بذاته ، بل هو لازم له ؛ لانّ العلم والتعقّل صفة للعالم والحضور صفة للمعلوم ، فيجب أن يكون العلم أمرا لازما للحضور المذكور ويكون صفة للعالم. وما قيل : انّ الحقّ هو الأوّل ـ أي : العينية ـ ليس في جهة معلوما. (١)
وقال بعض الفضلاء : انّه إن كان المراد بالحضور الوجود الرابطي لمجرّد ، فالحقّ انّ التعقّل والعلم هو الحضور ، لانّك قد عرفت سابقا انّ العلم هو وجود شيء لمجرّد قائم بالذات ؛
وإن كان أمرا آخر فالحقّ انّه لازم له.
وفيه : انّ المراد بالحضور هو الوجود الرابطي. وكونه عين العلم والتعقّل غير معلوم ، إذ هو صفة للمعلوم ـ كما ذكرناه ـ ، والعلم صفة للعالم. وما ذكره سابقا ليس إلاّ أنّ عند وجود شيء لمجرّد قائم بالذات يتحقّق العلم البتّة ، لا أنّه عين العلم البتّة.
ثمّ إنّ كون التعقّل لازما للحضور المذكور ليس أمرا بديهيا ، بل هو أمر نظري لا بدّ في اثباته من التمسّك بما ذكرناه في كون التجرّد مع القيام بالذات منشأ للتعقل.
وبما أشير إليه من انّه لمّا كان النفس الانسانية عالمة بالمعاني الكلية وكان ذاتها أيضا عالمة بذاتها / ١٣١ MA / تحدّسوا من مجموع الأمرين انّ التعقّل لازم لحضور المجرّد عند المجرّد القائم بالذات. وذلك لانّهم لمّا وجدوا النفس إذا اعتبرت من حيث ذاتها بدون وساطة أمر آخر من آلاتها وقواها عالمة بالمعاني الكلّية المجرّدة دون المعاني الجزئية المادّية ولم يتحقّق في هذه الصورة إلاّ حضور ماهية مجرّدة عند موجود مجرّد قائم بذاته ـ وان كان باعتبار القيام ـ علموا أنّ للتجرّد والحضور مدخلا في كون الشيء معلوما ، لكن لا يعلم بذلك أنّ مطلق الحضور كاف ، لاحتمال أن يعتبر الحضور القيامي. ثمّ ولما وجدوها عالمة بذاتها مع عدم امكان القيام فيه علموا انّ المعتبر هو مطلق الحضور وان كان بمعنى عدم الغيبة فتحدّسوا سواء من جميع ذلك أنّ مناط العلم انّما هو الحضور مع التجرّد سواء كان حقيقته ذلك أو كان حقيقته أمرا آخر متحقّقا مع ذلك البتة. ويمكن انّ يتحدّس من علم النفس بقواها الحالّة في محالّها الّتي هي اجسام مادّية لمجرّد حضورها عندها انّ التجرّد عن
__________________
(١) هكذا العبارة في النسختين.