بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

الخلائق بشئ إلا جاءت به الريح فأخبرتك. وقال مقاتل : نسجت الشياطين لسليمان (ع) ساطا فرسخا في فرسخ ، ذهبا في أبريسم ، وكان يوضع فيه منبر من ذهب في وسط البساط فيقعد عليه وحوله ثلاثة آلاف كرسي من ذهب وفضة ، فيقعد الانبياء على كراسي الذهب والعلماء على كراسي الفضة ، وحولهم الناس ، وحول الناس الجن والشياطين وتظله الطير بأجنحتها حتى لاتقع عليه الشمس ، وترفع ريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح إلى الرواح ، ومن الرواح إلى الصباح. (١)

أقول : روى ابن شهر آشوب في البيان الخبر الثاني مختصرا ، وزاد فيه : وله تخت من عاج ميل في ميل ، وروى ذلك كله في عدة الداعي وزاد في آخره : فيحكى أنه مر بحراث فقال : لقد أوتي ابن داود ملكا عظيما ، فألقاه الريح في أذنه فنزل ومشى إلى الحراث وقال : إنما مشيت إليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه ، ثم قال : لتسبيحة واحدة يقبلها الله تعالى خير مما أوتي آل داود ، وفي حديث آخر : لان ثواب التسبيحة يبقى ، وملك سليمان يفنى. (٢)

٢٤ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن أبي الحسن الاسدي ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر (ع) قال : خرج أمير المؤمنين (ع) ذات ليلة بعد عتمة وهو يقول : همهمة همهمة ، وليلة مظلمة ، خرج عليكم الامام عليه قميص آدم ، وفي يده خاتم سليمان ، وعصا موسى. (٣)

٢٥ ـ كا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن سيف ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام قال : قلت له : إنهم يقولون في حداثة سنك ، فقال : إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود عليه‌السلام أن يستخلف سليمان وهو صبي يرعى الغنم ، فأنكر ذلك عباد بني إسرائيل وعلماؤهم ، فأوحى الله تعالى أن خذ عصي المتكلمين وعصا سليمان واجعلها في بيت واختم عليها بخواتيم القوم ، فإذا كان من الغد فمن كانت عصاه قد أورقت

__________________

(١) مجمع البيان ٧ : ٢١٥.

(٢) عدة الداعي : ١٩١ و ١٩٢ ، وفيه : كان معسكره مائة فرسخ في مائة فرسخ ، وفيه أيضا : وحوله ستمائة الف كرسي من ذهب وفضة.

(٣) اصول الكافي ١ : ٢٣١ و ٢٣٢.

٨١

وأثمرت فهو الخليفة ، فأخبرهم داود عليه‌السلام ، فقالوا : قد رضينا وسلمنا. (١)

٢٦ ـ كا : محمد بن الحسن وعلي بن إبراهيم الهاشمي ، عن بعض أصحابنا ، عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن أبي الحسن الرضا (ع) قال : قال علي بن الحسين عليهما‌السلام القنزعة (٢) التي على رأس القنبرة (٣) من مسحة سليمان بن داود (ع) ، وذلك أن الذكر أراد أن يسفد (٤) أنثاه فامتنعت عليه ، فقال لها : لاتمتنعي ما أريد إلا أن يخرج الله عزوجل مني نسمة يذكر به ، فأجابته إلى ما طلب ، فلما أرادت أن تبيض قال لها : أين تريدين أن تبيضي؟ فقالت : لا أدري أنحيه عن الطريق ، قال لها : إني أخاف أن يمر بك مار الطريق ، ولكني أرى لك أن تبيضي قرب الطريق ، فمن يراك قربه توهم أنك تعرضين للقط الحب من الطريق ، فأجابته إلى ذلك وباضت وحضنت حتى أشرفت على النقاب ، (٥) فبينا هما كذلك إذ طلع سليمان بن داود عليه‌السلام في جنوده والطير تظله ، فقالت له. هذا سليمان قد طلع علينا بجنوده ، ولا آمن أن يحطمنا ويحطم بيضنا ، فقال لها : إن سليمان عليه‌السلام لرجل رحيم ، فهل عندك شئ خبيته لفراخك (٦) إذا نقبن؟ قالت : نعم عندي جرادة خبأتها منك ، أنتظر بها فراخي إذا نقبن ، فهل عندك شئ؟ قال : نعم عندي تمرة خبأتها منك لفراخي ، قالت : فخذ أنت تمرتك وآخذ أنا جرادتي ونعرض لسليمان عليه‌السلام فنهديهما له ، فإنه رجل يحب الهدية ، فأخذ التمرة في منقاره ، وأخذت هي الجرادة في رجليها ، ثم تعرضا لسليمان عليه‌السلام ، فلما رآهما وهو على عرشه بسط يده لهما فأقبلا فوقع الذكر على اليمين ، ووقعت الانثى على اليسار ، وسألهما عن حالهما فأخبراه فقبل هديتهما وجنب جنده عنهما وعن بيضهما ، ومسح على رأسهما ودعا لهما

__________________

(١) اصول الكافي ١ : ٣٨٣.

(٢) القنزعة : الخصلة من الشعر تترك على الرأس.

(٣) بالضم فسكون : نوع من العصافير.

(٤) اي اراد ان يجامعها.

(٥) حضن الطير بيضه وعلى بيضه : رخم عليها للتفريغ. قوله : ( على النقاب ) من نقيب الحائط خرقه ، اي حتى اشرفت على خرق البيض.

(٦) في المصدر : رحيم بنا فهل عندك شئ هيأته لفراخك اذا نقبن.

٨٢

بالبركة ، فحدثت القنزعة على رأسهما من مسحة سليمان عليه‌السلام. (١)

٢٧ ـ نبه : روي أن سليمان بن داود عليه‌السلام مر في موكبه والطير تظله والجن والانس عن يمينه وعن شماله بعابد (٢) من عباد بني إسرائيل ، فقال : والله يا ابن داود لقد آتاك الله ملكا عظيما ، فسمعه سليمان فقال : لتسبيحة في صحيفة مؤمن خير مما أعطي ابن داود ، إن ما أعطي ابن داود يذهب وإن التسبيحة تبقى. (٣)

٢٨ ـ وكان سليمان (ع) إذا أصبح تصفح وجوه الاغنياء والاشراف حتى يجئ إلى المساكين ويقعد معهم ويقول : مسكين مع المساكين. (٤)

٢٩ ـ ارشاد القلوب : كان سليمان عليه‌السلام مع ماهو فيه من الملك يلبس الشعر ، و إذا جنه الليل شد يديه إلى عنقه ، فلا يزال قائما حتى يصبح باكيا ، وكان قوته من سفائف الخوص يعملها بيده ، وإنما سأل الملك ليقهر ملوك الكفر. (٥)

