لأنّ السماع من جميع الجهات غير مأخوذ في الجواب الأوّل ومأخوذ في الجواب الثاني ؛ ولا حاجة إلى حمل الجواب الثاني على أنّ المسموع هو الألفاظ باعتبار وجودها المثالي ، إذ الظاهر أنّه اعتبر فيه الصوت الخارجي ولا ضير فيه ، ويتصوّر سماعها باعتبار وجودها العيني من جميع الجوانب ـ كما قررناه ـ.
والحاصل : إنّ الهواء محيط بالسامع من جميع الجهات ، فربما أوجد الله ـ تعالى ـ الصوت في جميع الهواء المحيط فسمعه من جميع الجهات ، وتحقّق وضع حقيقي للهواء لا ينافي ذلك. نعم! ، لو لم يكن الهواء في بعض الجهات كان كذلك ، وما سمعنا من جهة خاصّة مع أنّ الهواء محيط بنا في جميع الجهات لأنّه لا يحدث منشأ الصوت إلاّ من جهة خاصّة ، فاذا لم يختصّ المنشأ في جهة خاصة بأن أوجدها الله ـ تعالى ـ في كلّ الهواء المحيط به ـ عليهالسلام ـ دفعة بنسبة واحدة لا يلزم الاختصاص بجهة خاصّة ؛ هذا.
واعلم! ، أنّه يمكن في حقّنا أيضا سماع الصوت من جميع الجهات بأن يفرض أنّ شخصا من الأشخاص احاط بجميع جوانبه اشخاص ينادونه دفعة ، فانّه يسمع من جميع الجوانب في آن واحد ؛ فكما يجوز ذلك في حقّنا يجوز ذلك في حقّ نبيّ الله ـ عليهالسلام ـ بطريق الأولى. غاية ما في الباب أن يكون موسى ـ عليهالسلام ـ سمع من جميع الجهات كلام الله ـ تعالى ـ ونحن نسمع كلام المخلوق كذلك.
وثالثها : أنّ موسى ـ عليهالسلام ـ سمع من جهة لكن بصوت غير مكتسب للعباد على ما هو شأن سماعنا ؛ وحاصله : أنّه ـ تعالى ـ اكرم موسى ـ عليهالسلام ـ فافهمه كلامه بصوت تولّى بخلقه من غير كسب لأحد من خلقه. وعلى هذا الوجه يكون المسموع هو الألفاظ الموجودة في الأعيان بايجاده ـ تعالى ـ بدون كسب المخلوق.
وأورد عليه : أمّا أوّلا بانّ هذا ليس موافقا للنقل المذكور ـ أي : ما نقل من أنّه عليهالسلام سمع من جميع الجهات ـ ؛
وأمّا ثانيا : فلأنّه يلزم على هذا الجواب أن يسمع من هو قريب من الشجرة المشهورة أو الطور ، وليس كذلك ؛ لأنّ الوحى على الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ لا يسمعه غيرهم من / ٢١١ MA / الحاضرين. وأيضا ملقي الكلام إلى جميع الأنبياء هو الله