

١٢ ـ فس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : « إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه » الآية ، وذلك أن موسى أمر قومه أن يتفرغوا لله في كل سبعة أيام يوما يجعله الله عليهم ، وهم الذين اختلفوا فيه. (٣)

١٣ ـ م : قال الله تعالى : « ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت » لما اصطادوا السمك فيه « فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين » مبعدين عن كل خير « فجعلناها » تلك المسخة (٤) التي أخزيناهم ولعناهم بها « نكالا » عقابا وردعا « لما بين يديها » بين يدي المسخة من ذنوبهم الموبقات التي استحقوا بها العقوبات « وما خلفها » للقوم الذين شاهدوهم بعد مسخهم يرتدعون عن مثل أفعالهم لما شاهدوا ماحل بهم من عقابنا » وموعظة للمتقين » الذين يتعظون بها فيفارقون المخزيات (٥) ويعظون بها الناس ويحذرونهم المرديات.

وقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : كان هؤلاء قوما يسكنون على شاطئ بحر نهاهم الله و أنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت ، فتوسلوا إلى حيلة ليحلوا بها لانفسهم ماحرم

__________________

(١) في البرهان : هذه الجريث.

(٢) تفسير العياشي مخطوط. اخرج البحراني الحديث أيضا في البرهان ٢ : ٤٤.

(٣) تفسير القمي : ٣٦٧.

(٤) في المصدر : أي جعلنا تلك المسخة.

(٥) في نسخة : فيفارقون المحرمات.

٥٦

الله ، فخدوا أخاديد ( وعملوا طرقا تؤدي إلى حياض ، يتهيأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق ولا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع ، (٢) فجاءت الحيتان يوم السبت جارية على أمان الله لها فدخلت في الاخاديد وحصلت في الحياض والغدران ، (٣) فلما كانت عشية اليوم همت بالرجوع منها إلى اللجج لتأمن صائدها (٤) فرامت الرجوع فلم تقدروا ، فبقيت ليلتها في مكان يتهيأ أخذها بلا اصطياد (٥) ( لاسترسالها )؟ فيه وعجزها عن الامتناع لمنع المكان لها ، فكانوا (٦) يأخذونها يوم الاحد ، ويقولون : ما اصطدنا في السبت ، وإنما اصطدنا في الاحد ، (٧) وكذب أعداء الله بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت حتى كثر من ذلك مالهم وثراؤهم وتنعموا بالنساء (٨) وغيرهن لاتساع أيديهم به ، فكانوا في المدينة (٩) نيفا وثمانين ألفا ، فعل هذا منهم سبعون ألفا ، (١٠) وأنكر عليهم الباقون ، كما نص الله تعالى : « واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت » الآية ، وذلك أن طائفة منهم وعظوهم وزجروهم عذاب الله (١١) وخوفوهم من انتقامه وشديد بأسه وحذروهم فأجابوهم عن وعظهم : « لم تعظون قوما الله مهلكهم » بذنوبهم هلاك الاصطلام « أو معذبهم عذابا شديدا » فأجابوا القائلين هذا لهم : « معذرة إلى ربكم » هذا القول منا لهم (١٢) معذرة إلى ربكم إذ كلفنا الامر بالمعروف و

__________________

(١) خد الارض : شقها. والاخاديد جمع الاخدود : الحفرة المستطيلة.

(٢) في المصدر : اذا همت بالرجوع منها إلى اللجج.

(٣) الغدران بالضم جمع الغدير.

(٤) في المصدر : لتأمن من صائدها.

(٥) في المصدر : يتهيأ أخذها يوم الاحد بلا اصطياد.

(٦) في نسخة : وكانوا.

(٧) في نسخة : وانا اصطدنا في الاحد.

(٨) في نسخة من المصدر : وتتمتعوا بالنساء.

(٩) في المصدر : وكانوا في المدينة.

(١٠) في نسخة : فعمل هذا منهم سبعون الفا.

(١١) في المصدر : وزجروهم من عذاب الله.

(١٢) في المصدر : هذا القول منا لكم.