وروى الثعلبي في تفسيره بإسناده عن وهب بن منبه ، عن كعب قال : إن سليمان عليه‌السلام كان إذا ركب حمل أهله وسائر حشمه وخدمه وكتابه في مدينة من قوارير ، لها ألف سقف ، وتلك السقوف بعضها فوق بعض على قدر درجاتهم ، وقد اتخذ مطابخ و مخابز يحمل فيها تنانير الحديد وقدور عظام ، يسع كل قدر عشرة جزاير ، وقد اتخذ ميادين للدواب أمامه ، فيطبخ الطباخون ، ويخبز الخبازون ، وتجري الدواب بين يديه بين السماء والارض ، والريح تهوي بهم ، فسار من إصطخر إلى اليمن ، فسلك المدينة مدينة الرسول (ص) فقال سليمان : هذا دار هجرة نبي في آخر الزمان ، طوبى لمن آمن به ، و طوبى لمن اتبعه ، وطوبى لمن اقتدى به ، ورأى حول البيت (٦) أصناما تعبد من دون الله

__________________

(١) فروع الكافي ٢ : ١٤٦.

(٢) في المصدر : قال : فمر بعابد.

(٣) تنبيه الخواطر ١ : ١٢٩ ١٣٠.

(٤) تنبيه الخواطر ١ : ٢٠٣.

(٥) ارشاد القلوب ١ : ١٩٢ ، وفيه : وانما سأل الله الملك لاجل القوة والغلبة على ملوك الكفار ليقهرهم بذلك ، وقبله سأل الله القناعة.

(٦) أي بيت الحرام ولعل في العبارة سقط وهو : ثم سار إلى مكة ورأى حول البيت اصناما *

٨٣

فلما جاوز سليمان البيت بكى البيت ، فأوحى الله تعالى إلى البيت : ما يبكيك؟ قال : يارب أبكاني هذا نبي من أنبيائك وقوم من أوليائك مروا علي فلم يهبطوا في ، ولم يصلوا عندي ، ولم يذكروك بحضرتي والاصنام تعبد حولي من دونك ، فأوحى الله تعالى إليه : أن لاتبك فإني سوف أملاك وجوها سجدا ، وأنزل فيك قرآنا جديدا ، وأبعث منك نبيا في آخر الزمان أحب أنبيائي إلي ، وأجعل فيك عمارا من خلقي يعبدونني وأفرض على عبادي فريضة يدفون (١) إليك دفيف النسور إلى وكورها ، ويحنون (٢) إليك حنين الناقة إلى ولدها ، والحمامة إلى بيضتها ، وأطهرك من الاوثان وعبدة الشيطان قال : وروي أن سليمان لما ملك بعد أبيه أمر باتخاذ كرسي ليجلس عليه للقضاء و أمر بأن يعمل بديعا مهولا بحيث أن لو رآه مبطل أو شاهد زور ارتدع وتهيب ، قال : فعمل له كرسي من أنياب الفيلة وفصصوه بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد وأنواع الجواهر وحففوه بأربع نخلات من ذهب ، شماريخها (٣) الياقوت الاحمر والزمرد الاخضر ، على رأس نخلتين منها طاووسان من ذهب وعلى رأس الآخرين نسران من ذهب ، بعضها مقابلا لبعض وجعلوا من جنبتي الكرسي أسدين من الذهب ، على رأس كل واحد منهما عمود من الزمرد الاخضر ، وقد عقدوا على النخلات أشجار كروم من الذهب الاحمر واتخذوا عناقيدها من الياقوت الاحمر بحيث يظل عريش الكروم النخل والكرسي ، قال : وكان سليمان عليه‌السلام إذا أراد صعوده وضع قدميه على الدرجة السفلى فيستدير الكرسي كله بما فيه دوران الرحى المسرعة ، وتنشر تلك النسور والطواويس أجنحتها ، وتبسط الاسدان أيديهما فتضربان الارض بأذنابهما ، فكذلك كل درجة يصعدها سليمان عليه‌السلام ، فإذا استوى بأعلاه أخذ النسران اللذان على النخلتين تاج سليمان فوضعاه على رأس سليمان

__________________

* قلت : والذي رأيته في كتاب التيجان : ١٥٣ لوهب بن منبه أن سليمان سار إلى مكة فنزل وصلى فيه ومر بقبر اسماعيل فنزل اليه وألم به ، قال : وكان ملك مكة يومئذ البشر بن لبلغ بن عمرو بن مضاص بن عبد المسيح بن نفيلة بن عبد المدان بن حشرم بن عبدياليل بن جرهم بن قحطان بن هود النبي عليه‌السلام ، وكان البشر عاملا لبلقيس.

(١) دف : مشى مشيا خفيفا ، دف الطائر : حرك جناحيه كالحمام.

(٢) حن اليه : اشتاق.

(٣) شماريخ : جمع الشمروخ : العذق عليه بسر او عنب.

٨٤

عليه‌السلام ، ثم يستدير الكرسي بما فيه ويدور معه النسران والطاووسان والاسدان قائلات (١) برؤوسها إلى سليمان ينضحن (٢) عليه من أجوافها المسك والعنبر ، ثم تناولت حمامة من ذهب قائمة على عمود من جوهر من أعمدة الكرسي التوراة فيفتحها سليمان (ع) ويقرؤها على الناس ، ويدعوهم إلى فصل القضاء ، ويجلس عظماء بني إسرائيل على كراسي من الذهب المفصصة بالجوهر وهي ألف كرسي عن يمينه ، وتجئ عظماء الجن وتجلس على كراسي الفضة عن يساره وهي ألف كرسي حافين جميعا به ، ثم يحف بهم الطير فتظلهم ، وتتقدم إليه الناس للقضاء ، فإذا دعا بالبينات والشهود لاقامة الشهادات دار الكرسي بما فيه مع جميع ماحوله دوران ( الرحى )؟ المسرعة ويبسط الاسدان أيديهما و يضربان الارض بأذنابهما ، وينشر النسران والطاووسان أجنحتهما فيفزع منه الشهود و يدخلهم من ذلك رعب ولا يشهدون إلا بالحق. (٣)

( باب ٦ )

* ( معنى قول سليمان عليه السلام : هب لي ملكا لاينبغي ) *

* ( لاحد من بعدي (٤) ) *

١ ـ مع ، ع : أحمد بن يحيى المكتب ، عن أحمد بن محمد الوراق ، عن علي بن هارون الحميري ، عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي ، عن أبيه ، عن علي بن يقطين قال : قلت لابي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : أيجوز أن يكون نبي الله عزوجل بخيلا؟ فقال : لا ، فقلت له : فقول سليمان : « رب اغفر لي وهب لي ملكا لاينبغي لاحد من بعدي » ما وجهه ومعناه؟ فقال : الملك ملكان : ملك مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار الناس ، وملك مأخوذ من قبل الله تعالى ذكره كملك آل إبراهيم وملك طالوت وملك ذي القرنين ، فقال سليمان عليه‌السلام : « هب لي ملكا لاينبغي لاحد من بعدي » أن يقول : إنه مأخوذ بالغلبة والجور

__________________

(١) في نسخة : مائلات.

