المقتضي باقتضائه غير ذات المقتضي وصفاته بحيث لا يشاركه غيره ، وكما انّ الصورة الّتي بها يتميّز الشيء إذا حصل عند المدرك كان علما به كذلك المقتضي الّذي به يتميّز الشيء إذا حصل عند المدرك كان علما ظاهرا به. فاذا كان المقتضى لاشياء كثيرة متباينة الحقائق أمرا واحدا لتميز باقتضائه كلّ واحد منها ، فذاته ـ تعالى ـ لمّا كان علّة مقتضية لجميع الأشياء إمّا بواسطة أو بدونها وهو عالم بذاته علما تامّا والعلم التامّ بالعلّة بجميع وجوهها مستلزم للعلم بالمعلول كذلك فجميع الأشياء الممكنة المعلولة له ـ تعالى ـ يتعيّن بهذا الاقتضاء ، ولا يغيب عنها. ويتميّز باقتضائه كلّ ذرة من ذرات الوجود ولا يغيب شيء منها عن الشهود العلمي ، فالاشياء في مرتبة ذاته ـ سبحانه ـ وإن كانت معدومات صرفة إلاّ انّه لمّا كانت معلولة لذاته ـ تعالى ـ لازمة لوجوده ـ سبحانه ـ فهذه المعلولية واللازمية صارت منشأ لامتيازها وانكشافها بخصوصياتها ، ولا ينحصر مصحّح الانكشاف والامتيار العلمي بالوجود الخارجي والامتياز العيني ، فما ليس معلولا ولازما له ولا يقتضيه ذاته ـ كالممتنعات الصرفة ـ فلا نمنع عدم تعلّق العلم والانكشاف به ، لانّه ليس بشيء ( وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (١). وأمّا ما هو معلول له ومقتضى لذاته سواء وجد في وقت أو لم يوجد لعلّه راجع إلى نظام الخير ، فيتعلّق به الانكشاف ـ لما ذكر ـ.
فما قيل : انّه كيف يكون ذاته مقتضية للمعدومات والممتنعات وكيف تكون حاضرة متعيّنة مع أنّ التعيّن والحضور لا يمكن بدون الوجود ؛
ففيه ـ كما عرفت ـ : انّ التعين بدون الوجود جائز لمصحّح الاقتضاء والعلّية. نعم! ، لا يتحقّق التعين في الممتنعات لعدم تحقّق مصحّح الاقتضاء ، وأمّا المعدومات فان كانت داخلة في المعلولات والمقتضيات فيصحّ بعينها للمصحّح المذكور ؛ وان لم يوجد فظاهر ، وإلاّ فتكون داخلة تحت الممتنعات.
ثمّ انّه أورد على الجواب المذكور : بأنّ العلّة لمّا كانت مباينة للمعلول مغايرة له في الوجود فلا يكون حضورها حضوره ، وما لم يحضر الشيء عند المجرّد لا يكون مشعورا به بمجرّد كون ذلك المجرّد مبدأ امتيازه ؛ على أنّ قياس العلّة إلى الصورة وازالة الاستبعاد
__________________
(١) كريمة ٩٧ ، المائدة ؛ ....