٥٧

النهي عن المنكر ، فنحن ننهي عن المنكر ليعلم ربنا مخالفتنا لهم وكراهتنا لفعلهم ، (١) قالوا : « ولعلهم يتقون » ونعظهم أيضا لعلهم تنجع فيهم المواعظ فيتقوا هذه الموبقة و ( يحذروا )؟ عقوبتها ، قال الله تعالى : « فلما عتوا » حادوا وأعرضوا وتكبروا عن قبولهم الزجر « عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين » مبعدين عن الخير مقصين. (٢)

قال : فلما نظر العشرة آلاف والنيف أن السبعين ألفا لايقبلون مواعظهم ولا يحفلون (٣) بتخويفهم إياهم وتحذيرهم لهم اعتزلوهم إلى قرية أخرى قريبة من قريتهم وقالوا : إنا نكره أن ينزل بهم عذاب الله ونحن في خلالهم ، فأمسوا ليلة فمسخهم الله كلهم قردة ، وبقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منهم أحد ، ولا يدخل عليهم أحد ، (٤) وتسامع بذلك أهل القرى فقصدوهم وتسنموا حيطان البلد (٥) فأطلعوا عليهم فإذا كلهم رجالهم ونساؤهم قردة يموج بعضهم في بعض يعرف هؤلاء الناظرون معارفهم وقراباتهم وخلطاءهم ، يقول المطلع لبعضهم : أنت فلان؟ أنت فلان؟ فتدمع عينه ويؤمي برأسه أن نعم ، (٦) فما زالوا كذلك ثلاثة أيام ، ثم بعث الله عليهم مطرا وريحا فجرفتهم إلى البحر ، (٧) ومابقي مسخ بعد ثلاثة أيام ، وأما الذين ترون من هذه المصورات بصورها فإنما هي أشباهها ، لاهي بأعيانها ولا من نسلها.

ثم قال علي بن الحسين (ع) : إن الله مسخ هؤلاء لاصطيادهم السمك ، فكيف ترى عند الله عزوجل حال من قتل أولاد رسول الله وهتك حرمته؟! (٨) إن الله تعالى وإن لم

__________________

(١) في المصدر : مخالفتنا لكم وكراهتنا لفعلكم. قلت : ولعل ما في المتن أصح وكانوا يخاطبون فرقة اخرى غير الذين اعتدوا في السبت.

(٢) مقصين أي مبعدين ، وفي البرهان : مقصرين.

(٣) أي لايبالون به ولايهتمون له.

(٤) في المصدر : فمسخهم الله كلهم قردة خاسئين ، وبقى باب المدينة مغلقا ( مغلقة خ ل ) لا يخرج منه احد ، ولا يدخله احد.

(٥) تسنم الشئ : علاه وركبه.

(٦) في المصدر : ويؤمى برأسه بلا او نعم.

(٧) أي ذهبت بهم إلى البحر.

(٨) في المصدر : وهتك حريمه.

٥٨

يمسخهم في الدنيا فإن المعد لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب المسخ. ثم قال عليه‌السلام : أما إن هؤلاء الذين اعتدوا في السبت لو كانوا حين هموا بقبيح فعالهم سألوا ربهم بجاه محمد وآله الطيبين أن يعصمهم من ذلك لعصمهم ، وكذلك الناهون لهم لو سألوا الله عزوجل أن يعصمهم بجاه محمد وآله الطيبين لعصمهم ، ولكن الله عزوجل لم يلهمهم ذلك ولم يوفقهم له فجرت معلومات الله فيهم على ما كان سطر في اللوح المحفوظ. (١)

بيان : قال الطبرسي قدس الله روحه في قوله تعالى : « ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت » : أي الذين جاوزوا ما أمروا به من ترك الصيد يوم السبت ، وكانت الحيتان تجتمع في يوم السبت لامنها فحبسوها في السبت وأخذوها في الاحد ، فاعتدوا في السبت ، أي ظلموا وتجاوزوا ماحد لهم لان صيدها هو حبسها.