(٢) اي ترش عليه المسك.

(٣) تفسير الثعلبي « الكشف والبيان » مخطوط لم يطبع إلى الان ، والحديث كما ترى مروى عن وهب بن منبه العامي ، وفي اخباره شواذ وغرائب.

(٤) ص : ٣٤.

٨٥

وإجبار الناس ، فسخر الله عزوجل له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، وجعل غدوها شهرا ورواحها شهرا ، وسخر الله عزوجل له الشياطين كل بناء وغواص وعلم منطق الطير ، ومكن في الارض ، فعلم الناس في وقته وبعده أن ملكه لا يشبه ملك الملوك المختارين (١) من قبل الناس والمالكين بالغلبة والجور. قال : فقلت له : فقول رسول الله (ص) : رحم الله أخي سليمان بن داود ما كان أبخله؟! (٢) فقال : لقوله عليه‌السلام وجهان : أحدهما ما كان أبخله بعرضه وسوء القول فيه ، والوجه الآخر : يقول : ماكان أبخله إن كان أراد مايذهب إليه الجهال. ثم قال عليه‌السلام : قدوالله أوتينا ما أوتي سليمان ومالم يؤت سليمان ومالم يؤت أحد من الانبياء ، قال الله عزوجل في قصة سليمان : « هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب » وقال عزوجل في قصة محمد (ص) : « ما آتاكم الرسول فخذوه و مانهاكم عنه فانتهوا ». (٣)

بيان : تأويله (ع) للآية الكريمة يحتمل وجهين : الاول أن يكون (ع) قدر في الآية شيئا وهو قوله : أن يقول ، أي هب لي ملكا يكون لعظمته (٤) بحيث لا يقدر أحد على أن يقول : إنه كملك سائر الملوك مأخوذ بالجور والغلبة. ويؤيده الوجه الاول من وجهي تأويل الخبر حيث بخل بعرضه في هذا الدعاء ، وسأل الله أن يرفع عنه ألسن الناس بأن ملكه مأخوذ بالجور ، ولا يكون عرضه عرضة لملام لئام الخلق.

الثاني : أن يكون المعنى أنه عليه‌السلام سأل ربه ملكا لا يتهيأ للملوك الجائرين (٥) تحصيله بالجور والغلبة ليكون معجزا له على نبوته وآية على خلافته ، فلا يمنع هذا الكلام أن يعطي الله من بعده من الانبياء والاوصياء أضعاف ما أعطاه ، فيكون قوله : ( لا ينبغي لاحد من بعدي أن يقول ) بيانا لحاصل المعنى ولازمه لا تقديرا في الكلام ، أي طلب

__________________

(١) في نسخة : الجبارين.

(٢) لم يرو هذا الخبر في اصولنا المتلقاة من المعصومين ، ولا في شئ من اخبارنا ، وهو من مرويات العامة القائلين بجواز صدور امثاله من نبي في حق نبي آخر ، وسيأتي بعد ذلك ايعاز من المصنف إلى ان الامام عليه‌السلام لم اوله ولم يصرح بانه موضوع.

(٣) معاني الاخبار : ١٠٠ ١٠١ علل الشرائع : ٣٥.

(٤) هكذا في النسخ ، والصحيح : يكون عظمته.

(٥) في نسخة : للملوك الجبارين.

٨٦

ملكا لم يقدر أحد على تحصيله بقوته لئلا يقال : إن ملكه مأخوذ بالغلبة ، فلا يكون معجزا له ، فعلى هذا يكون قوله عليه‌السلام : ( ما أبخله بعرضه ) لانه كان ذلك أيضا مقصودا له ضمنا وإن كان المقصود بالذات كونه معجزا ، والظاهر أنه عليه‌السلام كان يعلم أن الخبر موضوع ، وإنما أوله تحرزا عن طرح الخبر المشهور بينهم تقية ، ولذا ردد عليه‌السلام بين الوجهين ، ولو كان صادرا عنه (ص) لكان عالما بما أراده به ، وأما كون ما أعطاه الرسول أفضل (١) فلانه تعالى أعطى سليمان ما أعطى وفوض الامر إليه في بذله ومنعه ولم يفوض إليه تعيين أمر بخلاف نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنه فوض إليه الامر وأمر الناس باتباعه في كل مايقول ، وهذا مبني على التفويض وسيأتي تحقيقه في كتاب الامامة.

ويحتمل أن يكون الفضل بسبب أنه فوض إليه إعطاء الامور الدنيوية ومنعها وأعطى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الرئاسة العامة في الدين والدنيا لجميع الخلق ، وفيه شئ.

وقال الطبرسي في قوله تعالى : « رخاء » أي لينة سهلة ، وقيل : طيبة سريعة ، و قيل : أي مطيعة « حيث أصاب » أي حيث أراد سليمان من النواحي. (٢)

٢ ـ ب : محمد بن عبدالحميد ، عن أبي جميلة ، عن أبي عبدالله (ع) في قول سليمان : « هب لي (٣) ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي إنك أنت الوهاب » قلت : فأعطي الذي دعا به؟ قال : نعم ، ولم يعط بعده إنسان ما أعطي نبي الله عليه‌السلام من غلبة الشيطان فخنقه إلى

__________________

(١) في الحديث غموض واجمال ، والوجهان اللذان ذكرهما المصنف في معناه ايضا لا يخلوان عن خفاء واشكال ، ويمكن أن يكون المعنى ان سليمان عليه‌السلام كان مختارا في بذل ما اعطاه الله وامساكه وكذا امته كانوا مختارين في قبوله ورده ، ولكن امة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا مكلفين أن يأخذوا بأمره وينتهوا بنهيه ، وهو أيضا لا يخلو عن تأمل والله يعلم وامناؤه.

وذكر الكليني عن زيد الشحام انه قال : سألت ابا عبدالله عليه‌السلام في قوله تعالى : « هذا عطاؤنا فامنن او امسك بغير حساب » قال : اعطى سليمان ملكا ثم جرت هذه الاية في رسول الله صلى الله عليه وآله ، وكان له يعطى مايشاء من يشاء ، ويمنع من يشاء مايشاء ، واعطاه افضل مما اعطى سليمان لقوله تعالى : « ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ».

