نظر إلى استمرار الأمر الأزلي ـ وهو منشأ الأمر إلى زمان وجود المامور به وأنّه بعد وجوده يصير مأمورا بالفعل ـ حكم بانّ المعدوم ليس مأمورا به في / ٢١٤ MB / الأزل ؛ انتهى.
وحاصله التوجيه لكلّ واحد من المتخاصمين بارتكاب التجوّز ، وهو : إنّ من قال : الأمر في الأزل يتعلّق بالمعدوم ، فبناء كلامه على أنّ منشأ الأمر ـ وهو ذاته تعالى الأزلى ـ موجود في الأزل ، فكان الأمر المتعلّق بالمعدوم موجودا ؛ ومن قال بعدم تعلّق الأمر في الازل بالمعدوم ـ بل يستمرّ إلى زمان وجوده ؛ وبعده يتعلّق به مراده ـ إنّ منشأ الأمر وهو ذات الله ـ تعالى ـ بسرمديته مستمرّ ، فكان امره مستمرّا.
وأورد عليه : بانّ استمرار الأمر الأزلي لا دخل له في الحكم بانّ المعدوم / ٢١٧ DB / ليس بمأمور ، فيكفي أن يقال : ومن نظر إلى أنّ المعدوم بعد وجوده يصير مأمورا بالفعل حكم بانّ المعدوم ليس بمامور ، فانّ استمرار الأمر الأزلي إن لم يكن مضرّا بهذا الحكم لا يكون نافعا له.
وأجيب عنه : بانّ المراد إنّه وإن استمرّ الأمر الأزلي بمعنى منشأ الأمر عند هذا الناظر إلاّ أنّ الأمر لا يصير بالفعل عنده إلاّ بعد الوجود.
أقول : في جواز تعلّق خطاب المشافهة بالمعدومين اختلاف مشهور بين علماء الأصول ؛ والحقّ ـ على ما بيّناه في كتبنا الأصولية ـ جواز ذلك ؛ لكن لا على سبيل الحقيقة ، بل على سبيل المجاز إن تعلّق بالمعدومين فقط ، أو التغليب أو مجاز المشارفة إن تعلّق بالمعدومين والموجودين معا. وبذلك يظهر أنّ ما قيل : إنّ خطاب الحاضرين يكون قصدا والغائبين والمعدومين يكون ضمنا وتبعا انّما يجري فيما يكون متعلّق الخطاب الموجودين والمعدومين معا.
وقد ظهر ممّا ذكر ـ من صحّة تعلّق خطاب المشافهة بالمعدومين تجوّزا ـ أنّ الدليل المذكور غير تامّ ، لأنّه مبنيّ على ما ذكر من كون الأمر بلا مأمور والنهي بلا منهي والاخبار بلا سامع والنداء بلا مخاطب.
الخامس : إنّ الأمر لو كان ازليا لكان ابديا ، لأنّ ما ثبت قدمه امتنع عدمه ، فيبقى