وروي عن الحسن أنهم اصطادوا يوم السبت مستحلين بعد مانهوا عنه. « فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين » هذا إخبار عن سرعة مسخه إياهم ، لا أن هناك أمرا ، ومعناه : جعلناهم قردة ، كقوله : « فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها ». (٢)

قال ابن عباس : فمسخهم الله عقوبة لهم ، وكانوا يتعاوون وبقوا ثلاثة أيام لم يأكلوا ولم يشربوا ولم يتناسلوا ، ثم أهلكهم الله تعالى وجاءت ريح فهبت بهم فألقتهم في الماء ، وما مسخ الله أمة إلا أهلكها ، فهذه القردة والخنازير ليست من نسل أولئك ، ولكن مسخ أولئك على صورة هؤلاء يدل عليه إجماع المسلمين على أنه ليس في القردة والخنازير من هو من أولاد آدم ، ولو كانت من أولاد الممسوخين لكانت من بني آدم. وقال مجاهد : لم يمسخوا قردة وإنما هو مثل ضربه الله كما قال : « كمثل الحمار يحمل أسفارا » (٣) وحكي عنه أيضا أنه قال : مسخت قلوبهم ، فجعلت كقلوب القردة لا تقبل وعظا ولا تتقي زجرا ، وهذان القولان يخالفان الظاهر الذي أكثر المفسرين عليه من غير ضرورة تدعو إليه.

__________________

(١) تفسير العسكري : ١٠٦ ١٠٨.

(٢) فصلت : ١١.

(٣) الجمعة : ٥.

٥٩

وقوله : « خاسئين » أي مبعدين عن الخير ، وقيل : أذلاء صاغرين مطرودين. (١)

وقال رحمه الله في قوله تعالى : « واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر » أي مجاورة البحر وقريبة منه وهي أبلة (٢) عن ابن عباس ، وقيل : هي مدين ، عنه أيضا ، وقيل : الطبرية ، عن الزهري « إذ يعدون في السبت » أي يظلمون فيه بصيد السمك ، و يتجاوزون الحد في أمر السبت « إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا » أي ظاهرة على وجه الماء ، عن ابن عباس ، وقيل : متتابعة ، عن الضحاك ، وقيل : رافعة رؤوسها ، قال الحسن : كانت تشرع إلى أبوابهم مثل الكباش البيض لانها كانت آمنة يومئذ « ويوم لايسبتون لاتأتيهم » أي ويوم لايكون السبت كانت تغوص في الماء. واختلف في أنهم كيف اصطادوا فقيل : إنهم ألقوا الشبكة في الماء يوم السبت حتى كان يقع فيها السمك ، ثم كانوا لا يخرجون الشبكة من الماء إلا يوم الاحد وهذا تسبب محظور ، وفي رواية عكرمة عن ابن عباس : اتخذوا الحياض فكانوا يسوقون الحيتان إليها ولا يمكنها الخروج منها فيأخذونها يوم الاحد ، وقيل : إنهم اصطادوها وتناولوها باليد في يوم السبت « كذلك نبلوهم » أي مثل ذلك الاختبار الشديد نختبرهم « بما كانوا يفسقون » أي بفسقهم وعصيانهم ، وعلى المعنى الآخر لا تأتيهم الحيتان مثل ذلك الاتيان الذي كان منها يوم السبت ، ثم استأنف فقال : « نبلوهم ».

« وإذ قالت أمة » أي جماعة منهم أي من بني إسرائيل الذين لم يصطادوا وكانوا ثلاث فرق : فرقة قانصة ، (٣) وفرقة ساكتة ، وفرقة واعظة ، فقال الساكتون للواعظين الناهين : « لم تعظون قوما الله مهلكهم » أي يهلكهم الله. ولم يقولوا ذلك كراهية لوعظهم ولكن ( لاياسهم )؟ أن يقبل هؤلاء القوم الوعظ ، فإن الامر بالمعروف إنما يجب عند عدم اليأس عن القبول ، عن الجبائي ، ومعناه : ماينفع الوعظ ممن لايقبل ، والله مهلكهم في الدنيا بمعصيتهم « أو معذبهم عذابا شديدا » في الآخرة « قالوا » أي قال الواعظون في جوابهم

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ١٢٩.

(٢) في المصدر : « أيلة » وهو الصحيح كما استظهرنا قبلا.

(٣) من قنص الطير : صاده.

٦٠