(٢) مجمع البيان ٨ : ٤٧٧.

(٣) في المصدر : رب هب لي.

٨٧

ـ أسطوانة (١) حتى أصاب بلسانه (٢) يد رسول الله (ص) ، فقال رسول الله : لولا ما دعا به سليمان لاريتكموه. (٣)

تذييل : قال الطبرسي قدس الله روحه : يسال عن هذا فيقال : إن هذا القول من سليمان يقتضي الضنة والمنافسة لانه لم يرض بأن يسأل الملك حتى أضاف إلى ذلك أن يمنع غيره منه. وأجيب عنه بأجوبة : أحدها أن الانبياء لا يسألون إلا مايؤذن لهم في مسألته ، وجائز أن يكون الله أعلم سليمان أنه إن سأل ملكا لايكون لغيره كان أصلح له في الدين ، وأعلمه أنه لاصلاح لغيره في ذلك ، ولو أن أحدنا صرح في دعائه بهذا الشرط حتى يقول : اللهم اجعلني أكثر أهل زماني مالا إذا علمت أن ذلك أصلح لي لكان ذلك منه حسنا جائزا ، (٤) اختاره الجبائي.

وثانيها : أنه يجوز أن يكون عليه‌السلام التمس من الله آية لنبوته يبين بها من غيره وأراد : لاينبغي لاحد غيري ممن أنا مبعوث إليه ، ولم يرد من بعده إلى يوم القيامة من النبيين كما يقال : أنا لا أطيع أحدا بعدك ، أي لا أطيع أحدا سواك.

وثالثها : ما قاله المرتضى قدس الله سره : إنه يجوز أن يكون إنما سأل ملك الآخرة وثواب الجنة ، ويكون معنى قوله : « لاينبغي لاحد من بعدي » لا يستحقه بعد وصولي إليه أحد ، من حيث لا يصلح (٥) أن يعمل ما يستحق به ذلك لانقطاع التكليف.

ورابعها : أنه التمس معجزة تختص به ، كما أن موسى عليه‌السلام اختص بالعصا و اليد (٦) واختص صالح بالناقة ، ومحمد (ص) بالقرآن والمعراج ، ويدل عليه ماروي مرفوعا

__________________

(١) هكذا في نسخة ، وفي اخرى السوايطة ، وفي ثالثة : تحت ابطه ، وفي المصدر : إلى سوايطه ، والكل مصحف. وفي مجمع البيان إلى سارية.

(٢) في المصدر : حتى اصاب لسانه.

(٣) قرب الاسناد : ٨١.

(٤) في المصدر هنا زيادة وهي هذه : ولا ينسب في ذلك إلى شح وضن.

(٥) في المصدر : لايصح.

(٦) في المصدر : واليد البيضاء.

٨٨

عن النبي (ص) أنه صلى صلاة فقال : إن الشيطان عرض لي ليفسد علي الصلاة فأمكنني الله منه فودعته (١) ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية (٢) حتى تصبحوا وتنظروا إليه أجمعين فذكرت قول سليمان « رب هب لي ملكا لاينبغي لاحد من بعدي » فرده الله خاسئا خائبا. أورده البخاري ومسلم في الصحيحين انتهى. (٣)

وقال الرازي : أجاب القائلون بأن الشيطان استولى على مملكته معناه أن يعطيه الله ملكا لايقدر الشياطين أن يقوموا مقامه ويسلبونه منه ، ثم قال بعد ماذكر بعض الاجوبة السابقة : الثالث أن الاحتراز عن طيبات الدنيا مع القدرة عليها أشق من الاحتراز عنها حال عدم القدرة عليها ، فكأنه قال : يا إلهي أعطني مملكة فائقة على ممالك البشر بالكلية حتى أحترز عنها مع القدرة عليها ليصير ثوابي أكمل وأفضل.

الرابع : من الناس من يقول : الاحتراز عن لذات الدنيا عسر صعب لان هذه اللذات حاضرة وسعادات الآخرة نسيئة ، والنقد يصعب بيعه بالنسيئة ، فقال سليمان : أعطني يارب مملكة تكون أعظم الممالك الممكنة للبشر حتى أني أبقى مع تلك القدرة الكاملة في غاية الاحتراز ليظهر للخلق أن حصول الدنيا لايمنع من خدمة المولى (٤) انتهى.

وذكر البيضاوي وجها آخر وهو أن المعنى : لاينبغي لاحد من بعدي لعظمته ، كقولك : لفلان ماليس لاحد من الفضل والمال ، على إرادة وصف الملك بالعظمة ، لا أن لا يعطى أحد مثله. (٥)

اقول : بعد ثبوت عصمة الانبياء وجلالتهم لابد من حمل ماصدر عنهم على محمل صحيح مجملا وإن لم يتعين في نظرنا ، وما ذكر من الوجوه محتملة وإن كان بعضها لايخلو من بعد ، وما ذكره الطبرسي أولا أظهر الوجوه ، (٦) ويمكن أن يقال : المنع عن غيره

__________________

(١) اي فتركته.

(٢) السارية : الاسطوانة.

(٣) مجمع البيان : ٨ : ٤٧٦ ٤٧٧.

(٤) مفاتيح الغيب ٧ : ١٣٧.

(٥) انوار التنزيل ٢ : ٣٤٦.

(٦) ويحتمل وجه آخر وهو أنه سأل الله أن يعطيه ملكا كذلك حتى يشكر عليه فيستحق بذلك

٨٩

لم يكن على وجه الضنة بل على وجه الشفقة ، لان ملك الدنيا في نظرهم خسيس دني لا يليق بالمقربين قربه ، ولما رأى صلاح زمانه في ذلك سأله اضطرارا ومنعه عن غيره إشفاقا عليهم ، أو يقال : إن كلامه مخصوص بمن عدا الانبياء والاوصياء وهو قريب من الثاني ، ويحتمل وجوها أخر تركناها مخافة الاطناب.

( باب ٧ )

* ( قصة مروره عليه السلام بوادى النمل وتكلمه معها وسائر ماوصل ) *

* ( اليه من أصوات الحيوانات ) *

الايات ، النم « ٢٧ » وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير فهم يوزعون * حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لايشعرون * فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ١٧ ١٩.

تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : « على واد النمل » هو واد بالطائف ، وقيل : بالشام « قالت نملة » أي صاحت بصوت خلق الله لها ، ولما كان الصوت مفهوما لسليمان عليه‌السلام عبر عنه بالقول ، وقيل : كانت رئيسة النمل « لايحطمنكم » أي لايكسرنكم « سليمان وجنوده وهم لايشعرون » بحطمكم ووطئكم فإنهم لو علموا بمكانكم لو يطؤوكم ، وهذا يدل على أن سليمان وجنوده كانوا ركبانا ومشاة على الارض ولم تحملهم الريح ، لان الريح لو حملتهم بين السماء والارض لما خافت النملة أن يطؤوها بأرجلهم ، ولعل هذه القصة كانت قبل تسخير الله الريح لسليمان عليه‌السلام : فإن قيل : كيف عرفت النملة سليمان وجنوده حتى قالت هذه المقالة؟ قلنا : إذا كانت مأمورة بطاعته فلابد أن يخلق الله لها من الفهم ما

__________________

* زيادة الثواب وارتقاء الرتبة ، كما شكر ذلك بعد ما اعطاه الله في قوله : « رب أوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا ترضاه وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين » ولعله انسب الوجوه ، ولا يوجب منقصة ، وليست فيه ضنة ولا شح.

٩٠

تعرف به أمور طاعته ، ولايمتنع أن يكون لها من الفهم ماتستدرك به ذلك ، وقد علمنا أنها تشق ماتجمع من الحبوب بنصفين مخافة أن تصيبه الندى فينبت إلا الكزبرة فإنها تكسرها بأربع لانها تنبت إذا قطعت بنصفين ، (١) فمن هداها إلى هذا فإنه يهديها إلى تمييز ما يحطمها مما لايحطمها ، وقيل : إن ذلك كان منها على سبيل المعجز الخارق للعادة لسليمان عليه‌السلام ، قال ابن عباس : فوقف سليمان عليه‌السلام بجنوده حتى دخل النمل مساكنه فتبسم ضاحكا من قولها ، وسبب ضحكه التعجب لانه رأى ما لاعهد له به ، وقيل : إنه تبسم بظهور عدله حتى عرفه النمل ، (٢) وقيل : إن الريح أطارت كلامها إليه من ثلاثة أميال حتى سمع ذلك فانتهى إليها وهي تأمر النمل بالمبادرة فتبسم من حذرها « رب أوزعني » أي ألهمني. (٣)

أقول : قال الرازي في تفسيره : رأيت في بعض الكتب أن تلك النملة إنما أمرت غيرها بالدخول لانها خافت أنها إذا رأت سليمان على جلالته فربما وقعت في كفران نعمة الله ، وهو المراد بقوله : « لايحطمنكم سليمان » فأمرتها بالدخول في مساكنها لئلا ترى تلك النعم فلاتقع في كفران نعم الله. (٤)

١ ـ فس : « وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير » (٥) قعد على كرسيه وحملته الريح (٦) على وادي النمل ، وهو واد ينبت الذهب والفضة ، وقد وكل الله به النمل وهو قول الصادق عليه‌السلام : إن لله واديا ينبت الذهب والفضة ، قد حماه الله بأضعف خلقه وهو النمل ، لورامته البخاتي (٧) ما قدرت عليه. فلما انتهى سليمان إلى وادي النمل فقالت نملة : « يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا

__________________

(١) في المصدر : باربع قطع ، لانها تنبت اذا شقت بنصفين.

(٢) في المصدر : تبسم بظهور عدله حيث بلغ عدله في الظهور مبلغا عرفه النمل.

(٣) مجمع البيان ٧ : ٢١٥.

(٤) مفاتيح الغيب ٧ : ٣٧٦.

(٥) في المصدر : والطير فهم يوزعون.

(٦) في المصدر : وحملته الريح فمرت به على وادي النمل.

(٧) في المصدر : البخاتي من الابل. قلت : البخاتي جمع البختية : الابل الخراسانية.

٩١

يشعرون * فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي » إلى قوله : « في عبادك الصالحين ».

وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : « فهم يوزعون » قال : يحبس أولهم على آخرهم. (١)

بيان : قال البيضاوي : « يوزعون » أي يحبسون بحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا. (٢)

٢ ـ ن ، ع : عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب القرشي ، عن منصور بن عبدالله الاصفهاني ، عن علي بن مهرويه القزويني ، عن داود بن سليمان الغازي قال : سمعت علي بن موسى الرضا (ع) يقول عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد (ع) في قوله عزوجل : « فتبسم ضاحكا من قولها » قال : لما قالت النملة : « يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لايحطمنكم سليمان وجنوده » (٣) حملت الريح صوت النملة إلى سليمان وهو مار في الهواء والريح قد حملته فوقف وقال : علي بالنملة ، فلما أتي بها قال سليمان : يا أيتها النملة أما علمت أني نبي الله وأني لا أظلم أحدا؟ قالت النملة : بلى ، قال سليمان فلم حذرتنيهم ظلمي وقلت : « يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم »؟ قالت النملة : خشيت أن ينظروا إلى زينتك فيفتتنوا بها فيبعدوا عن الله تعالى ذكره. (٤)

ثم قالت النملة : أنت أكبر أم أبوك داود؟ قال سليمان عليه‌السلام : بل أبي داود ، قالت النملة : فلم زيد في حروف اسمك حرف على حروف اسم أبيك داود؟ قال سليمان : مالي بهذا علم ، قالت النملة : لان أباك داود داوى جرحه بود فسمي داود ، وأنت يا سليمان أرجو أن تلحق بأبيك.

__________________

(١) تفسير القمي : ٤٧٦ و ٤٧٨.

(٢) انوار التنزيل ٢ : ١٩٥.

(٣) في المصدر : وجنوده وهم لايشعرون.

(٤) في نسخة وفي العلل : فيعبدون غير الله تعالى ذكره. وفي العيون : فيبعدون عن ذكر الله تعالى.

٩٢

ثم قالت النملة : هل تدري لم سخرت لك الريح من بين سائر المملكة؟ (١) قال سليمان : مالي بهذا علم ، قالت النملة : يعني عزوجل بذلك : لو سخرت لك جميع المملكة كما سخرت لك هذه الريح لكان زوالها من يدك كزوال الريح ، فحينئذ تبسم ضاحكا من قولها. (٢)

بيان : قال الثعلبي في تفسيره : رأيت في بعض الكتب وذكر نحوه ، وفيه : فقالت النملة : هل علمت لم سمي أبوك داود؟ فقال : لا ، قالت : لانه داوى جرحه بود ، هل تدري لم سميت سليمان؟ قال : لا ، قالت : لانك سليم ركنت إلى ما أوتيت لسلامة صدرك ، وآن لك أن تحلق بأبيك. (٣)

أقول : التعليل الذي ذكرته النملة يحتمل وجوها من التأويل :

الاول : وهو الذي ارتضيته أن المعنى أن أباك لما ارتكب ترك الاولى وصار قلبه مجروحا بذلك فداواه بود الله تعالى ومحبته فلذا سمي داود اشتقاقا من الدواء بالود وأنت لما لم ترتكب بعد وأنت سليم منه سميت سليمان ، فخصوص العلتين للتسميتين صارتا علة لزيادة اسمك على اسم أبيك.

