البارئية ، كيف ولا تغيّبه « مذ » ولا تدنيه « قد » ولا تحجبه « لعلّ » ولا توقّته « متى » ولا تشمله « حين » ولا تقاربه « مع » (١).
منها ـ وهو الّذي ذكرنا آنفا انّه المختار الاصوب من سابقه ـ ، وتقريره : انّه قد ظهر ممّا سبق / ١٥٩ DB / انّ الواجب ـ سبحانه ـ بمنزلة مجمل الأشياء بمعنى انّه لمّا كان علّة للكلّ ومقتضيا تامّا له وكان الأشياء بأسرها لوازم ذاته ورشحات وجوده فكان الجميع منطو فيه ، وإذا كان الأشياء بجميعها مندمجة منطوية في ذاته بالمعنى المذكور فيكون هو بمنزلة مجمل الأشياء ، وحينئذ إذا علم ذاته علم الأشياء جميعا لا اجمالا ـ كما هو مذهب القائلين بالعلم الاجمالي ـ ، بل تفصيلا ـ أي : بعلمها بخصوصياتها اللازمة والعارضة واحكامها الكلّية والجزئية ـ ، وتكون عنده ممتازة بجميع تعيّناتها وخصوصياتها واحكامها ، فانّ كون الكلّ لوازم وجوده ورشحات فيضه وجوده يصلح أن يكون مصحّحا لانكشافه لديه وظهوره بين يديه ، فانّ ذلك كما يصلح أن يكون مصحّحا للانكشاف الاجمالي يصلح أن يكون مصحّحا للانكشاف التفصيلي من دون تفاوت أصلا ، فأيّ حاجة مع ذلك إلى القول بالعلم الاجمالي مع استلزامه للمفاسد الكثيرة المتقدّمة؟! ؛ وكيف لا يصلح معلولية الكلّ وانطوائه في ذاته ـ سبحانه ـ مصحّحا للعلم به تفصيلا مع أنّ حضور العلّة أقوى في باب الانكشاف من حضور المعلوم؟ ؛ ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (٢). فحضور الواجب ـ جلّ وعزّ ـ عند ذاته أقوى في انكشاف الأشياء عنده من حضور الأشياء عنده. فالعلم الحضوري هو حضور عين المعلوم عند العالم أو حضور ما هو أقوى من حضور المعلوم ، والعلم الحضوري بالنسبة إلى الواجب ـ تعالى ـ انّما هو بالاعتبار الثاني ـ أي : حضور ما هو أقوى من حضور المعلوم ، أعني : حضور ذاته المقدّسة ـ ؛ فمناط العلم بجميع الأشياء ليس سوى ذاته المقدّسة البسيطة من جميع الجهات. فذاته ـ تعالى ـ صورة علمية بجميع المجعولات ولجميعها شهود علمي ووجود جمعي وجداني عقلي في ذاته ـ سبحانه ـ ، وحضور ذاته بذاته عند ذاته هو حضور جميع الأشياء ؛ فالكلّ يصدر عنه منكشفا عنده. وعلمه بالاشياء بعد كونها ، كعلمه بها قبل كونها ولا تفاوت في ذلك
__________________
(١) راجع : نفس المصدر ، ص ٣٨.
(٢) كريمة ١٤ ، الملك.