كعلمه بالمبصرات والمسموعات من دون تفاوت ـ فلعدم ورود هذه الألفاظ في الشريعة النبوية لايهامه التجسّم والنقص. قال المحقّق الطوسي في شرح رسالة العلم : « ولمّا كان السمع والبصر ألطف الحواسّ واشدّها مناسبة للعقل عبّر بهما عن العلم ، ولأجل ذلك وصفوا الباري ـ تعالى ـ بالسميع والبصير دون الشامّ والذائق واللامس وعنوا بهما العلم بالمسموعات والمبصرات » (١).
قيل : وإلى هذا المذهب ـ أي : كون السميع والبصير وسائر اخواتهما نفس العلم بمتعلّقاتها على الوجه الجزئى الحضوري ـ اشار المحقّق الطوسي في التجريد بقوله : « والنقل دلّ على اتصافه بالادراك والعقل على استحالة الآلات » (٢) ، لأنّ مراده من هذه العبارة أنّه ـ تعالى ـ متصف شرعا بالادراك ـ أي : ادراك المسموعات والمبصرات وسائر اخواتها ـ ، وإذا ثبت بالشرع أنّه ـ تعالى ـ متّصف بالادراك ثبت أنّه ـ تعالى ـ عالم بجميع المحسوسات وغيرها بذاته ، فكان بذاته عالما بالمسموعات والمبصرات وسائر اخواتهما بالوجه الّذي ندركه بالحواسّ ؛ فيكون مدركا لجميع المحسوسات بذاته من دون الاحتياج إلى الآلات ، لأنّ العقل يدلّ على استحالة الآلات وبالجملة المراد من الادراك هو نفس العلم بمتعلّقه الّذي هو المدرك باعتبار الوجود العيني. غاية ما في الباب أنّه ورد في الشريعة السميع والبصير بمعنى العلم بالمسموعات والمبصرات باعتبار وجودهما العيني ولم يرد فيها سائر اخواتهما بالمعنى المذكور.
ثمّ تخصيص الادراك الواقع في عبارة المحقّق بالسميع والبصير ـ كما ارتكبه الشارح الجديد (٣) ـ لا يناسب عموم عبارة المتن ، لأنّ الادراك أعمّ من السمع والبصر ؛ بل المناسب أن يقال : مراده إنّ السمع يدلّ على أنّه ـ تعالى ـ متصف بادراك جميع المحسوسات وهو نوع من العلم المطلق ، والعقل دلّ على استحالة الآلات ، فذاته ـ تعالى ـ مدرك جميع المحسوسات. فذاته ـ سبحانه ـ بذاته سميع بمعنى أنّه عالم بالمسموعات باعتبار
__________________
(١) راجع : رسالة شرح مسئلة العلم ، المسألة التاسعة ص ٣٧.
(٢) راجع : المسألة الخامسة من الفصل الثاني من المقصد الثالث ؛ كشف المراد ، ص ٢٢٤.
(٣) راجع : الشرح الجديد على التجريد ، ص ٣١٥.