ثم لما كان كلامها موهما لكونه من جهة السلامة أفضل من أبيه استدركت ذلك بأن ماصدر عنه لم يصر سببا لنقصه ، بل صار سببا لكمال محبته وتمام مودته ، وأرجو أن تلحق أنت أيضا بأبيك في ذلك ليكمل محبتك.

الثاني : أن المعنى أن أصل الاسم كان داوى جرحه بود وهو أكثر من اسمك ، وإنما صار بكثرة الاستعمال داود ، ثم دعا له ورجاه بقوله : أرجو أن تلحق بأبيك ، أي في الكمال والفضل.

الثالث : ماذكره بعض المعاصرين وهو أن المراد أن هذا الاسم مشتمل على سليم ،

__________________

(١) في نسخة : من بين سائر الملكة. قلت : الملكة : الملك. والمملكة : عز الملك وسلطانه وعبيده ، ما تحت أمر الملك من البلاد والعباد.

(٢) عيون الاخبار : ٢٣٣ ، علل الشرائع : ٣٥ ٣٦.

(٣) الكشف والبيان مخطوط.

٩٣

أو مأخوذ منه ، والسليم قد يستعمل في الجريح كاللديغ تفألا بصحته وسلامته ، أو أنت سليم من المداواة التي حصلت لابيك فلهذا سميت سليمان ، فالحرف الزائد للدلالة على وجود الجرح ، وكما أن الجرح زائد في البدن أو النفس عن أصل الخلقة كان في الاسم حرف زائد للدلالة على ذلك ، وفيه معنى لطيف وهو أن هذه الزيادة في الاسم الدالة على الزيادة في المسمى ليست مما يزيد به الاسم والمسمى كمالا ، بل قد تكون الزيادة لغير ذلك.

الرابع : مايفهم مما عنون الصدوق الباب الذي أورد الخبر فيه به ، (١) حيث قال : « باب العلة التي من أجلها زيد في حروف اسم سليمان حرف من حروف اسم أبيه داود » فلعله رحمه الله حمل الخبر على أن المعنى أنك لما كنت سليما أريد أن يشتق لك اسم يشتمل على السلامة ، ولما كان أبوك داود داوى جرحه بالود وصار كاملا بذلك أراد الله تعالى أن يكون في اسمك حرف من حروف اسمه لتلحق به في الكمال ، فزيد فيه الالف وما يلزمه لتمام التركيب وصحته من النون فصار سليمان ، وإلا لكان السليم كافيا للدلالة على السلامة ، فلذا زيد حروف اسمك على حروف اسم أبيك ، ولو كان في الخبر « من حروف اسم أبيك » كما رأينا في بعض النسخ كان ألصق بهذا المعنى. وقوله : ( أرجو أن تلحق بأبيك ) أي لتلك الزيادة فيدل ضمنا وكناية على أنه إنما زيد لذلك ، ولا يخفى بعده.

٣ ـ يه : بإسناده إلى حفص بن غياث ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام : أنه قال : إن سليمان ابن داود (ع) خرج ذات يوم مع أصحابه ليستسقي ، فوجد نملة قد رفعت قائمة من قوائمها إلى السماء وهي تقول : اللهم إنا خلق من خلقك لا غنى بنا عن رزقك ، فلا تهلكنا بذنوب بني آدم ، فقال سليمان عليه‌السلام لاصحابه : ارجعوا لقد سقيتم بغيركم. (٢)

أقول : روى البرسي في مشارق الانوار أن سليمان عليه‌السلام كان سماطه كل يوم سبعة أكرار ، فخرجت دابة من دواب البحر يوما وقالت : ياسليمان أضفني اليوم ، فأمر أن يجمع لها مقدار سماطه شهرا ، فلما اجتمع ذلك على ساحل البحر وصار كالجبل العظيم

__________________

(١) في كتابه العلل.

(٢) من لايحضره الفقيه : ١٣٨ ١٣٩.

٩٤

أخرجت الحوت رأسها وابتلعته ، وقالت : ياسليمان أين تمام قوتي اليوم؟ هذا بعض قوتي! فعجب سليمان (ع) فقال لها : هل في البحر دابة مثلك؟ فقالت : ألف أمة ، فقال سليمان : سبحان الله الملك العظيم.

وروى غيره أن سليمان عليه‌السلام رأى عصفورا يقول لعصفورة : لم تمنعين نفسك مني؟ ولو شئت أخذت قبة سليمان بمنقاري فألقيتها في البحر ، فتبسم سليمان عليه‌السلام من كلامه ثم دعاهما وقال للعصفور : أتطيق أن تفعل ذلك؟ فقال : لا يارسول الله ، ولكن المرء قد يزين نفسه ويعظمها عند زوجته ، والمحب لايلام على ما يقول ، فقال سليمان عليه‌السلام للعصفورة : لم تمنعينه من نفسك وهو يحبك؟ فقالت : يانبي الله إنه ليس محبا ولكنه مدع ، لانه يحب معي غيري ، فأثر كلام العصفورة في قلب سليمان ، وبكى بكاء شديدا واحتجب عن الناس أربعين يوما يدعو الله أن يفرغ قلبه لمحبته وأن لا يخالطها بمحبة غيره.

وروي أنه عليه‌السلام سمع يوما عصفورا يقول لزوجته : ادني مني حتى أجامعك لعل الله يرزقنا ولدا يذكر الله تعالى فإنا كبرنا ، فتعجب سليمان من كلامه وقال : هذه النية خير من مملكتي.

وقال البيضاوي : حكي أنه مر ببلبل يتصوت ويترقص ، فقال : يقول : إذا أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء ، (١) وصاحت فاختة فقال : إنها تقول : ليت الخلق لم يخلقوا. (٢)

وقال الزمخشري : روي أن قتادة دخل الكوفة والتف عليه الناس ، (٣) فقال : سلوا عما شئتم ، وكان أبوحنيفة حاضرا وهو غلام حدث (٤) فقال : سلوه عن نملة سليمان أكانت ذكرا أم أنثى؟ فسألوه فأفحم ، فقال أبوحنيفة : كانت أنثى بدليل قوله تعالى :

__________________

(١) العفاء : التراب.

(٢) أنوار التنزيل ٢ : ١٩٤.

(٣) اي تجمعوا.

(٤) الحدث : الشاب.

