قلنا : قد اجيب عنه بوجوه :
أحدها : إنّ المراد من الآية أنّه ليس قولنا لشيء من الأشياء عند تكوينه إلاّ هذا القول ـ أي : قول « كن » ـ ، وهذا لا يقتضي ثبوت هذا القول لكلّ شيء ، بل غايته أنّه لو قيل فيما يراد تكوينه قول لكان هذا القول ـ أعني : قول « كن » ـ ، كما تقول : ما أقول لأحد عند ارشاده إلاّ أن اقول له اعلم! ، فانّه لا يدلّ على أنّك تقول اعلم لكلّ أحد ترشده ، بل على أنّك لو قلت شيئا لأحد عند ارشاده لكان القول لفظ اعلم. وحينئذ نقول : لا يلزم أن يكون قول « كن » ممّا يلزم أن يقال فيه قول حتّى يكون مسبوقا بمثله.
ومنها : إنّ الواقع بكلمة « كن » ـ كما نقل سابقا عن شرح المقاصد ـ هو المحدث لا الحادث ، فانّه واقع بمجرّد القدرة ، ولا ريب في أنّ قوله ـ سبحانه ـ لا يكون محدثا بل يكون حادثا ، فلا يلزم مسبوقيته بكلمة « كن » ، فلا يلزم التسلسل.
ومنها : إنّ ظاهر قوله ـ تعالى ـ : « إذا اردناه » يدلّ على اختصاصه بالزمانيات ، لأنّ « إذا » للتوقيت ، فلا يكون وقوع / ٢٠٦ MB / القديم ـ كصفات الواجب سبحانه إذا كانت زائدة على الذات كما هو مذهب الأشاعرة ، ووقوع الحوادث الغير الزمانية ـ بأمر « كن » ، ومكتوبا في المصاحف للاجماع. ولا ريب في أنّ المكتوب في المصحف ليس هو الصور والاشكال ـ كما توهّم ـ ، بل المكتوب انّما هو اللفظ لأنّ الكتابة تصوير اللفظ بحروف هجائية. نعم! ، المثبت في المصحف هو الصور والاشكال.
وأورد عليه صدر المحقّقين : بأنّه لا يلزم من كون الكتابة تصوير اللفظ بحروف الهجائية أن يكون المكتوب لفظا ، فانّ نقش الفرس على الجدار مثلا تصوير الفرس بالنقش ومن البيّن أنّ النقش ليس فرسا ، بل نقشه المشعر به ، فكذا المكتوب صورة اللفظ المشعرة به لا نقشه. والحاصل : إنّ اللفظ انّما هو الحروف المرتّبة المنتظمة المسموعة من قبيل الاصوات وما هو مكتوب انّما هو نقش الألفاظ وصورتها وليس بألفاظ حقيقة ، بل هو دالّ على الالفاظ. وعلى هذا يصحّ أن يقال : اللفظ مكتوب والفرس منقوش بمعنى أنّ اللفظ الّذي هو الحروف المنتظمة المسموعة مصورة ـ أي : وضع صورته في القرطاس مثلا ـ ، لأنّ الكتابة انّما هو تصوير اللفظ والفرس الّذي هو حقيقة خارجية