بالفعل شيئا من الأشياء ، بل تعدّها لأن تكون بالفعل شيئا بالصورة. وليس معنى جوهريتها إلاّ أنّها أمر ليس في موضوع ، والاثبات هاهنا هو انّه أمر. وأمّا انّه ليس في موضوع فهو سلب ، و « انّه أمر » ليس يلزم منه أن يكون شيئا معينا بالفعل ، لأنّ هذا عامّ ولا يصير الشيء بالفعل شيئا بالامر العامّ ما لم يكن له فصل يحصّله ، وفصله انّه مستعدّ لكلّ شيء ، فصورته الّتي تظن له هي انّه مستعدّ قابل » (١) ؛ انتهى.
ويمكن الجواب عنها أيضا بانّه يعتبر في كون الشيء عاقلا لذاته ـ مع ما ذكروه من كونه مجرّدا قائما بذاته ـ أن لا يكون مخلوطا بشيء آخر بحيث لا يمكن تعيينه بدونه ، والهيولى ليست كذلك ـ لأنّها مخالطة بالصورة ولا يمكن تجرّدها عنها وتعينها بدونها في ذاتها ـ ؛ فلا يمكن أن تصير عاقلة ومعقولة. قال الشيخ : « انّ معقولية الشيء هو تجريده عن المادّة وعلائقها ، والشيء إذا كان يخالطه شيء غريب لا يكون مجرّدا البتّة ، فلا يكون عاقلا ولا معقولا لذاته ». وعلى هذا فالتجرّد الّذي هو شرط التعقّل انّما هو التجرّد بحسب الخارج عن الصورة وغيرها من اللواحق لا التجرّد بحسب مرتبة ذاته ، والهيولى وإن كانت مجرّدة عن الصور وغيرها بحسب مرتبة ذاته إلاّ أنّها ليست مجرّدة عنها بحسب الخارج والواقع ، وهذا كما أنّ الطبائع بحسب مرتبة ذاتها ـ أي : كونها طبائع من غير اعتبار اختلاطها بالمشخّصات والعوارض ـ تكون مجرّدة مع أنها بحسب الواقع والخارج غير مجرّدة عنها ، فكما انّ تجرّدها بحسب مرتبة ذاتها لا يوجب كونها عاقلة فكذا تجرّد الهيولى في مرتبة ذاتها لا يستلزم كونها عاقلة.
فحاصل الجواب الأوّل : انّ التجرّد عن المادّية وعلائقها شرط في التعقّل ونفس المادّة ليست مجرّدة عنها.
وحاصل الجواب الثاني : انّ التجرّد عن القوة والاستعداد شرط في التعقّل والهيولى عين القوّة والاستعداد.
وحاصل الجواب الثالث : انّ التجرّد عن الأمور الغريبة والتعيّن بدونها شرط في التعقّل والهيولى مخالطة بالصورة ولا يتعيّن بدونها.
__________________
(١) راجع : الشفا / الإلهيات ، ص ٦٧.