٩٥

« قالت نملة » وذلك أن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والانثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم : حمامة ذكر ، وحمامة أنثى. انتهى (١)

وقال ابن الحاجب في بعض تصانيفه : إن تأنيث مثل الشاة والنملة والحمامة من الحيوانات تأنيث لفظي ، ولذلك كان قول من زعم أن النملة في قوله تعالى : « قالت نملة » أنثى لورود تاء التأنيث في « قالت » وهما ، لجواز أن يكون مذكرا في الحقيقة ، وورود تاء التأنيث كورودها في فعل المؤنث اللفظي ، ولذا قيل : إفحام قتادة خير من جواب أبي حنيفة.

أقول : هذا هو الحق وقد ارتضاه الرضي رض‌الله‌عنه وغيره ، والحمد لله الذي فضح من أراد أن يدعي رتبة أمير المؤمنين عليه‌السلام بهذه البضاعة من العلم ، وهذا الناصبي الآخر الذي أراد أعوانه إثبات علو شأنه بأنه تكلم في بدء شبابه بمثل ذلك. (٢)

وقال الثعلبي في تفسيره : قال مقاتل : كان سليمان عليه‌السلام جالسا إذ مر به طائر يطوف ، فقال لجلسائه : هل تدرون ما يقول هذا الطائر الذي مر بنا؟ قالوا : أنت أعلم ، فقال سليمان : إنه قال لي : السلام عليك أيها الملك المتسلط على بني إسرائيل ، أعطاك الله سبحانه وتعالى الكرامة ، وأظهرك على عدوك ، إني منطلق إلى فروخي ، ثم أمر بك الثانية ، وإنه سيرجع إلينا الثانية فانظروا إلى رجوعه ، قال : فنظر القوم طويلا إذ مر بهم فقال : السلام عليك أيها الملك إن شئت أن تأذن لي كيما أكتسب على فروخي حتى يشبوا ثم آتيك فافعل بي ماشئت ، فأخبرهم سليمان بما قال وأذن له.

وعن كعب قال : صاح ورشان (٣) عند سليمان ، فقال : أتدرون ماتقول؟ قالوا : لا ، قال : فإنها تقول : لدوا للموت وابنوا للخراب. وصاحت فاختة فقال : تقول : ليت الخلق

__________________

(١) الكشاف ٣ : ٢٨٠.

(٢) ولو كان ما افاد صحيحا لما كان أيضا يدل على فضله وكماله ، لجواز أن يكون سمع ذلك من غيره فحفظه. كل ذلك لو كان للقضية واقع فكيف لو كانت من اصلها مختلقة موضوعة.

(٣) ورشان بفتح الواو والراء : نوع من الحمام البرى اكدر اللون فيه بياض فوق ذنبه. و قال الدميري : هو ساق حر وهو ذكر القمارى.

٩٦

لم يخلقوا. وصاح طاووس عنده فقال : أتدرون مايقول؟ قالوا : لا ، قال : فإنه يقول : كما تدين تدان. وصاح هدهد عنده فقال : إنه يقول : من لايرحم لايرحم. وصاح صرد (١) عنده فقال : تقول : استغفروا الله يا مذنبين. وصاح طوطي فقال : يقول : كل حي ميت وكل جديد بال. وصاح خطاف (٢) فقال : يقول : قدموا خيرا تجدوه. وهدرت حمامة فقال : تقول : سبحان ربي الاعلى ملء سماواته وأرضه. وصاح قمري فقال : يقول : سبحان ربي الاعلى. قال : والغراب يدعو على العشار. والحدأ (٣) يقول : كل شئ هالك إلا وجهه. والقطا (٤) يقول : من سكت سلم. والببغاء (٥) وهو طائر أخضر يقول : ويل لمن الدنيا همه. والضفدع يقول : سبحان ربي القدوس. والباز يقول : سبحان ربي وبحمده. والضفدعة تقول : سبحان المذكور بكل مكان.

وروي عن مكحول أنه صاح دراج عند سليمان بن داود (ع) فقال : أتدرون مايقول؟ قالوا : لا ، قال : فإنه يقول : الرحمن على العرش استوى. (٦)

٤ ـ دعوات الراوندي : ذكروا أن سليمان عليه‌السلام كان جالسا على شاطئ بحر فبصر بنملة تحمل حبة قمح تذهب بها نحو البحر ، فجعل سليمان ينظر إليها حتى بلغت الماء ، فإذا بضفدعة قد أخرجت رأسها من الماء ففتحت فاها فدخلت النملة فاها وغاصت الضفدعة في البحر ساعة طويلة وسليمان يتفكر في ذلك متعجبا ، ثم إنها خرجت من

__________________

(١) صرد بالضم فسكون : طائر ضخم الرأس أبيض البطن ، اخضر الظهر.

(٢) الخطاف بالفتح : طائر طويل الجناحين ، قصير الرجلين ، اسود اللون ، ويسمى في بر الشام بالخطف. قال الدميري : ويسمى زوار الهند وهو من الطيور القواطع إلى الناس تقطع البلاد البعيدة اليهم رغبة في القرب منهم. قلت : يقال له بالفارسية : برستو.

(٣) جمع الحداة بالكسر : طائر من الجوارح ، والعامة تسميه الحدية. قيل : يقال له بالفارسية : موش كير.

(٤) جمع القطاة : طائر في حجم الحمام قيل : طائر يقال له بالفارسية : سنك اشكنك.

(٥) الببغاء : طائر يسمع كلام الناس فيعيده ، قال الدميري : هو المسمى بالدرة ، وهو الطوطي.

(٦) الكشف والبيان مخطوط.

٩٧

الماء وفتحت فاها فخرجت النملة من فيها ولم يكن معها الحبة ، فدعاها سليمان (ع) وسالها عن حالها وشأنها وأين كانت ، فقالت : يانبي الله إن في قعر هذا البحر الذي تراه صخرة مجوفة وفي جوفها دودة عمياء ، وقد خلقها الله تعالى هنالك فلا تقدر أن تخرج منها لطلب معاشها ، وقد وكلني الله برزقها ، فأنا أحمل رزقها ، وسخر الله هذه الضفدعة لتحملني فلا يضرني الماء في فيها ، وتضع فاها على ثقب الصخرة وأدخلها ، ثم إذا أوصلت رزقها إليها خرجت من ثقب الصخرة إلى فيها فتخرجني من البحر ، قال سليمان عليه‌السلام : وهل سمعت لها من تسبيحة؟ قالت : نعم ، تقول : يامن لاينساني في جوف هذه الصخرة تحت هذه اللجة برزقك لاتنس عبادك المؤمنين برحمتك. (١)

( باب ٨ )

* ( تفسير قوله تعالى « فطفق مسحا بالسوق والاعناق » وقوله ) *

* ( عزوجل : « وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب » ) *

الايات : ص « ٣٨ » ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب * إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد * فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب * ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والاعناق * ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ٣٠ ٣٤.

تفسير : قال الطبرسي رحمه الله : « نعم العبد » أي سليمان « إنه أواب » أي رجاع إلى الله تعالى في أموره ابتغاء مرضاته « إذ عرض عليه » متعلق بنعم ، أو باذكر المقدر « بالعشي » أي بعد زوال الشمس « حب الخير » أي الخيل أو المال « عن ذكر ربي » أي آثرته على ذكر ربي. (٢)

١ ـ فس : قال علي بن إبراهيم في قوله : « ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب « إلى قوله » : حتى توارت بالحجاب » وذلك أن سليمان عليه‌السلام كان يحب الخيل

__________________

(١) دعوات الراوندي مخطوط.

(٢) مجمع البيان ٨ : ٣٧٤ و ٣٧٥.

٩٨

ويستعرضها ، فعرضت عليه يوما إلى أن غابت الشمس ، وفاتته صلاة العصر ، فاغتم من ذلك غما شديدا ، فدعا الله عزوجل أن يرد عليه الشمس حتى يصلي العصر ، فرد الله سبحانه عليه الشمس إلى وقت صلاة العصر حتى صلاها ، ثم دعا بالخيل فأقبل يضرب أعناقها وسوقها بالسيف حتى قتلها كلها ، وهو قوله عز اسمه : « ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والاعناق * ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب » إلى قوله : « إنك أنت الوهاب » وهو أن سليمان لما تزوج باليمانية ولد منها ابن وكان يحبه ، فنزل ملك الموت على سليمان وكان كثيرا ماينزل عليه ، فنظر إلى ابنه نظرا حديدا ، ففزع سليمان من ذلك ، فقال لامه : إن ملك الموت نظر إلى ابني نظرة أظنه قد أمر بقبض روحه ، فقال للجن والشياطين : هل لكم حيلة في أن تفروه من الموت؟ فقال واحد منهم : أنا أضعه تحت عين الشمس في المشرق ، فقال سليمان : إن ملك الموت يخرج مابين المشرق والمغرب ، فقال واحد منهم : أنا أضعه في الارضين السابعة ، (١) فقال : إن ملك الموت يبلغ ذلك ، فقال آخر : أنا أضعه في السحاب والهواء ، (٢) فرفعه ووضعه في السحاب فجاء ملك الموت فقبض روحه في السحاب ، فوقع ميتا على كرسي سليمان ، فعلم أنه قد أخطأ ، فحكى الله ذلك في قوله : « وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب » فقال : « رب اغفر لي وهب لي ملكا لاينبغي لاحد من بعدي إنك أنت الوهاب * فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب » والرخاء : اللينة « والشياطين كل بناء وغواص » أي في البحر « وآخرين مقرنين في الاصفاد » يعني مقيدين قد شد بعضهم إلى بعض ، وهم الذين عصوا سليمان عليه‌السلام حين سلبه الله عزوجل ملكه.

وقال الصادق (ع) : جعل الله عزوجل ملك سليمان عليه‌السلام في خاتمه ، فكان إذا لبسه حضرته الجن والانس والشياطين وجميع الطير والوحش وأطاعوه فيقعد على كرسيه ويبعث الله عزوجل ريحا تحمل الكرسي بجميع ماعليه من الشياطين والطير والانس و الدواب والخيل فتمر بها في الهواء إلى موضع يريده سليمان عليه‌السلام ، وكان يصلي الغداة

__________________

(١) في المصدر : في الارض السابعة.

(٢) في المصدر : في السحاب في الهواء.

٩٩

بالشام ، والظهر بفارس ، وكان يأمر الشياطين أن يحملوا الحجارة من فارس يبيعونها بالشام ، فلما مسح أعناق الخيل وسوقها بالسيف سلبه الله ملكه ، وكان إذا دخل الخلاء دفع خاتمه إلى بعض من يخدمه فجاء شيطان فخدع خادمه وأخذ من يده الخاتم ولبسه ، فخرت عليه (١) الشياطين والجن والانس والطير والوحوش ، وخرج سليمان عليه‌السلام في طلب الخاتم فلم يجده ، فهرب ومر على ساحل البحر وأنكرت بنو إسرائيل الشيطان الذي تصور في صورة سليمان ، وصاروا إلى أمه فقالوا لها : أتنكرين من سليمان شيئا؟ فقالت : كان أبر الناس بي وهو اليوم يعصيني ، (٢) وصاروا إلى جواريه ونسائه وقالوا : أتنكرن من سليمان شيئا؟ قلن : لم يكن يأتينا في الحيض وهو يأتينا في الحيض ، فلما خاف الشيطان أن يفطنوا به ألقى الخاتم في البحر ، فبعث الله سمكة فالتقمته وهرب الشيطان فبقوا بنو إسرائيل يطلبون سليمان عليه‌السلام أربعين يوما ، وكان سليمان (ع) يمر على ساحل البحر تائبا إلى الله مما كان منه ، فلما كان بعد أربعين يوما مر بصياد يصيد السمك فقال له : أعينك على أن تعطيني من السمك شيئا؟ قال : نعم ، فأعانه سليمان (ع) ، فلما اصطاد دفع إلى سليمان عليه‌السلام سمكة فأخذها فشق بطنها وذهب يغسلها فوجد الخاتم في بطنها فلبسه ، وحوت (٣) عليه الشياطين والجن والانس والطير والوحوش ورجع إلى ماكان ، وطلب ذلك الشيطان وجنوده الذين كانوا معه فقيدهم وحبس بعضهم في جوف الماء وبعضهم في جوف الصخر بأسامي الله ، فهم محبوسون معذبون إلى يوم القيامة.

قال : ولما رجع سليمان إلى ملكه قال لآصف بن برخيا وكان آصف كاتب سليمان وهو الذي كان عنده علم من الكتاب : قد عذرت الناس بجهالتهم فكيف أعذرك؟ فقال : لا تعذرني فلقد عرفت الحوت الذي أخذ خاتمك (٤) وأباه وأمه وعمه وخاله ، ولقد قال لي : اكتب لي ، فقلت له : إن قلمي لايجري بالجور ، فقال : اجلس ولا تكتب ، فكنت أجلس ولا أكتب شيئا ، ولكن أخبرني عنك ياسليمان صرت تحب الهدهد وهو أخس

__________________

(١) في نسخة : فحوت ، وفي اخرى : فحشرت.

(٢) في المصدر : وهذا اليوم يبغضني.

(٣) في المصدر : فخرت عليه.

(٤) في المصدر : قد عرفت الجن الذي أخذ خاتمك. وهو الصحيح.

١٠٠